نبيلة غنيم - انتصاف

توتر يمتلكني، حلمٌ يفزعني عند استيقاظي، رأيتني على محفة الموت، يحيط بي أموات عائلتي بما فيهم والديَّ، أنسى جسدي المنتصب علي المحفة، أحتضنهم جميعا في لهفة، أسألهم عن حياتهم؟؟ يبتسمون لي، لا يتفوهون بكلمة، يشير أخي– الذي انتحر منذ عامين- إلي محفتي، أسرع إليه لأحتضنه، كم شاركني البكاء حال حياته، وشاركني الضحك والسخرية من الشخصيات التى عصرت أرواحنا وألقت بنا في فم الحياة كمُصَاصاتٍ بلا قيمة، كنا نتعاضد، نتساند، يواسي بعضنا بعضا، كلما مرت بنا رياح القهر، لكنه لم يصمد فألقي بنفسه من الشرفة.

انتبه لنفسي، اندهش لانتصافي، فقد أصبحت اثنتين، واحدة تشاهد من رحلوا وكأنهم عادوا للحياة وأخرى ماتت وظلت بلا حركة.

نعم أنا مسجاه بالفعل، انتحبُ من أجلي، أحزن بعمق.

شخصيات تمنيت موتهم ذات يوم، أبٌ قاسٍ تجرعتُ على يديه من العذاب ألوانا بحجة تهذيبي!!. أمٌ مستكينة لا تُحرك ساكناً، كم كرهتُ استكانتها وضعفها وخيبتها!!

يقف بالقرب من أبي مدرس فصلي في المدرسة الإعدادية الذي كان والدي يوصيه بتكسير عظامي، وقد كان يحلو للأستاذ تنفيذ الوصية!! مازالتْ صورته المشمئزة مرسومة في عيني!!

وهو يشير إلي لوحتي الفائزة بجائزة الرسم علي مستوى مدارس الجمهورية ويقول: كيف فازت هذه البلهاء في المسابقة؟!

كيف طاوعتها ريشتها بهذا الشكل؟!! يضرب كفاً بكف استهجاناً واستهانة بي، ظل يسخر من شخصي ولوحتي حتى أثار رغبة السخرية فيمن حولنا، سمعتُ ضحكات السخرية تصفع أذني وتكْسر فرحتي وتسحب الدمع من قلبي الدامي.

حقد سرمدي أكنه لكل فرد من هؤلاء، لماذا استيقظوا من الموت؟

يا للدهشة!!، أرى أول شخص أَطَلَ من شرفة حياتي!! كم لمس ذاتي ونَبَضَ به قلبي، أحببته، كم مناني بحياة جميلة معه، كنت أصدقه وأحلم معه، أَبْنَّي في خيالي حياة كاملة بكل تفاصيلها......

انقلبتْ به السيارة عندما كان مخموراً، يعربد مع فتاة ليل، يومها عزفتْ الحسرة علي قلبي لحناً جنائزياً، يندب نبضاً مهدوراً لذلك المستهتر الذي كان يُعبئ في أذني قطرات العسل المصفى من قارورة الحب المزيف.

ماذا أفعل معه الآن؟!! أأقتله مرة أخرى؟؟ أم يكفيه ما ذاق من مرارة الموتة الأولى؟!!

صرت أصوب نظرات الحقد لكل شخص جرعني مرارة القهر.



رأيت منظراً يُرعب النظر ويبعث الذهول في النفس، صارت نظراتي لمن قهروني كرصاصات تذيب كل من أصابته، الكل ينصهر ويعود إلي قبره تراباً.

إلا أخي، فقد نظرتُ إليه نظرة شفقة وحب، رحت احتمى به كما كنتُ أفعل، لكنه تبخر وصعد إلي السماء.

استيقظت بتثاقل وقد جدلني الحلم مع فراشي، بصعوبة أتحسس جسدي، أجده مثلجاً، أسأل نفسي: هل طالتني يد الموت حقاً؟. أم بعثتني أشعة الشمس المنكسرة على نافذتي لترسل الدفء في الجسد مرة آخري؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى