عبدالله البقالي - الأستاذ والأمير

من الحكايات التراثية، تفيد إحداها أن أحد السلاطين اختار للأمير مجموعة من الأساتذة و الفقهاء من أجل تأديب الأمير. و شرع كل واحد منهم في تقديم الدروس في شتى العلوم. و كل ذلك في مناخ يعمل كل واحد فيه على بسط أجود ما لديه من أجل نيل استحسان السلطان، و ترسيخ صورته لدى الأمير بكونه أحد أساتذته.
غير أن أحد الأساتذة حاد عن هذا المنحى. إذ حين حان دوره من أجل تقديم درسه. أغلق باب غرفة الدرس بإحكام. ووقف طويلا و هو ينظر للأمير و يفكر في صمت لحد أثار ارتياب الأمير و خوفه. و فعلا وقع ما حدسه. ذلك أن الأستاذ أخرج عصا. و دون أن يطرح إي سؤال، انقض على الأمير و أشبعه ضربا. و بعدها غادر غرفة الدرس و لم يظهر له أثر بعد ذلك.
على عكس المتوقع، لم يحدث الأمير أحدا بما جرى و كتم غيضه. و بعد سنين طوال، مات السلطان و خلفه ابنه. و كان إول قرار اتخذه، هو تكليف كل من حوله بالبحث عن الأستاذ. و أصر أن يراه ماثلا أمامه. و إن كان قد مات، فليحضروا رفاته.
استغرقت عملية البحث وقتا طويلا. و ذات يوم عثر عليه و تم تقديمه للسلطان.
ضحك السلطان حين رآه. تقدم نحوه و ألقى عليه نظرات فاحصة ليتأكد إنه هو نفسه الماثل امامه. و بعدها قال له: أمازلت من أهل الدنيا؟
قال الأستاذ: كما ترى.
قال السلطان: أعرفت لما طلبتك؟
رد الأستاذ: لا أستطيع حصر الأمر.
ضحك السلطان و قال: أتذكر ذلك الحفل في ذلك الزمان البعيد حين تم انتقاؤك مدرسا لي؟
رد الأستاذ مستفسرا: وهل لايزال ذلك حاضرا في بالك؟
ضحك السلطان و قال: و هل مثل تلك الذكريات تنسى؟
قال الأستاذ و كأنه يحدث نفسه: إذا لقد نجحت.
_ نجحت في ماذا ؟
قال الأستاذ: حين تم اقتراحي كمدرس لك، كنت طوال الوقت أفكر في الدرس الذي يمكن أن ألقنه لك و لا يستطيع أحد غيري فعل ذلك. الحساب؟ هناك الكثير ممن يستطيعون ذلك. اللغات؟ نفس الشى. الشريعة؟ نفس الوضع. لذلك إن كنت تذكر جيدا فأنا وقفت أمامك طويلا و أنا أفكر في ذلك الأمر. و في الختام اهتديت إلى أنه يوما ما سنصل إلى هذا الوضع نفسه الذي نعيشه الآن. أنت سلطان و حاكم. و لا أحد يستطيع أن يناقشك في أمر. و أن قناعتك وحدها هي التي تتولى ترتيب كل ما يحيط بك. و لذلك فكرت كيف أساهم في جعلك حاكما عادلا. و حسب قناعتي، فلايمكن لآنسان أن يكون عادلا إن لم يكن قد سبق له أن تذوق طعم و مرارة الظلم. و لذلك اخترت أن أظلمك. وذلك ما فعلته. و ها انت الان تؤكد لي صواب الفكرة التي انتابتني تلك اللحظة. و ها انت تعبر عن ذلك بالدليل القاطع، إذ بالرغم من انقضاء كل تلك السنين، لم تنس أن هناك من ظلمك. و أنت الآن في الموقع الذي تتحكم فيه في رقاب الناس. لذلك عليك ان تكون عادلا ما دمت قد تذوقت حرارة الظلم.
أنا قمت بواجبي على أكمل وجه. و لا يهمني الآن ما يمكن أن تفعله بي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى