أمل الكردفاني - أصابع الرَّب..

وهو صباح لا يمكنني وصفه، ولكن أحدهم في المكتب المجاور يفتح الإسبيكر ويتحدث مع شخص يخرج صوته كصوت مساعد الكابتن حينما يعلن تحرك الطائرة وربط الأحزمة.. فيزداد الصباح تعقيداً. هناك صوت المكيف يعمق الكارثة، وخطوات مكتومة لشخص يتحرك جيئة وذهاباً فوق الموكيت.. حفيف الجلاليب البيضاء.صمت مفاجئ. همس. أنظر في شاشة الكمبيوتر وأتمنى أن لا تردني رسالة من المدير. لا أريد أن أعمل اليوم، لا أريد أن أعمل أبداً. يسرح خيالي في إنشاء محل التحف الفنية، او قهوة القاهرة. أحاول أن لا أعود إلى الواقع. ينقبض صدري واحتاج لتدخين سجارة. لكنني سأحتاج للنزول إلى البدروم. تبدو المسافة طويلة، أطول من المسافة بين أصبعي وشاشة الموبايل. وأحزن على نفسي لسبب غير مفهوم. أو ربما لسبب مكتوم. أبدو غير مناسب لهذا الوضع. ولكن أي وضع ذلك الذي سيناسبني؟ هذا هو السؤال الذي لم أجد له إجابة. في الواقع كل الإجابات محض تخيلات. فها هما ثلثا العمر قد غرُبا وبقى الثلث الأخير. الثلث الذي من المفترض أن تحدث فيه المعجزات. وهي معجزات لأنها ستحدث بلا أدوات. يجب أن تحدث عبر تدخل إلهي يحسم كل شيء، يحذف كل شيء، وتخرق يد الرب السماء، وتنضم السبابة والإبهام والخنصر فوق ياقة قميصي وترفعني، تنتشلني في الواقع. لكن أين ستلقيني، لا أعرف، رغم أنه من المهم أن أعرف. لن ألتفت او أرفع رأسي لأرى وجه الرب فوقي، بل سأستسلم لأصابعه. وأشعر بدوخة طفيفة كما يحدث لي عندما يرتفع المصعد. تحملني أصابع الرب، وتحلق بي، تحوم بي فوق السماء، ولا يهم أن أرى ما هو تحتي، حتى تظل المعجزة معجزة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى