د. سيد شعبان - سرد جديد

عشرة أيام بتمامها عشت بعيدا عن عالم القلم، انكفأت مكاني لا أبرحه، نفضت الغبار عن كتبي، أشياء لا تقاوم رائحة الحرف وعبقه، انتبهت أنني أمتلك مساحات للبوح، أعلم أنني رهين نفس تلزم الماضي، تظل مكانها تفسح فيه للذاكرة مسافة تظل عالقة داخلي، أسرني أبو العلاء المعري، جذبني المتنبي؛ أبدع الراحلون حين سطروا مقالاتهم وأبحاثهم في تلك الأوراق الصفراء، عشرون عاما مضت وأنا ما أزال ذلك القاريء الذي يعايش كتبه ويراوح بأحلامه.
وسط تلة من ركام اختزنته كما تفعل أمي مع القمح والملح، أعود وقد طالعت مجلة الهلال عددها التذكاري عن طه حسين، كم كانت رائعة د.سهير القلماوي حين كتبت عن أستاذها، ها أنا منطو في تلك الزاوية أشرد بكتبي عاشقا لا يغادرها إلا لمطعم أو نوم، مشاغباتي انتهت فقد ضربني الزمن غير آبه بأحلامي الواهية، كان خطا مثل خربشات الصغار في كراسات الطفولة، رسمت وجهها الجميل خيالات لا تنتهي، لم تكن أنثى بل هي أحلامي، أنظرني عالما يجوب ردهات الجامعة، أحمل كتبي تتراقص حولي الأزهار، لكنه الترهل والعجز أمسك بخناقي، مما ابتليت به تنميط الناس والكتب، جنى ذلك علي؛ أجدني الآن مذنبا في حق نفسي،ليتني قرأت لكل من ظننت أنه يخالفني، هذه جناية توجب الاعتذار عنها، سرد طه حسين رائع، كل كتاباته كانت يوما ما متهمة، هذا آوان العودة إلى النبع الأول، أخرج الدلو يحمل الدر، كتابات من يخالفوني جميلة، يمتلكون فكرا مغايرا، لم أوصد الباب جيدا، تركته مواربا، متذ تفتحت عيني على كتابات الرافعي في وحي القلم، كان محمد رجب البيومي في مقالاته في مجلة المنهل، أحيانا أسترق السمع إلى فاروق شوشة يناغم بلغة درعمية راقصة، محمد مهدي الجواهري في شدو لا يضارع، البردوني ذلكم اليمني الذي أحضر اليمن بجباله وحكمته، نزار في عيون بلقيس الراوي.
عمر أبو ريشة يصدح في الشام يفك قيود العروبة، هكذا أنا كتبت سردي ولي الأمل!
في المحروسة أجول، وفي القدس كل ليلة عند باب المغاربة أصلي الفجر؛ أما المحراب فلا مريم هناك.
لكنني عدت محملا بزاد جديد، تجربة مثيرة تدور في مدار ساقية الكتابة، لم أكن عابر سبيل في دنيا القص ولا أنا ممن يريدون مزاحمة السابقين، أقتفي أثرهم، لكن لي بصمتي التي أفردني الله بها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى