نبيلة غنيم - هذه ليلتي..

تمد يدها لتصل إلي أغواره.. تُمنى نفسها باستخراج جواهره التى دفنها تحت تراب الهموم .

تردد اسمه علي لسانها عدة مرات ... نبيل.. نبيل ... نبيل...

نعم ... كم هو نبيل!!! تحسبه أحد باشاوات القرن الماضي بأبهة طلعته وصمته الحكيم. . وقسمات وجهه الوسيم..

متجهم هو دائما يرسم علي وجهه علامات توحي للآخر بأنه شخصية مغلقة لا تسمح لكائن أياً ما كان الاقتراب من بابه.. يتخذ الصمت وسيلة لتجهيل الآخرين بحقيقته وكينونته.. لكن عيونه الطيبة تفضح مكنوناته وتقول أن وراء ذلك الوجه الكتوم الصامت بركان يصرخ بمحتواه، يعلو ويهبط يكاد يتميز من الحب تترك "سلمى" العنان للطفلة التى بداخلها لتسعى بين دهاليز نفسه التى أثقلها بالفكر حتى كادت تئن من حملها الثقيل هذا..

تشق قلبه عن شجن لو وزع على أهل الأرض لوسعهم..!!

حاولت جمع أشجانه لتنثرها في بحر هائج يبتلع أعتى الهموم في جوفه..

يراها وهي تسحب منه الهموم.. وتوقظ أفراحه.. يبتسم ابتسامة رضا.. لكنه سرعان ما يلملمها ويعود إلي تجهمه..

تبكى لأنها تكاد تعدم الوسيلة لتحقيق النصر في إنقاذه من الاستسلام لحالة السكون المطبق الذي يعيشه مع نفسه.. يعيش حالة من النصف موت..

تبتسم في حضرته ... لعل ابتسامتها تصيبه بالعدوى.

يسألها: من تكونين يا من حركت بداخلي الموات السرمدي؟؟

تقول له: سيموت الموت وتبقي أنت بجمال قلبك وبركانه الذي يتدفق بكل جمال.. سيموت الموت حينما تسطر خلودك علي أوراقك .. فحرام إعدام هذا القلم المبدع!!

ثم تردف قائلة : أنا بجوارك حارسة السعادة أمنحها لمن أتوسم فيهم أنهم يستحقونها ..

يرجوها أن تتركه ساكنا.. قائلا لها: الساكن بداخلي لو تحرك سيخرج وحشا أسطوريا..!!

  • تقول له في حماس ثوري:​
  • ليته يخرج ليرى النور .. هات ما عندك .. فالكاتب لو سكت ستهاجم الثلوج قلبه.. وأنت حي بداخلك بركان ثائر.. فأرجو أن تبعث فيه الحياة ..​
يرجوها أن تبتعد عنه وتتركه لهمومه وسكونه.

يزيدها رجاءه تصميما علي أن تُفجر بركانه لينثر كنوزه علي الورق.. فهو الكاتب الذي نسي قلمه في أدراج الهموم .. وبدلا من أن يسكبها قصصا وروايات.. كبتها وسحقها .. وسكن الصمت حياته ولعب دور المتفرج .. دون أن يحرك ساكنا.

يشعر معها بصرير حاد يدق أبواب عقله، ينقر قلبه الذي نسيَّه منذ زمن.

تطفل غريب يجتاحها .. تريد أن تفتح مغاليق أسراره.. فأرضه الفتية تغريها بحرثها واستخراج خيرها..

أتت بمصابيح روحها لتضئ روحه الحبيسة في زنزانة الهموم... وتنشر الربيع في قلبه قبل أن يسحقه الخريف الرابض في عيونه.

قطع الحديث فجأة قائلا لها: هل سمعتِ أغنية "هذه ليلتي" لأم كلثوم؟؟

ضحكت وعرفت أنه يتهرب من إتمام الحوار فقالت له:

  • غدا نغنيها معا علي أنغام الحروف التى ستنسج منها روايات مبهرة.. من فضلك افتح النور .. واخرج لأعلي قمة الحياة.. وانثر حروفك ثماراً يقتاتها البشر .​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى