عامر الطيب - في الليلِ تكبرُ السماءُ بمقدار غيمة

في الليلِ تكبرُ
السماءُ بمقدار غيمة ، الحديقة بمقدار طير نائحٍ،
يكبر أخوتي
و تكبر الفجوة فيما بينهم
تكبر بلادي أيضاً
إلى أن تضيق كحدوةٍ على قدميّ،
الأمر الذي يجعلني أرعى جسدي
بطريقةٍ فاتنة و دنيئة .
في الليل تهبُّ ريح جديدة
و غاطسة في الوحل
لكني أعايشها كشجرةٍ،
لا ريب أن الأغصان
التي تنكسر
ستفعل ذلك من أجلي !

ذات يوم
أحبت جرة
فملأها المسافرون بالماء ،
لقد باتتْ لا تسع
لكنهم لم يلتفتوا لذلك
و لو فعلوا ذلك فسيحسدونها قائلين:-
إنّ الجرةَ المكسورة تسع المياه كلها !

جئتُ إلى حبكِ كما جئتُ الآن
إلى غرفتي،
رفعتُ الملاءة و نظرتُ
للمروحة الخشبية ،
حمدتُ الآلة على ما تفعله ،
سمعتُ مرارة الفلاحين
وهم يستعدون لعمل شيء ذي قيمة
في هذا النهار الأقرب
إلى لعبةٍ.
عرفتُ إنني أحبك
مقارناً ذلك
بعطشهم اللاهب وهمُ يشقّون الأنهار!

لقد التقينا
طفلين صغيرين لم يتعدَ عمر أحدهما
أياماً،
ذكرياتنا كانت تتفتح في مكان ما،
في الأسرة حيث كان أهلنا
لا يفهمون حياتنا النابعة
من النظر.
لقد كنتِ تضحكين و هذا معنى
ما تقولينه غالباً
و كنت أبكي لأقول لك :
يا للأسى،
لا توجد لدي حياة طويلة
لأحبكِ منها !

في حياةٍ هنا لا أدري أين ،
أحببتكم جميعاً و قابلتكم فتذمرتُ
و أسفتُ لما حدث،
كانت قلوبكم تمشي على الأرض
كرجالٍ آخرين ،
كانت اجسادكم تولد
كل يوم فما أن يفرك أحدكم
جفنيه
حتى يبدو كمن عاش حياة ثانية.
في حياة هنا لا أدري أين
كانت ظلالكم لا تكفي
لتكونوا أشجاراً !

أغرس النبتة
و أقول فلتكن هذه نهاية محبتي
للأسماء .
يخطر لي
أن أنهي حياتي بنفسي
و قد تعدى عمري
الثمانين عاماً،
إنه كلام من لهب،
ما الذي بقي ؟
سيقول رفاقي
فأجيب:
تكمن الشجاعة
في أن نتخلى عن الهبة
عندما لا يتبقى شيء فيها !

أحبُّ ابنتي لتحبَّ ابنتها
متأملاً أن تفعل ابنتها
الأمر ذاته
مع ابنتها .
هكذا سأصعد تلة من غابر الزمان
لأصرخ كفمٍ غير بشري:-
لقد أحببتُ العالمَ
من أجلك يا آخر أحفادي!

كنتُ أقطع الأعشاب اليابسة
فسمعتُ إنك في بيتنا،
أعرف حذاء خالتك
و أعرف الخيبة التي تتحدث
بها عن حياتك.
دخلتُ و سلمتُ خجولاً
كمسيح مصلوب بزجاجة ،
ارتديتُ بجامتي و قعدتُ
بجانب أمي
لأنساكِ.
نهضتْ خالتك وقمتِ بعدها فوراً.
قلتُ:
"لو تنامون عندنا هذه الليلة"
لا أذكر إنني قلتُها
حرفياً،
فقد كانت أمي تزيل
الأعشاب اليابسة عن حلقي !

ها قد صار الشعراء شعراء طيبين أخيراً
يسمون الحجرة
حجرةً
و الحدبة حدبةً
و المسمار مسماراً.
ها قد صاروا
يبكون كما نبكي
مستندين على جدار
لا عبر المدينة بأجنحة مجهولة .
لقد صاروا
مثلنا تماماً
لكننا وجدنا فماً مسدوداً
فقلنا للهفة :-
لو يسمّونه حقلاً !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى