مصطفى نصر - فاطمة الشيخ

تسير فاطمة الشيخ أمام بحر الأنفوشي، فيتوقف صانعو شباك الصيد عن العمل ليتابعوا جسدها الطويل العريض الذي يهتز مع دقات حذائها العالي فوق بلاطات الرصيف، ويخرج سالم الصعيدي من الكازينو بعد أن تبتعد الشمس عن المدخل. يضع عماله شيشته وكوب الشاي الثقيل فوق مائدة صغيرة بجواره ويبتعدون عنه، يتركونه لأحلامه، فهو ينصرف في ذلك الوقت عن أعماله تماماً، يعتذر عن أي لقاء مهما كانت فائدته له.
تقترب فاطمة من الكازينو، فتزداد دقات قلب سالم، يترك مبسم الشيشة من يده، يضعه على الحافة، ويتمتم بكلمات غير واضحة، وعندما تصل إليه، يواجهه صدرها الناهد الأبيض مثل البلور، فيتنهد في أسى: " بنت الـ..... تعرف مدى جماله، لذا تحرص على أن تظهر بعضه، فالكثيرون غالوا في مدحه ..... "
يفاجأ سالم بجميلة التي تشوي الذرة قريبا من باب الكازينو:
- تنهيدتك ستحرق الكازينو وما حوله.
ينظر إليها في ضيق ثم يشيح بيده عنها ويعود لشيشته وناره الملتهبة.
حتما رأته البنت جميلة وهو يحاول إيقاف فاطمة ليتحدث معها، ورأتها وهي تتجاهله وتُسرع الخُطا في طريقها لمقابلة خطيبها عبد القادر في خفر السواحل القريب، فهي تذهب إليه في كل يوم في مثل هذا الوقت.
يعرف سالم إن فاطمة مجرد ممرضة في مستشفى المواساة، أهلها في أشد الحاجة إلى راتبها، وللبقشيش الذي تتحصل عليه من المرضى هناك: "لكن بنت الـ... مشغولة بعبد القادر العسكري ولاعب الكرة في نادي السواحل، هي لا تعرف مصلحتها، فدخل خطيبها من عمله، زائد مكافآت الفوز في مباريات كرة القدم، أقل مما يكسبه هو في أقل من أسبوع، فلماذا التمسك به؟!"
سالم متزوج وأكبر أبنائه يستعد للزواج الآن لكنه، ولله الحمد في صحة تقدر على أربع نساء – كما أتاح الشرع – ولديه مال يكفيه لمائة عام قادمة وإن كف عن العمل وأغلق الكازينو.
البنت جميلة – بائعة الذرة المشوي – ذهبت لزوجته وحذرتها من فاطمة الشيخ، لكن المرأة لم تفاتحه في هذا. هي تعلم أنه يهوى فاطمة، ولن تتحرك إلا عندما يشرع في الزواج منها، وما دام الإعجاب لم يصل لموضوع الزواج فلا شيء يهم.
00
بعد أن يتلاشى جسد فاطمة الشيخ من أمامه، يُسرع للداخل ليستأنف عمله، وقد عرف عماله هذا عنه، فيتساءلون في حذر وفي صوت خافت:
- هي عدت والا لسه؟
تصل فاطمة إلى معسكرات السواحل؛ فتجد عبد القادر في انتظارها، يسيران معا قريبا من البحر، يجلسان على السياج، تفتح لفائفها وتقدم إليه سندوتشًا، لكنه يشيح برقبته عنها:
- ليست لي رغبة في تناول أي طعام.
- مالك؟
- كل شيء يضايقني، ما آخذه من عملي لا يكفي لنفقاتي الخاصة، ومكافآت لعب الكرة قليلة، وتذهب للسفر والانتقالات.
مازالت تمد يده بالسندوتش:
- تناوله مني وكل.
أمسك السندوتش، وأخذ يلوك الطعام شاردا.
تشتري السندوتشات والحلوى والمثلجات في طريقها وهي عائدة من المستشفى، قالت:
- ستتعدل الأمور في القريب.
لم يجبها، فأكملت:
- دخل المستشفى عندنا عبد ربه الفوال.
توقف عن مضغ الطعام وصاح في دهشة:
- من، رئيس دولة " ........ " ؟!
قطمت قطعة من الشيكولاتة ولاكتها في تلذذ، ثم قالت:
- لم يعد رئيسا، قاموا بانقلاب عليه وعزلوه، فلجأ لمصر.
- سيجري عملية جراحية؟
- لا. إنه يعاني من البلهارسيا.
عاد إلى الحلوى التي قدمتها إليه قائلا:
- هي دولته تعرف البلهارسيا مثلنا؟
لا يطول الحديث، يعود عبد القادر إلى معسكره، وتسير هي في طريقها إلى بيتها.
تفكر في عبد ربه، عندما نقلوه إلى المستشفى وحجزوه في قسم الباطنة؛ شاع الخبر: رئيس دولة سابق مريض ومحجوز في المستشفى.
هي في حاجة إلى المال، والدها كان مقرئا مشهورا في حي بحري، وعلى مستوى الإسكندرية كلها، لذا أطلقوا عليها لقب "فاطمة الشيخ".
الرجل كبر، ولم يعد قادرا على القراءة في المياتم والاحتفالات الدينية.
آه لو تقابل عبد ربه هذا، يعطيها مبلغا كبيرا، يساعدها على الزواج من عبد القادر، وتغني به عائلتها.
تذهب إلى البيت، جو الشقة خانق، تعرف أن والدها في حجرته لا يخرج منها، فمنذ أن ابتعدت عنه المياتم والحفلات الدينية، وهو مكتئب، لا يكف عن التنهد، يسألها عن نقود ليشتري سجائر، تقول له:
- كف عن السجائر، فهي سبب مشكلتك.
فيغضب ويشيح بوجهه عنها صائحا:
- لا أريد منك شيئا.
تسرع بإخراج القروش من "بوكها"، وتعطيها له:
- لا أقصد يا أبي، السجائر هي التي جعلتك لا تستطيع التطويل في ........
يرمي النقود في وجهها، ويصيح:
- مازلت أفضل مقرئ في الإسكندرية، قرأت القرآن في قصر رأس التين أمام الملك فاروق.
تخلع ملابسها وترتدي بيجامتها، وتنظر من الشرفة، تظل هكذا حتى يأتي أخوها سيد من دكان الرهوناتي الذي يعمل عنده:
- مساء الخير يا فاطمة.
تنظر إليه في أسى ولا تجيب، وتعود لمتابعة الحارة، تأتي الأم من المطبخ، تسأل سيد:
- أعد لك العشاء؟
- لم اتناول غدائي للأن.
تدخل فاطمة نصف جسدها الذي كانت تتابع به الحارة، وتسأله:
- لماذا لم تتغد للآن؟
يطمئن لدخول أمه المطبخ، فيقول بصوت خافت:
- فهمي شقيق خيرية.
ضاقت من سيرته، زفرت في أسى، فكثيرا ما طلبت من أخيها أن يقاطع صديقه هذا، فقالت في لغة ممطوطة:
- ماله فهمي؟!
- أخبرني أن أبي يذهب إلى عمود السواري كل خميس ليقرأ على "الترب" هناك.
ضربت على صدرها صائحة:
- يا فضيحتي.
ازدادت فاطمة أسى، تذكرت خيرية غريمتها، حتما ستفضحها الآن. لماذا تفعل بي هذا يا أبي؟!
00
بدت فاطمة شاردة وهي في المستشفى، أدت عملها في صمت، أحس الأطباء - الذين يعملون معها - إنها على غير عادتها، سألها أحدهم:
- مالك، هل والدك مريض؟
قالت في صوت خافت وفي أسى: لا.
وفجأة تركت عملها وأسرعت إلى طرقة المستشفى الطويلة، وسط دهشة الممرضات زميلاتها والأطباء الذين تواجدوا في الحجرة وقتذاك، أسرعت إلى حجرة المدير وقدمت طلبا للعمل بقسم الباطنة، وأدعت بإنها غير مرتاحة في العمل مع زميلاتها هنا.
أحس البعض بأنها نقلت نفسها من أجل عبد ربه، الرئيس السابق لدولة " .... ....." .
لم يكلفها رئيس القسم بعمل للآن، ظلت جالسة في حجرة الممرضات شاردة. تتمنى أن تسمع صوت جرس حجرة عبد ربه، لكنه لم يفعلها، كما أنه لم يخرج من الحجرة في طريقه لدورة المياه.
وقفت وأطلت من النافذة، زفرت في أسى، فالوقت يمر، وكادت دوريتها تنتهي دون أي تقدم في علاقتها به، الرجل لم يكتشف جمال ثدييها.
سمعت صوته في الطرقة يتحدث مع أحد حراسه، عندما وصلا لباب الحجرة، أسرعت وفتحته له، وتبعته في الدخول، وانتظرت حتى نام على السرير، فجلست على المقعد أمامه. قال:
- تريديني في شيء؟
- سأصدقك القول، أنا مبهورة بمقابلتك، ليس سهلا أن أقابل رئيس دولة هنا في المستشفى.
ضحك طويلا ثم قال:
- ام أعد رئيسا.
- المهم إنك كنت رئيس دولة عربية في يوم من الأيام.
- أنت جريئة للغاية، وأنا معجب بجرأتك هذه.
- صدقني، إنني أكثر الممرضات التزاما وخجلا. لكن هيبتك وشموخك يجعلاني أسعد بالحديث معك.
- جئت هنا لكي أعالج من بلهارسيا قديمة عندي. واستطاع الأطباء أن يقضوا على المرض، وسأخرج من المستشفي خلال يومين على الأكثر.
أحست بالمسئولية، فلابد أن تنتهي من مهمتها قبل أن يخرج، فقد يغادر الإسكندرية أو يرحل عن مصر كلها.
سمعت جلبة في الخارج فقامت فزعة حتى لا يراها أحد وهي جالسة أمامه.
وأسرعت بإدخال الطعام إليه، لكنه أبدى رغبة في أن تتركه لطعامه، فهو يفضل ألا يراه أحد وهو يأكل.
00
خرجت من المستشفى، ذهبت إلى عبد القادر- الذي كان في انتظارها - لاحظ أنها لم تشتر سندوتشات وأطعمة ككل مرة، وأنها شاردة طوال الوقت:
- مالك؟
- اقترب موعد زواجنا.
صاح مندهشا:
- ما الذي تغير؟
- أيام قلائل وسأجد لك عقد احتراف في نادي بالكويت.
- هل دخل مستشفاكم أمير كويتي؟!
- لا، عبد ربه الفوال سيحقق كل شيء.
- قابلتِه؟
- وتحدثت معه.
قال في صوت خافت:
- لا أريد احتراف، كل ما أريده أن تبتعدي عن هذا الرجل.
وقفت غاضبة:
- ما الذي تقوله؟ عبد ربه هو الأمل لي ولك ولأسرتي.
- خائف عليك منه.
- أتشك في أخلاقي؟!
- لا طبعا، لكن أشك في أخلاقه هو، صدقيني كل شيء بثمن، فإن قدم لك خدمة، سيطالبك بثمنها.
- لن يأخذ مني شيئا، اطمئن.
وقف قائلا:
- لن أبقى معك طويلا، فالتدريب سيبدأ بعد قليل.
سار بينما ظلت هي تتابع السيارات المسرعة والتي تتسابق نحو رأس التين.
00
جلست في حجرة الممرضات وحدها صامتة، فوجئت بالباب يفتح دون استئذان، وحارس عبد ربه يصيح فيها بوجهه الجامد:
- سيدي الرئيس يطلبك.
دهشت، تركت ما في يدها وسارت بجواره، كان عابسا كأنه يقبض عليها.
عبد ربه جالس على مقعد، يرتدي ملابس الخروج. ولحيته محلوقة. قال:
- سأخرج من المستشفى الآن.
- حقا؟!
أشار لحارسه، فترك الحجرة وخرج، قال:
- اجلسي.
جلست أمامه.
- أريد أن أقابلك خارج المستشفى.
من هول المفاجأة لم تصدق إنه طلب مقابلتها، فكرر ما قاله ثانية:
- إنني أسكن فيلا في "السيوف"، تعرفينها؟
- أعرف السيوف طبعا.
أخرج ورقة من سترته وقدمها إليها:
- هنا عنوان الفيللا ورقم التليفون. اتصلي بي مساء لأحدد لك موعد اللقاء.
ووقف معلنا انتهاء زيارتها له، فوقفت شاردة،
دخلت حجرتها في البيت حاملة التليفون، اتصلت بالرقم، أجابها الحارس الخاص، ثم سمعت صوت عبد ربه بعد لحظات، اتفقا على أن تذهب إليه في الصباح.
رمت سماعة التليفون وأخذت تغني فرحة. فقد تحقق لها ما تمنت وأرادت. عبد ربه لديه ذهب ونقود معبأة في زكائب، سينقلها إلى عالم خيالي طالما تمنت أن تعيش فيه.
الفيلا كبيرة وواسعة، ولها حديقة يعمل بها أكثر من بستاني، هذا غير الخدم في الداخل.
لم تذهب فاطمة إلى المستشفى ثانية، ولم تسأل عن مرتبها.
جاء عبد القادر إلى البيت قلقا عليها، لكنه لم يجدها. مر الوقت وهو جالس معهم في الصالة منتظرا عودتها:
- لا بد من البحث عنها، فالساعة تقترب من الواحدة صباحا الآن.
ظلت الأسرة ساهرة طوال الليل، تسأل زميلاتها في المستشفى، فلم يجدوا جوابا.
عاد عبد القادر إلى معسكره في الصباح، استأذن وعاد إلى بيت فاطمة. ظلوا هكذا حتى جاءت زميلتها في المستشفى، قالت:
- لقد أبدت اهتماما غير عادي بعبد ربه رئيس دولة " ......... " المعزول.
اتضحت الحقيقة، ففاطمة تركت كل شيء وعاشت مع عبد ربه في فيلته كزوجة.
وشاع الخبر في حي بحري: فاطمة الشيخ تركت خطيبها عبد القادر لاعب الكرة المعروف بنادي السواحل، وتركت أسرتها من أجل عبد ربه. وهي تنتقل الآن بسيارة، تقودها بنفسها.
كانت فضيحتها أكبر من فضيحة والدها المقرئ السابق في قصر رأس التين، والذي يقرأ الآن على الموتى في مدافن عمود السواري.
00
وقفت السيارة الفارهة أمام معسكر السواحل، خرجت فاطمة منها، لمقابلة عبد القادر، فجاء مسرعا، وجدها أمامه بملابسها الغالية الثمن، ابتسمت له ومدت يدها سعيدة:
- وحشتني يا عبد القادر.
صاح غاضبا:
- ماذا تريدين مني؟!
- جئت إليك بعقد احتراف في الكويت، كما وعدتك.
صاح مرة أخرى:
- ابتعدي، لا أريد رؤيتك.
- لقد فعلت كل هذا من أجلك.
- أرجوكِ، لا أريد رؤيتك ولا أريد عقود احتراف، فقد اعتزلت الكرة من أجلك.
أمسكت يده وبكت:
- لا تتركني، كل ما فعلته لكي أجد مالا لنتزوج.
- لن أتزوجك مهما حدث.
شد يده من يدها وأسرع نحو ملعب التدريب بالداخل.
وقفت حائرة للحظات، تابعها الجنود الكثيرون الذين يقفون بجوار البوابة الواسعة، فاضطرت أن تعود لسيارتها. انطلقت بها إلى حي بحري، فقد استأذنت من عبد ربه، طلبت منه أن تقضي الليلة مع أسرتها، حملت الهدايا الكثيرة والأموال لهم.
عندما فتحت الأم الباب ووجدتها أمامها، صاحت غاضبة:
- هذا بيت طاهر، لا يدخله أمثالك.
أمسكت يد أمها وقبلتها:
- لا تغضبي علي يا أمي، إنني في حاجة إليكِ. لقد فعلت كل هذا من أجلكم.
وفُتح باب حجرة الأب فجأة، وقف بملابسه الداخلية، وصاح:
- أخرجي يا عاهرة.
أسرعت إليه، شدت جسده النحيل إليها:
- جئت بالمال الكثير الذي سيغنيك عن الذهاب إلى مدافن عمود السواري.
دفعها في عنف وأغلق باب حجرته عليه.
وقفت وحدها في الردهة الواسعة، تركت الهدايا الكثيرة التي جاءت بها وعادت إلى الشارع.
00
تتحرك فاطمة في الفيللا في هدوء شديد، تحس بالملل وتتمنى لو لم تكن قد جاءت إلى هذا المكان. أن تظل مع أسرتها ومع عبد القادر الذي مازالت تحبه وتتمناه.. قال عبد ربه لها:
- تغيرتِ كثيرا منذ أن زرتِ أسرتك، حتما لم يرحبوا بما تفعلينه معي.
- لا ينفع هذا الكلام الآن.
من خلال محادثات الحراس والضيوف الذين يأتون كثيرا إلى الفيللا؛ عرفت أن عبد ربه مستهدفا وأن هناك جماعات من بلده تتعقبه وتسعى للتخلص منه لأنه مازال يطالب بحقه الشرعي.
سألت فاطمة عبد ربه عن ذلك، فأجاب باستخفاف: إشاعات لا أصل لها.
ثم صمت قليلا وعاد للقول: وعلى فرض أن هناك من يريد قتلي، فكيف سيصلون إلي، وأنت ترين الحراسة القوية حول الفيللا.
تعرف فاطمة أن علاقتها بعبد ربه لن تطول، وحتما سيملها في القريب ويتركها، ووقتها لن تستطيع العودة لعبد القادر، ولا لبيت أسرتها. لذا، لابد أن تؤمن مستقبلها، فحتى عملها في المستشفى انتهى، فقد تم فصلها بسبب الانقطاع عن العمل.
كانت تخفي نقودا تحصل عليها من عبد ربه، وخرجت دون أن تخبره. وأودعتها في البنك.
تشرد معظم الوقت.. هذه الفيللا مؤجرة، ومن الممكن أن يتركها فجأة. وقتها أين ستذهب، لذا، استأجرت شقة صغيرة في السيوف وأثثتها، وكانت تزورها عندما يسافر عبد ربه إلى القاهرة أو خارج مصر.
تفتح الشقة وتنام فوق السرير. وتنعس – أحيانا – بالساعات. لكنها تحرص على قضاء الليل في الفيللا حتى لو كان عبد ربه خارج الإسكندرية.
00
خرجت كالعادة، كانت تجلس بجوار عبد ربه في السيارة، والسائق ينطلق ناحية الصحراء الغربية، وإذ بسيارة مقابلة تطلق قذائفها، قفز عبد ربه والسائق، ارتميا على الأرض الرملية، وهي فشلت في الخروج، تم نقلها إلى مستشفى الأميري. لقد تشوه وجهها وفقدت عينا من عينيها.
تزاحمت الممرضات لمشاهدتها.
بعد أن أنهت العلاج، خرجت وعادت إلى شقتها، أغلقتها عليها.
هي وحيدة الآن، لا يمكن أن يتزوجها أحد، لا عبد القدر ولا غيره. من يستطيع احتمال رؤية وجهها المشوه؟!
خرجت في المساء، اقتربت من الأنفوشي، كم هي مشتاقة لرؤية عبد القادر ورؤية أمها وأبيها. فكرت في الذهاب إلى مدافن العمود لمقابلته وقت الظهيرة لتضمن وجوده.
سارت في الظلام بجسدها الممشوق، توقفت سيارة، وأشار أحد ركابها إليها، فأسرعت إليهم، الظلام يلف المكان، فلم يتبينوا وجهها. سمحوا لها بالركوب معهم. لكنهم صرخوا فزعاً من هول ما رأوا عندما أضاءوا النور في الداخل، فدفعوها إلى الأرض، أوقعوها على أسفلت الشارع.
تذكرت سالم الصعيدي الذي كان مغرما بها. ذهبت إلى الكازينو. ظلت متوارية حتى اشتد الظلام. كان سالم مع أسرته. زوجته وابنتيه.
خرج من السيارة ليأتي بشيء من الكازينو.. كانت زوجته وابنتاه الشابتان تجلسن في المقعد الخلفي. اقتربت فاطمة نحو السيارة. صرخت الزوجة عندما رأتها وتبعتها البنتان، صرخن في خوف:
- عفريتة، عفريتة.
جاء سالم مهرولا ناحية الصوت. وجدها أمامه. صاح بها:
- غوري في داهية.
طاردها العمال بالمكانس. جرت فانخلعت فردة الحذاء. فأمسكها أحد العمال وألقاها في البحر. وسارت بفردة حذاء واحدة. تبحث عن سيارة تنقلها إلى شقتها بالسيوف.



أحدث المراجعات

نص يعتمد على الشخصية المحورية للبطلة التي تتبدل احوالها وتمر بتغيرات عنيفة في شخصيتها وقد أجاد الكاتب في رسم الشخصية من الداخل والخارج مع طرح الموضوع بطريقة شيقة من خلال حبكة درامية متقنة استعرض بها عددا من الشخصيات المساعدة بلغة رشيقة وفنية القاص المحترف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى