عمار نعمه جابر - مسرحية (سرير بايقاع ساخن)

الام : ( تجلس قرب سرير ابنها ) أنت نعسان ؟
الابن : ليس تماما يا امي .
الام : وسادتك مريحة لرأسك ؟
الابن : كلا ، ليست مريحة أبدا ، وانت تعرفين ذلك .
الام : ولكنها افضل وسادة نملكها يا بني .
الابن : لا تهتمي للأمر ، لقد تعودت عليها .
الام : حسنا ، سأغطي قدميك كي تشعر بالدفء ؟
الابن : لا حاجة لذلك ، لأني لا اشعر بوجودهما أصلا .
الام : ربما لا تشعر بهما ، لكنهما جزء منك ، اذا ادفأتهما ، سيشعر جسدك بالدفء .
الابن : منذ زمن طويل جدا ، وأنا انام على هذا السرير بلا جسد .
الام : جسدك موجود يا بني ، هذا هو ، مسجى على فراشك .
الابن : ولكنني لا أملكه أصلا ، هو ميت ، ميت ولكنه ملتصق بي .
الام : هو جسدك ، حتى لو حاولت أن تنكر ذلك .
الابن : لست املك سوى رأس ، عينان تنظر ، ولسان يتكلم ، هذا كل شيء !
الام : لا تفكر بهذا الشكل قبل النوم ، ستصاب بالأرق يا بني .
الابن : حسنا يا أمي ، لن أفكر بهذا الشكل ، ليس من أجلي ، بل من أجلك .
الام : أحبك يا بني .
الابن : ليس أكثر مني يا امي .
الام : قل لي ، ماذا تحب أن تفطر صباح الغد ؟
الابن : قد لا يكون هناك إفطار غدا ، من يدري .
الام : لماذا تقول ذلك ! انت في كل ليلة ، تخبرني قبل ان تنام ، بفطورك الذي تشتهيه ، فأقوم صباح اليوم التالي ، بصنع الفطور الذي تحب ، قبل أن تستيقظ من النوم .
الابن : لا نستيقظ كل صباح يا امي ، سيكون هناك أحد الصباحات ، خاليا منّا .
الام : حتما سيحدث ذلك ، ولكننا سنبقى نواصل الحياة في كل ليلة ، وكأننا سنبقى الى الابد .
الابن : حسنا ، أحب أن يكون فطوري غدا ، بيض مقلي ، بالبصل والزيت ، مضاف عليه زعتر وكمون .
الام : وماذا بعد ؟
الابن : وقدح حليب بالشاي ، احب أن يكون كبيرا .
الام : وماذا بعد ؟
الابن : وأن أراك معي على الفطور .
الام : لا تخف سأكون معك في كل صباح .
الابن : أخاف أن يأتي الصباح يوما ، ولا أجدك قرب سريري !
الام : حينها ، لن تكون الأمور بهذا السوء .
الابن : أحبك يا أمي ، أنت أجمل شيء حدث لي ، ولكنني أسوأ شيء حدث لك .
الام : أنت قطعة مني ، أنت أغلى شيء عندي .
الابن : ربما لو لم .. ( تقاطعه الام )
الام : كم مرة علي أن أطلب منك أن لا تفكر بأسلوب "لو" ، "لو" هذه عاهرة ، تأخذنا بعيدا .
الابن : أنا آسف يا أمي .
الام : يا حبيبي ، دائما هناك وجهان لكل شيء ، أبيض وأسود ، لا يجب أن نحدق في وجه واحد .
الابن : أتمنى من كل قلبي ، أن أنظر لهذا العالم بعينيك .
الام : قلت لك كثيرا يا حبيبي ، إن هذا العالم ليس وردي دائما ، لكنه حين يكون كذلك لبعضهم ، لا يدركون ذلك الا متأخرا ، متأخر جدا .
الابن : عجيب ! تراهم يملكون أقدام ، يمكن أن تذهب بهم بعيدا ، لكنهم يصرون أن يناموا على ذات السرير ، في كل ليلة .
الام : طيب ، قل لي أين كنت ستذهب ، لو كان لك أقدام مثلهم ؟
الابن : ( لحظة ) سأذهب بعيدا ، بعيدا جدا عن سريري هذا .
الام : حتما ستحمل أقدامك هذا الرأس الذي يغلي بالأفكار، بعيدا عن السرير .
الابن : ( يفكر ) سأذهب الى أكثر المدن ازدحاما ، أمشي في شوارعها ، اتحسس أجساد المارة بجسدي ، اسمع وقع انفاسهم ، ولهاث خطاهم ، وأحدق بوجوههم كثيرا .
الام : وبعد ..
الابن : سأصعد على قمم الجبال التي تجاور المدن ، وأنظر لأحجام الناس الحقيقية من الأعلى .
الام : وبعد ..
الابن : سأذهب لأبول طويلا ، على نصب الحرية الموجود في الساحة الكبرى .
الام : ( تضحك بصوت عال ) وماذا بعد أن تبول على نصب الحرية ؟
الابن : سأركب دراجة هوائية ، وأتوغل كثيرا في أكثف غابة ، بلا هدى .
الام : رائع جدا ، وحتما يديك سيكون لها نشاط آخر ، سيقومان بكل ما تحب .
الابن : يداي ؟ ( لحظة ) يداي سأضرب بهما على طبل .
الام : طبل ، ولماذا الطبل !
الابن : أحب الطبل ، أحب سلطة إيقاعه ، شديد وفاعل ، يرتبط بشدة بحركة الجسد الحي .
الام : يدهشني فيك ربط الأشياء ببعضها ؟
الابن : حين تسمع عزف الطبل ، تشعر بكل روحك تتحرك على ايقاعه ، ولو كنت حرّا كفاية ، فستمنح جسدك حفنة من الشعور بالطيران ، تراقص فيها الطبل مع روحك ، فتنتشي بعذوبة هذا المذاق ، تملأ المكان بجسدك ، تبدأ ببطء هكذا كما نسمة صبح ، تك تتك تك تتك تك ... ثم تتحول شيئا فشيئا الى عاصفة ، تك تتك تم ، تك تتك تم ... فتمنح هذا العالم الصخب المطلوب ، تك تتك تم ، تك تتك تم .
الام : ( بصوت واحد مع الابن ) تك تتك تم ، تك تتك تم ، تك تتك تم ...
الابن : ( يغير النغم ، بصوت عال ) تم تتك تك تم ، تم تتك تك تم .
الام : ( تضحك ) سيصحو الجيران !
الابن : كم أتمنى أن يصحو كل هذا العالم على صوت طبلتي .
الام : وبماذا قد تمتاز طبلتك عن طبول هذا العالم ؟
الابن : فصيحة جدا ، وصوتها صافي ، لم يتلوث بالأصوات النشاز .
الام : استطيع ان اشعر بك وبها يا بني ، استطيع أن اسمع صوت الطبل فيك ، صوتها أعلى من كل ما حولنا من أصوات .
الابن : إيقاع الأرواح ، كما إيقاع الطبول ، يملك سلطة هائلة ، فحين يتكلم ، سينصت له الجميع .
الام : طيب ، قل لي ، هل ستضرب على الطبل بيديك ، وتكتفي بذلك ، أم أنك ستمنح قدميك وجسدك الحرية الكافية ، لترقص على صوت الطبل ؟
الابن : حسنا ، سأكون طمّاعا حينها ، أضرب على الطبل بيدي ، وأركل الأرض بقدمي بقوة ، أرقص ، اذيق هذه الروح البائسة ، طعم البهجة .
الام : جميعنا طمّاعون ، اذا تعلق الامر بالحياة وبالفرح .
الابن : ( لحظة ) كان الطبل قديما ، يصنع من جلد الثور ، ولكن ليس أي ثور ، بل فحل لم يمرض ابدا ، ولم يذق ذل المحراث .
الام : شرط غريب !
الابن : أبداً ، هو شرط أساسي .
الام : أساسي في صنع طبل !
الابن : الطبل الذي يصنع من جلد هكذا ثور ، سيكون صوته مختلفا تماما ، مختلف عن صوت طبل ، صنع من جلد ثور مريض وذليل . كل نقطة فينا يا أمي، هي جزء تام مما نكون .
الام : مسكين !
الابن : من ، أنا ؟
الام : لا ، الثور الذي صنعوا من جلده الطبل . ( يضحكان )
الابن : قولي لي ، كيف سيكون طعم الطبل ، اذا صنع من جلدي . ( يضحكان )
الام : سيكون طبلا عاشقا ، مثلك تماما .
الابن : أعشقك يا أمي ( لحظة ) أنا آسف يا امي .
الام : ولماذا أنت آسف ، أرجو ان لا يكون الطبل الذي سأصنعه من جلدك سيئا . ( يضحكان )
الابن : أنت تستحقين ابناً أفضل مني .
الام : أنا استحق طبلا ، أفضل من الطبل المصنوع من جلدك . ( يضحكان )
الابن : لم أسعدك بما يكفي أمي .
الام : يا حشاشة قلبي ، للجميع همومهم واحزانهم ، لسنا نختلف عن الاخرين .
الابن : الذي يجري لنا يا امي ، أننا نشبه ما حدث للطبل تماما .
الام : لم أعرف أن الطبل المسكين ، مر بحكاية تشبه حكايات البشر !
الابن : في البدء كان الطبل مقدسا ، تصنعه ايدي الكهنة ، في قداس مهيب ، ولكنه اليوم صار ينظر إليه كمعصية . كان في البدايات تتلى به ومعه الصلوات ، ولكنه في هذا الوقت ، مسكين ، صار منبوذا ، ملقى في زاوية الرفض والاستهجان .
الام : مواقفنا هي التي تغيرت ، الطبل لم يتغير .
الابن : غريب جدا ما صنعنا بأنفسنا ! قال أحدهم يوما أن الطبل سيحشر مع صاحبه في قعر الجحيم !
الام : الخبز الذي نصنعه في الصباح ، سوف لن نلتهم غيره في المساء .
الابن : لقد مارس الناس تجاه الطبل اقسى أنواع الإهانة ، حيث باتوا يصنعونه اليوم من جلد ماعز ، ذلك الحيوان ، بصوته المزعج ، ورائحته الكريهة !
الام : مساكين !
الابن : من ، نحن ؟
الام : لا ، الماعز . ( يضحكان )
الابن : ( فترة صمت ) حسنا يا أمي ، قولي لي ، ما الذي قد يعجبك برأس بلا جسد .
الام : حسنا ، هذا الرأس ( تشير الى رأس ابنها ) يعجبني بكل ما فيه .
الابن : مجرد كرة ملقاة في زاوية مهملة في هذا العالم .
الام : انت بالنسبة لي كل شيء ، وهذا يكفي ، ( لحظة ) يا بني ، مهم جدا أن نكون كل شيء لشخص ما ، هذا يعني أننا نقوم بما يجب .
الابن : ربما نحن لسنا من خياراتهم .
الام : لسنا من نختار ذلك يا حبيبي ، هذه الحياة فيها أشياء كثيرة ، هي خارج قدرتنا ، خارج سيطرتنا .( لحظة ) أنت جزء من روحي ، احب عينيك وهما تنظران لي ، صوتك وانت تناديني يا امي ، نفسك الذي يصعد وينزل .
الابن : أعرف ذلك ، كم احب ان اسمعه منك كل ليلة ، قبل أن أنام .
الام : ربما لو كنت تمتلك جسدا ، خارج هذا السرير ، لما التصقت بوجودك هكذا ، من يدري .
الابن : ( لحظة ) هل ستسامحينني اذا تركتك لوحدك ؟
الام : لماذا تقول ذلك ؟
الابن : لا اريد ان اسبب لك احزانا أخرى حين اغادر ، أتمنى ان تعرفي أنني احبك اكثر من نفسي ، ولكن كوني رأس فقط ، فهذا هو أقسى ما يواجهني ، ما عدت احتمل ذلك .
الام : لماذا تتحدث بهذا الشكل ، لقد بدأت أخاف عليك .
الابن : لن يَتم يوما ، فَهمُ أنني خيار وارد في هذا الوجود ، ففي هذا الوجود خيارات كثيرة ، منها أن تكون رأس فقط ! عينان تحدقان في الوجود بعمق ، ولسان ينطق متعجبا ، مما يجري خارج المألوف .
الام : لا أريد أن أكرر عليك ، كم أنت متميز .
الابن : هذا العالم ، أُسس على قيمة عليا للأجساد ، على حساب قيمة الرأس ! وبيد أني رأس بلا جسد ، الغالب أنني لم أحضر بالوقت المناسب هنا .
الام : لا تتحدث بيأس هكذا ، الحياة أمامك يا بني .
الابن : حسنا ، ( لحظة ) انتظر أن تفلّي شعر رأسي بيديك الحانيتين مثل كل ليلة ، قبل أن أنام .
الام : أعرف كم تحب أن أفلّي شعر رأسك ( تضع يدها في شعر رأس ابنها )
الابن : يا لله ، كم يديك حنونتين يا امي ، تقطران رحمة وحب .
الام : هذا لأنك تحبني .
الابن : هذا لأنك تحبينني .
الام : حاول أن تغمض عينيك لتنام ، افرغ رأسك لتستريح .
الابن : هو ذاك يا غاليتي ، قررت أن افرغه تماما .
الام : يا بني ، عندما يطلع الصبح ، ستجد أنك قد ارتحت .
الابن : شكرا على كل شيء يا أمي .
الام : شكرا لك يا صغيري ، لكل ما علمتني في هذه الحياة .
الابن : رقبتي تحكني يا امي ، حكّيها لي بيدك .
الام : حسنا ، ( تضع يدها على رقبة ابنها ) من هنا ؟
الابن : لا ، من الوسط يا امي .
الام : من هنا ؟
الابن : نعم يا امي ، حكي رقبتي بكلتا يديك ارجوك .
الام : ولماذا بكلتا يدي !
الابن : ربما لأني لم استحم منذ أيام . ( يضحكان )
الام : حسنا ، هكذا ؟
الابن : نعم ، ضعي يد فوق يد ، كي تحك بقوة .
الام : كما تحب ، من عندي غيرك كي أدلل .
الابن : أنا آسف يا امي ، ليس عندي سواك .
( يضغط بكل قوته بحنكه على أيدي الام ، يضغط فوق رقبته )
الام :( بصدمة ) ماذا تفعل يا بني !
الابن : ( وهو يزيد من الضغط ) آسف يا امي ، لقد انتهت الحكاية .
الام : ( تحاول ان تسحب يديها ، دون جدوى ) ارجوك يا بني ، ستختنق !
الابن : ( وهو يختنق ) سامحيني يا أمي ، يداك تتوجعان بسببي .
الام : لا اريدك أن ترحل وتتركني وحدي ، افلت يدي يا بني .
الابن : حققي لي آخر رغبة ( يضغط بقوة ) اريد أن أموت .
الام : اريدك معي ، لا تتركني .
الابن : ( بصوت ضعيف ) ساعديني كي اموت يا امي . ( يضغط بكل قوته )
الام : ويح قلبي ، سيموت ابني ! أرجوك يا بني أفلت يدي ، ستتهشم رقبتك .
الابن : ( بصوت خافت) شكرا لأني اموت بين يديك ، أحبك يا امي .
الام : احبك يا بني ، ولكن لا تجعلني أقتلك بيديّ يا بني !
الابن : ( وهو يموت ) إفرحي يا غاليتي ، سأطير بعيدا عن سريري .


  • ستار –
تركيا – سامسون
٨/٤/٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى