أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٧٠ : " كأن على رؤوسنا الطير "

هدأت جبهة غزة قليلا واستراح المحارب إلى أمد لا يعلم مداه إلا الله ، وعاد التحرش الإسرائيلي بالأقصى من جديد ، وبدأت الروح الفلسطينية التي توحدت ، إبان اشتعال المعارك خلال أحد عشر يوما ، تتشقق ، وكنا نراهن على تشقق الجبهة الداخلية للدولة العبرية .
أفسدت بعض الكتابات والصور وأشرطة الفيديو على كثيرين ، ممن عدوا نتيجة المعركة نصرا ، نشوة النصر . كما لو أن روح الانقسام التي سادت منذ ٢٠٠٧ ترسخت فينا وفعلت فعلها أكثر مما فعلته أيام الحرب وصواريخها التي قصفت تل أبيب . هل تعمقت روح الانقسام فينا ؟
عندما ظهر قائد حماس السيد يحيى السنوار في شوارع غزة اقترب منه شاب غزي ينتمي إلى حركة فتح وخاطبه :
- مع أنني فتحاوي إلا أنني سأقبل رأسك .
فرد عليه ردا يتناسب والحالة ، وهو إن فلسطين الآن أكبر من فتح وحماس .
وكان المرء يتمنى أن يكون الأمر كذلك - أي أن تكون فلسطين فوق الفصيلين وأكبر منهما ، ولكن ما قرأه المرء في وسائل التواصل الاجتماعي قال شيئا مختلفا .
أحد أبناء غزة من العقلانيين ، وهو الكاتب شجاع الصفدي كتب عن مواساته أحد معارفه ، وبينما هو في بيت العزاء هاتف شخص ما ، ينتمي إلى فصيل ، أهل الشهيد يطلب منهم أن يرفعوا علم الفصيل في سرادق العزاء ، ليتكفل الفصيل بالتكاليف . وكتب شجاع حكاية تحتمل تأويلات كثيرة عما جرى مع أبيه الذي هب لنجدة رجل اعتدى عليه آخرون ، ولم يقف الرجل إلى من وقف إلى جانبه ، بل ولم يسأل عنه ولامه لأنه تدخل لنجدته ، فقد كان عليه أن يهرب .
في صفحة ثانية أدرجت صاحبتها عبارات كتبها مواطن غزي على صفحته يعبر فيها عن استيائه مما ألم بمدينته ، ومن فلسطينيي الضفة الغربية الذين فرحوا للحرب ، فغزة دفعت ثمنا عاليا فيما كانت أيدي الآخرين بالماء ولم تكتو بالنار .
اللافت أكثر مما سبق هو سوء الفهم الناجم عن سوء الإصغاء إلى ما قيل عن المرحوم أبو عمار .
لقد حضر أبو عمار في أثناء الحرب حضورا لافتا ، وظهرت صوره مع المرحوم الشيخ أحمد ياسين ، وهتف المتظاهرون لهما .
" يرحم روحك يا أبو عمار " . سمعها بعض المشاركين " يفضح عرضك يا أبو عمار " وهات حلها ، فكتب كثيرون منددين " إلا أبو عمار " و " أبو عمار خط أحمر " وأدرج هؤلاء صوره مع صور أحمد ياسين يسقيه الماء ويبوسه و .. .
هل تأثر قسم منا بما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته يهاجم حماس ويدعو أهل الضفة إلى تجنب تأييدها وتتبع خطاها ، حتى لا يلم بمدن الضفة وقراها ومخيماتها ما ألم بقطاع غزة ؟
الردود على ما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته قالت إنه لم ينجح ولن ينجح في بث بذور الشقاق ، ولكن بعض ما أدرج على صفحات بعض النشطاء وما جرى في الأقصى مع المفتي قال شيئا آخر . هل سيلم بنا الآن ما ألم بحركة فتح بعد حرب لبنان ١٩٨٢ ؟ هل سيتعمق الانقسام المتعمق أصلا ؟
" آه من رحلة كان يقتل فيها الشهيد الشهيد !" كتب محمود درويش في ديوان " ورد أقل " عن معارك البداوي بين فتح وفتح .
أطرف الصور المتداولة أمس كانت صورة حلاق يحلق شعر أحد الغزيين على أنقاض البيوت والعمارات المدمرة . المرآة منتصبة وعدة الحلاقة على كرسي والحلاق يحلق ، ما ذكرني بقصيدة محمود درويش " صهيل على السفح " :
أعد لسيدتي صورتي . علقيها إذا مت فوق الجدار
تقول : وهل من جدار لها ؟ قلت : نبني لها غرفة .
- أين .. في أي دار ؟"
وما أشبه الليلة بالبارحة ! ما أشبه ما ألم بغزة في الأسبوعين الأخيرين بما ألم بالفلسطينيين في بيروت في صيف العام ١٩٨٢ .
" ورد أقل " عبارة اختارها الشاعر عنوانا لديوانه في تلك الأيام وعنها ، ولكنه مع ذلك قال " ولكني سأواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل " .
وأمس كان شباب غزة ينظفون شوارع مدينتهم ويواصلون مجرى النشيد ، ونحن نعرف أن وردهم ، ولسنوات ، أقل !!
كان الله في عون أهل غزة وفي عون أهل المخيمات في لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية .
صباح الخير
خربشات
٢٥ أيار ٢٠٢١



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى