محمد الرياني - مصير

حَزِنَ كثيرًا لأنَّ الزهرةَ البيضاءَ انسلَّت بهدوءٍ نحوَ المجهول ، لَطالما ظَلَّ يتابعُها وهي تنمو وتنبتُ على تُربتينِ مُختلفتين ، سَابقةٌ فريدةٌ من نوعها أن ترى أصلًا يمتدُّ في جهتين متناقضتين ، يتسللُ نحو الطين يتنفسُ بهدوءٍ ويمتدُّ في بحرٍ من الملحِ بتربةٍ جرداء ، بزغتْ أوراقُها بجمالٍ غريب ، وكلما كبرتْ أغمضَ عينيه كي لا تصاب بالحسد فتحترقَ منذُ البداية ، شيءٌ واحدٌ أصابَ حاملَ أوراقِها الخضراء ، لم يكن كباقي السيقان ، ساقان في ساقٍ واحدةٍ التصقتا ، أوراقٌ خضراء شديدةُ الخضرةِ على جانبٍ، وأوراقٌ جمعتِ الخُضرةَ والصُّفرةَ على جانب ، تناثرتِ الأزهارُ البيضاء ،وهو يتأملها : ما أروعَ الزهرَ على جانبيْ هذهِ النبتة ، أَشفقَ على الطينِ من مُجاورةِ الرمَّل ، قال في نفسه: كيف لو أنَّ الطينَ جاورَ طينًا مثله ؟ سرعان ما رجعَ إلى رشده ، أرجعَ ذلك إلى القَدَرِ يجمعُ النقائضَ كما فعل بالتُّربة والأوراق ، كلُّ ذلك لم يُحزنه قَدرَ حُزنهِ على الزهرةِ البيضاءِ التي وُلدت من بطنِ تربتين ثم هربت وهي تتضوعُ نحوَ عَالمٍ آخر ، تريدُ أن تتفتحَ بين نسيمٍ آخرَ وتتنقَّلَ بين أيدٍ جاءت من الأحلامِ لتجعلَها في آنيةٍ غريبة ، آخرُ محاولاته للبحث عن أخرى كي يمنعها من تكرارالسفر نحو الأحزان باءت بالفشل ، كانت زهرةً واحدةً شربت من ظلِّ المطرِ ولم يَعُد الظِلُّ مَرةً أخرى نحوَ الرمل ، جاءت الأخبارُ القادمةُ من بعيدٍ تتحدثُ أنها ذبلت وهوَتْ على الأرضِ الجَديدة ثم انكسرتْ آنيتها ، ثم تحللتْ واندفنتْ في التراب الذي رحلَ عنها إلى بطنِ ترابٍ آخر ، أغمضَ عينيه وهو يرى في حَدقتيه أنَّ الرملَ يَدفنُ الطينَ مثلما فَعلوا بها تماما .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى