محمد الطايع - تفسير الأوهام..

نعم.. أنا الآن أستمع الى أغنية " الخاتم"
للمطربة المغربية نعيمة سميح -التسجيل قديم لكنه واضح-
"أعتذر لأني أحجب مضطرا هذا المنشور العادي عن بعض الأصدقاء"
أما بعد:
حبذا لو أمكنك أن تدعوني مرة أخرى لمرافقتك الى سوق الخضروات، سوف أكون ممتنا، طبعا أنت تعرف أنني كهل عازب، وأنني أمل من إعداد وجباتي بنفسي، مثلما مللت الابتسام تكلفا للجارات الثرثارات. ويئست من السؤال عن سعر كراء الشقق الصغيرة، هناك حيث يستطيع بعض الأبطال المعاصرين، إنشاء مزارعهم الخاصة بإنجاب الأطفال.
ولأنني ماعدت أطيق فضولك بشأن رغبتي في الذهاب معك إلى الأسواق الممتازة، المكتوب على واجهاتها بأضواء ملونة.. تشبه الحبر السري..
" للي ماشرا يتنزه"
ها قد قررت أن أخبرك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، ولسوف أكون واضحا.. ولا لوم علي إن أسأتَ الظن، حتى أنني لن أعتب عليك إن كلمتَ أحد معارفك النافذين، وألقيتم بي في مستشفى الأمراض العقلية. بل لعلي أعتبر ذلك معروفا وأكون لك من الشاكرين. فأنا لا أرى فرقا بين أحاديث العقلاء والمجانين. كما أنني سوف أحصل هناك على عقاقير الهلوسة الكفيلة بإلهامي نصا روائيا يخلد اسمي كما فعلت رواية "الدون كيشوت بسترفانتس" من قبل.
والآن، لابد أنك تتأفف من إطنابي في الحديث، وتسأل نفسك متأففا: متى يدخل هذا الأحمق في صميم الموضوع؟
حسنا.. لا تغضب أرجوك. لن أتكلم بصوت مرتفع، أعرف أنك تشتاق الفواكه النادرة، فتذهب للسوق خلسة، فلاتخش شيئا، لن أخبر زوجتك الطيبة عن تناولك بعض المكسرات دون علمها، لكنني سأكشف لك سر شغفي بالتجول في سوق الخضر.. نعم.. أوكي، لابأس، سوف أختصر. فلاتنفعل، ولا تقاطعني، أنت تشتت أفكاري. أولا لنبدأ بالبطاطس..
أحب ياسيدي رؤية البطاطس، لأنها تذكرني بالشاطر محسن، فلقد كان يعتبرها أكلته المفضلة، لأنها كما كان يدعي تشبه مغنية الراب "ريهانا " فهي قادرة أن تمنحه كل النكهات التي يهوى.. شرائح مقلية.. مسلوقة.. "طُرطية ساخنة هشة" ووو هلم اختراعا.. بينما كان يقول أن اللّفت طعام الأغبياء، خاصة أيام الحملات الانتخابية. كما أنه لايصدق أن الجَزر يُقوي حاسة البصر وإلا ما أدمنته الأرانب.. ولقد صرح مرارا دون أي حرج أنه لو تمكن من الهجرة إلى أوروبا لن يتردد في بيع الخيار هناك، بدعوى ألا خيار لديه لكي يغتني سريعا، مادام عشاق السلاطة كثيرون في تلك الأنحاء الباردة، لكنه مخادع كبير، فيوم اكتشفت حبيبته رفيعة، خيانته لها مع فتاة أقل منها جمالا، قال مبررا فعلته البشعة:
لا أحد يقبل أن يعيش على طعام واحد، والدليل أن أبناء القردة والخنازير الذين رزقهم الله المنَّ والسلوى.. اشتاقوا إلى عدس الأرض وبصلها..؟؟؟
وتلك الطماطم تذكرني بأبي، إذ لم يكن يفتتح أحاديثه إلا بالدندنة حول غلاء سعر الطماطم، وهو يستمع إلى وردة الجزائرية، على شريط أهدته إياه بنت الجيران مريم البدينة، وكان اسم الأغنية" دندنة" مرددا، يا الله ما أجملها!! وحين تنظر أمي إليه مستغربة.. يقول:
تبارك الله أحسن الخالقين، يلا قلتي.. وردة.. وردة..
أما الباذنجان فإن رؤيته تعيد إلى ذهني صورة عمي المختار، الذي لم يكن يسمح بغياب دوائر الباذنجان المقلية عن مائدته، وعلى مائدتنا سأل عنه ذات وليمة، كما سأل سليمان عن الهدهد الغائب.. فيما بعد، عرفت أن زوجته المرحومة كانت ذات بشرة سوداء.. وأنها.. وأنه.. والمهم، والتفاح الأحمر يذكرني بخدود إمام مسجدنا القديم ذاك الشبيه بهِرِّ كسول، وقد عاش يقص علينا غزوات خالد بن الوليد، بينما لم يشهد له الحفظة من الملائكة، غزوة إلا على قصعات الكسكس، كان كفه أشبه بمنجنيق يقذف كرات الطعام إلى جوفه دون أن يعلن نصرا ولا هزيمة.. وغزوات أخرى على أجساد الحمقاوات عاشقات الشياطين. بينما كان الإجاص ولازال صورة طبق الأصيل لنهود... آه عفوا.. أعتذر.. هل ينفع أن أتحايل عليك قليلا.. فأدعي أنني كنت أريد أن أحدثك عن أغاني الملحون القديمة، ذلك الثرات الأصيل الذي لم يكن يخجلنا وهو يتفنن في وصف جنة الصدور والخصور بأنواعها..
أعرف أنك سوف تغضب وتنصرف.. لكنني لن أمنحك فرصة التملص من سماعي. قلت إن الإجاص يرحل بي مباشرة إلى أيام بلوغي الأولى، حين كان القضم لايعني المضغ.. وكانت فتاة الحي تغني مامعناه: "حبيبي يمضغني ولا يبتلعني" .. مهلا أرجوك لاتنزعج مني، لن أخوض في هذا الحديث بعد الآن. لكنني مصر أن أخبرك أن "الحامض" يذكرني بقصائد الغزل التي تنتشر على جدار الفايسبوك، في الوقت الذي انقطعت خلاله آخر صلاتنا بالحب. آه.. انتظر لقد نسينا "التوت الأحمر" وهو الذي يحيلنا على جناح الذكرى إلى مقام أميمة جوهرة أهلها، هل أخبرتك لم قطعت علاقتي بها؟ بنت الفاسقة لقد تبسمت راضية، لما خاطبها أحد الأوغاد، يوم تطوعتْ لتذوق حبة "فريز" نيابة عن أمها الصائمة:
"الفريز كاياكل الفريز " قال الحقير. هذا ما وردني في نص الوشاية الذي رفعه إلي مولاي التهامي النمام.
و"الدلاح".. ؟! لا.. لايذهبن دماغك بعيدا، للدلاح في مخيلتي صورة جد مفزعة، وللأمر علاقة بالمجنون الذي تعلمت منه مبادىء الرسم، ذلك المشرد الذي طلب الدفء في ليلة ماطرة تحت بطن شاحنة.. فلما حضر السائق صباحا، لم ينتبه لوجوده إلا بعدما انفجر رأس المسكين تحت وطأة العجلة الثقيلة.. لو تراه تحسبه دلاحة سقطت على الإسفلت، وتناثرت أشلاؤها.. ولأن سيرة أشباه "ميغل ستيرفانتس" ممن يحاربون الطواحين، لاتنشر أمامك مفصلة إلا بعد موتهم.. فلقد عرفتُ متأخرا أن ذلك الفنان العظيم، الذي حول حيطان الحي إلى لوحة فنية فاتنة، جن بسبب امرأة عظيمة الجسد.. والشاهد رسوماته التي لاتخلو من أثداء وأرداف بالغة الضخامة.. ولأنها ظلت تُخجل جيراننا المتدينين، وحتى ينال الفقيد قسطه من عفو الله والمغفرة، قام فاعل خير بطمس معالم تلك الحدائق الإيروتيكية المعلقة بالجير الأبيض.
أرجوك لا تُعرض عني هكذا، ليس في الأمر مايدعو للاشمئزاز. إنها الحياة وفيها الكثير من المصائب. حسنا، هل تطلب مني السكوت.. هل أتوقف؟ لابأس.. لابأس، فقط أردت أن أخبرك قبل أن ننهي حديثنا - وحتى لا تسألني مرة أخرى عن سر ترددي على سوق الخضر- عن علاقتي بالفلفل الحريف، فكأنه ريح سموم تحملنا إلى حضرة أمينة.. ماذا؟ من أمينة هذه!! أوتسأل؟! يبدو أنني أبعثر وقتي في الحديث معك. انتبه يا سيدي أرجوك..
إنها أمينة الهجينة، بنت قريتنا التي مسختها المدينة، تلك السمراء الساحرة اللعينة، والتي صدَّعنا بخبرها كل معارفنا ونحن نخبرهم أنها العفيفة النظيفة التي ستنجب منا فارسا، يحمل اسمنا، يحرر ماتبقى من أرض أحلامنا الشريفة، ويفك أغلال البؤس عن خيراتها الرهينة.. ههههه بنت الكلب، وكنا كلما جهرنا لها بالقول: إننا نهواك يا سالومي يوحنا.. ترد علينا بهمس يسري كالسم في عروقنا، ودلالٍ يدمر الصبر والأعصاب: صه.. أسكت، حشومة، الرجال المهذبون لايتفوهون بمثل هذه الكلمات، وقد روى أحد شعراء جاهليتنا حكايتنا هذه في قصيدة مطلعها:
" منين شديتها من المحزم قالت لي احشم"
فكانت يامولاي تقرصني على ظاهر كفي معاتبة:
إن أنت تفوهت مرة أخرى بمثل هذا الكلام، سأحك الفلفل الحارعلى شفتيك.. يالغبائي، كنت أظنها تمزح، لذلك تغاضيت عن تهديدها لي، بل وشجعتها على المزيد من إذلالي، والطَّماع كما يقال: يغلبه الكذاب..
"لابأس أن تكوني قاسية قليلا، سوف أسمح للجمرتين المشتعلتين أن تحرقا روحي "السائبة" لكن، ليس كما تفهم بالفصحى. إنني أقصد: السَّايْبة من السِّيبة.. يعني الفوضى، الظلم، والسطو نهارا جهارا على ممتلكات الغير.. مع كل أنواع الفتك العمد.. على حد تصنيف رجال المخزن الأقدمين.
-انتهى-
هذا كل شيء..
نعم.. هكذا تجري الأمور..
ثم.. أواصل الاستماع للفنانة نعيمة سميح.. التسجيل قديم.. لكن التجربة أكدت أن القديم دائما أفضل:
شفت الخاتم وعجبني
تمنيت يكون بين يدي
من أول نظرة جلبني
بغيت نشوف واش قدي
ولما قيسته طلبني
ما يلبسوشي حد بعدي
هذا الخاتم ولّى ديالي
وبديت كنحافظ عليه
بلا ما نعيره قلت حلالي
ونسيت الذهب فيه وفيه
وضاع ليا كل أملي خسارة
أنا اتغريت بالمظهر
وعملت خاتم صياغة
حسبتو منبت بالجوهر
صياغتو حُسن الصياغة
ومع الايام بان مزور خسارة
خسارة.. خسارة..
كنت نفتخر بيه......

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى