علي خليفة - القضايا التي عرضها محجوب موسى في مسرحه الشعري للطفل

أكثر من يكتبون للطفل - خاصة في المسرح - نجد أنهم قلما يتعرضون لقضايا الطفل ومشاكله، وتطلعاته في المجتمع، وإنما نراهم ينسحبون من معالجة هذه الأمور بعرض الأساطير والقصص الشعبية، والحكايات الطريفة، ويتم في مسرح الطفل صياغة هذه الأساطير والقصص الشعبية والحكايات الطريفة.
والسبب الأول الذي يجعل كتاب أدب الطفل يميلون لمعالجة الأساطير والقصص والحكايات الشعبية في كتاباتهم للطفل هو ما لهذه الأساطير والقصص والحكايات الشعبية من جاذبية كبيرة لدى الأطفال، كقصة سندريلا، وقصة الأميرة النائمة، وقصة عقلة الاصبع، وغيرها من القصص والحكايات ذات الأصول الشعبية، وبعضها يعد من أساطير الأمم.
والسبب الآخر الذي يجعل كتاب أدب الطفل يعالجون هذه الأساطير والقصص الشعبية في كتاباتهم للطفل هو خوفهم من معالجة قضايا الطفل ومشاكله بشكل واقعي في كتاباتهم للطفل؛ وذلك خشية أن يفقدوا القدرة على التعبير عن هذه الموضوعات، فتبدو المباشرة واضحة في كتاباتهم، كما أنهم يتخوفون من ألا يعجب الأطفال بكتاباتهم هذه التي تفتقد الخيال، وتتجه صوب الواقعية.
وأرى أن الطفل يستطيع أن يميز العمل الجيد المقدم له سواء أكان يعتمد على الحكايات الشعبية أم يصور واقعه، والقضايا التي تعنيه في مراحل طفولته المختلفة.
وفي هذا الصدد نستحث كتاب أدب الطفل في مصر وفي العالم العربي على ألا يتخوفوا من معالجة قضايا الطفل بأسلوب واقعي أو بأسلوب يجمع بين الواقع والخيال؛ لأن الطفل في حاجة ماسة لهذه الكتابات التي تمس واقعه، وتعبر عن قضاياه ومشاكله.
ويحسب للشاعر الكبير محجوب موسى أنه في مسرحياته الشعرية التي كتبها للطفل كان يهتم فيها بعرض قضايا الطفل والمشاكل التي تواجهه في المجتمع، وقد عالج محجوب موسى بعض قضايا الطفل بواقعية صرفة أحيانا وبواقعية ممزوجة بأجواء من الخيال في أحيان أخرى حتى يجذب الأطفال لمسرحياته، ولا يشعروا أن جانب الخيال الذي يعشقونه قد افتقدوه في هذه المسرحيات.
والآن نعرض قضايا الطفل ومشاكله التي عرضها محجوب موسى في مسرحه الشعري للطفل.
أولا: حق الطفل في أن يمارس الأنشطة المختلفة في المدرسة
ونرى محجوب موسى في مسرحية ابن جحا تلميذا ينتقد فترة الثمانينيّات من القرن الماضي التي كان فيها تكدس شديد للتلاميذ في الفصول المدرسية، ولم يكن التلاميذ يمارسون الأنشطة المدرسية المختلفة التي تنمي مواهبهم ويخرجون من خلالها طاقاتهم.
ومن الطريف في هذه المسرحية أن المؤلف لجأ لمزج الواقع بالخيال فيها؛ وذلك باستحضار جحا وابنه لعصرنا؛ ليقوما بنقد بعض الجوانب فيه، ويظهر جحا في بداية هذه المسرحية يائسا من إصلاح حال الناس في المجتمع؛ ولهذا قرر أن ينعزل عنه، وينتقد ابن جحا أباه جحا في ذلك، وينزل للمجتمع، ويتعجب من ظواهر كثيرة غريبة فيه، مثل استخدام بعض الأطفال لمفردات مبتذلة، ولعبهم كرة القدم في الشوارع، ويحاول ابن جحا أن يوجه الأطفال للسلوكيات الإيجابية التي تنافي هذه الأفعال والأقوال منهم، ولا يجد أي استجابة منهم، فيعود لأبيه جحا، ويوافقه على اعتزال الناس في البيت، وهي نهاية غريبة لهذه المسرحية الموجهة للطفل، فيها نوع من اليأس من الإصلاح، ولا تناسب هذه النهاية مسرح الطفل؛ لأننا لا يجب أن نبث اليأس في نفوس الأطفال من أي إصلاح منتظر، بل يجب أن نبث الأمل دائما في نفوسهم.
ثانيا: قضية الدفاع عن الأرض وإعادة العزة والكرامة عن طريق الحرب
وقليل من كتاب مسرح الطفل وأدب الطفل من يرون أن الحديث عن حرب أكتوبر المجيدة مما يشغل الطفل، وليس هذا بصحيح، فلا بد أن نعرف أطفالنا بالتاريخ المجيد لأمتنا في العصر الحديث ممثلا في هذه الحرب على وجه الخصوص، ونعرف الأطفال من خلالها أن الحرب تكون جائزة من أجل رد كيد المعتدين، ولإعادة الأرض التي احتلها المعتدي بدون وجه حق.
كما أننا من خلال عرض أحداث هذه الحرب نعلم أبناءنا أهمية التضحية في سبيل الوطن، ونعرض عليهم نماذج مشرفة لأبطال قدموا أرواحهم من أجل وطنهم في هذه الحرب المجيدة.
ونرى محجوب موسى في مسرحية البداية يصور لنا طفلة تحاول كتابة موضوع تعبير، وترى الكتابة تستعصي عليها؛ لشعورها بآلام حرب ٦٧، وبعض الأحداث التي تلتها، وتأتي لهذه الطفلة في غرفتها أرواح بعض المصريين الذين قضى عليهم العدو في خسة في دير ياسين وفي مدرسة بحر البقر وفي مصنع أبي زعبل، وتعيش مع هذه الأرواح أحزانها، ثم تفاجأ هذه الطفلة بدخول أختها عليها تبشرها بعبور القوات المصرية خط بارليف الحصين في حرب أكتوبر، فتسعد هذه الطفلة، وتستعد لكتابة صفحات عن هذا النصر العظيم في موضوع الإنشاء.
ثالثا: حث الطفل على أهمية الوحدة والاتحاد وعدم التفرق
ولا شك أن الاتحاد قوة والتفرق ضعف، والمجتمعات التي تكون متحدة يخشاها أعداؤها في حين يطمع الأعداء في المجتمعات المتفرقة.
وهذا المبدأ في الدعوة للاتحاد ونبذ الفرقة مبدأ إسلامي، يقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
وفي مسرحية الخيط يعرف محجوب موسى أهمية الاتحاد وخطورة التفرق على كل المستويات، بما في ذلك مستوى أفراد الأسرة الواحدة.
وفي هذه المسرحية يظهر الشر مجسدا في صورة إنسان، ونراه استطاع بمكره أن يندس بين أسرة، ويحاول زرع الشقاق والتفرقة بين أفرادها، وبنتبه أفراد هذه الأسرة لشره سريعا، ويواجهونه، فيشعر بالخزي، ويقرر أن يتخلص من حياته.
رابعا: الدعوة للقناعة والرضا بما وهبه الله لكل إنسان
ولا شك أن كثيرا من الأطفال يقارنون حالهم بحال غيرهم، وقد يضايقهم أنهم أقل من غيرهم في المستوى المادي والاجتماعي، ويتبدى هذا في المسكن والملبس والمأكل، وما شابه ذلك، ولا بد هنا أن نعرف الطفل بأنه لا بد أن تكون لديه قناعة بأن يحمد الله على ما وهبه إياه، وألا ينظر لغيره ممن يبدو في حالة أحسن من منظور الغيرة، بل عليه أن يستشعر القناعة والرضا، وينظر للأشياء التي ميزه الله بها هو وأسرته عن غيرهم، ومن ذلك الحب والرضا وراحة البال.
ونرى محجوب موسى يعرض لهذه القيمة الأخلاقية في مسرحية الثوب من خلال عرضه لطفلة لا تملك غير ثوب واحد، وتتضايق من هذا كثيرا، وتقارن نفسها بغيرها من الفتيات اللائي يملكن أثواب كثيرة، ثم ترى هذه الطفلة قطة، وتقول في نفسها: إن هذه القطة لا تملك غير هذا الشعر الذي عليها وتعيش سعيدة؛ ولذا يجب أن أكون أنا أيضا سعيدة بثوبي هذا الوحيد.
وقد رأينا أن الصراع ضعيف في مسرح محجوب موسى للطفل، فالأحداث في مسرحه للطفل لا تكاد تصل لصراع حقيقي، وتأتي الحلول سريعا، وربما كان هذا لأنه كان يركز في المضامين الهادفة في هذه المسرحيات، وإن كان هذا لا يبرر ضعف البناء والصراع في مسرحه للطفل.

علي خليفة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى