عبدالرحيم لمساقي - تحت خط الحزن

المشي على شفير الهاوية بلا بصر و لا بصيرة و لا ضوء و لا دليل و لا رفيق، الإستلقاء على أريكة و تأمل حبل معلق بالسقف، البحث داخل درج و كل ما تراه عينك وسط الكثير من الأشياء هو علبة مبيد حشري، التسكع في الطرقات البعيدة المهجورة و كل ما يشد انتباهك هو تلك البقعة الضيقة الخاطفة تحت عجلات الشاحنات العابرة، أن تحاول الحديث إلى جدار فيعقد لسانك، أن تمسك القلم لتكتب فترتعش أصابعك، أن تتدثر فتشعر بالاختناق، أن تتعرى فتشعر بالبرد، أن تفكر و تشعر بالجنون أن تتوقف عن التفكير فيؤلمك قلبك، أن تغضب فتشعر بالمهانة، أن تستكين فتشعر بالمذلة و النبذ، أن تنظر للأفق فترى السحب السوداء المثقلة بالشك، أن تنظر خلفك فتجد جبل هم فوقك، أن تقف قويا فتتذكر مصائر غيرك أن تقف ضعيفا فتشعر برعشة الوهن، أن تمد يدك فلا تلوي على شيء أو أحد، أن تتجرد من ثيابك و تفترش التراب فيشفقون عليك فتهرب من الجميع و من نفسك، ان تشعر بالجوع فتغص اللقمة في حلقك، ان تهرب فتجد ان كل الاماكن تعرفك، نباتاتي التي تقارب الثلاثة آلاف تبدو ذابلة اشعر انها تشعر بحزني لكني لا اقوى على لمسها، كلابي هي الاخرى تقف مع رجلي و تعانقني بكلتا يديها دون ان تلح في طلب شيء لكني لا استطيع التوقف في مكاني لأشعر بدفئها مخافة أن يلمسها حزني فتهلك، العصافير التي تزور مشربي كل صباح باتت تأتي بأعداد غفيرة حتى ان اعشاشها و بيضها و فراخها تملأ جنبات البيت في كل اتجاه ، لكن شدوها يئن كناي يحن الى جذوره و أوراقه يبكي تلك الثقوب التي تتوسط صدره و أطرافه المقطوعة بمهارة خنجر، أنظر في عيون الأصدقاء طويلا فتتراءى لي وحدتي، أجمع شتاتي بأصابع تحترق، أدسني في أعماقي و ألوذ بالصمت، أرفع بصري للسماء فأراها أقرب من الأرض التي أمرغ فيها وجهي و أصيح يا الله أنا لا أتهمك في شيء و الظن بك حسن و الايمان بوجودك و وحدانيتك ثابت، لكن العبد ضعيف و القلب عليل و الروح اخترت لها ان تكون دقيقة في التفاصيل، أسألك و وحدك لا تمن عطاياك، صلابة الظهر و عزة الصبر و العصمة من الذل لغيرك، أبرأ لك من نفسي إن ضعفت فلا تكلني لها فأخسر، بعزتك و جلالك إن تكلني إلى نفسي فأخسر لأبكين على بابك أكثر مما بكت الخنساء على أخيها و لأحزنن في أعتابك حزن يعقوب على يوسف و إن رددتني و انت أرحم بعبدك من الأم بولدها فأنا الشقي إذن لا أم لي، يا الله لا تؤاخذني إن كتبت أشجاني فالحرف هو الخليل الوحيد لهذه الروح التي اجتاحها قهر اليتم بعد تجلد و مكابرة، من صادقونا لم يصدَٓقونا حين صادقناهم و صدقناهم، بين البهتان و النكران و الخذلان تقاذفتنا ظنونهم و بصمتنا قالوا يهون و هنَٓا عليهم و لم يهونوا و هنَٓا علينا لكن جروح الروح مدرارة النزف لا تهون، الذين خلفتنا النكسة عنهم و خذلناهم، الروح منهم بين هم و ذل لكنها أبدا لن تنساهم، نار الصدر الموقدة كان يكفي أن يمسح عليها أحدهم بيده ليطفئها دون حتى أن يعرف أنه أنقذ الغابة، أصابعي المحترقة و يدي المرتعشة لم تفيا بالغرض، فأتت النار على حكمتي و تجاربي و معارفي و كل مهارة، و أحرقت وسائدي المحشوة بالأحلام و فراش الرضا و غطاء الستر و أبواب الأمان و موقد الدفء و احترق الصدر و بقيت أشيائي الثمينة معلقة على عظام قفص الصدر كما تشنق الرهينة، و حل القحط بغابتي السوداء و تفجرت في ربوعها عيون الملح و لم تعد صالحة للسكن لكنها غابتي أسميها الوطن، و لا زوار لأرض الخراب و الحروب سوى تجار الخبز و السلاح و الخبر و مرتزق للدرب عبر، أنا الغريق، لا قشة في الجوار و الجسد المنهك بحروبه العميقة لا يطفو و في داخله أنفاس مستعرة، يا الله امنح ذراعي القوة على التخبط لأتحمل الأمواج،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى