محمد الرياني - مَهمَّة

تعلَّقَ بخروفِهم الصغير الذي ترَّبى معهم في مهدِ الطفولة ، صغيرٌ وجميلٌ وناصعُ البياضِ ويقفزُ كالفراشاتِ البيضاء ، بل ويفرحُ بعينين برَّاقتين ، وإذا شَعرَ بالجفاءِ جاءَ ليدخلَ تحت الكراسي الحمراءِ في الفناءِ الواسعِ ليتمسَّحَ بظهره في باطنها ، يشعرُ المستريحون عليها بحركةٍ ناعمة ، ينظرون أسفلَ منهم فيهرب نحوَ الأسرَّةِ الأخرى مداعبًا عوارضَها وقوائمَها ، كبرَ سريعًا ولايزالون في أماكنهم لم يتغيروا طولًا ولاحجمًا ، حبُّه للخروفِ لم يمنعه من طَرحِ العَلفِ الأخضر الغضِّ له وَسطَ عُيونٍ تشاركُه السَّكنَ وتتهمُه بالانحياز ، لم يقولوا له إنَّهم يدللونه ليومٍ موعود ، في اكتمالِ نُموِّه اعتمدَ على نفسه أكثر ، ظلَّ يُناطحُ الآخرين أقرانَه بشراسةٍ لِيلْتهِمَ العلفَ وهم مُشفقونَ على رأسِه ، لم يربطوه مثلَ غيرِه على الرغمِ من شَقاوتِه وسُرعتِه عندَ المطاردة ، ذاتَ يومٍ تهامسوا بأنَّ أيامَه معدودةٌ وأنه سيكونُ قربانًا ، دَبَّ الحُزنُ في أعماقِه ، الخروفُ الصغيرُ الذي مَنحَه الدلالَ سَيُوضعُ في القِدرِ أو في التَنُّورِ بعد أن يُقسَّمَ أكثرُه ، لم تكن لديه حِيلةٌ لإخفائِه ، فَصوتُه الذي يتكررُ في الفناءِ سَيفضحُه ، أو سيدفعُه الجوعُ كي يَطعمَ من بينِ أقدامِ الخِراف ، في صَباحِ يومٍ ذهبَ لجلبِ الماءَ ، لم يكن ذلك اليومُ يومًا اعتياديًّا ،كان همُّه أن يسقيَه ليمارسَ اللعب ، لم يَتركْ قرينُ المَهدِ أفْعالَ طُفولتِه بالتسلُّقِ والقفزِ والمغامرة ، مارسَ المغامرةَ بِعنفٍ هذه المرة بعيدًا عن صاحبه، ارتفعَ عاليًا ثم سقطَ بين الأسوارِ الخشبيَّةِ اليابسة ، انغرزَ في حَلقهِ عُودٌ حادٌّ فاختنقَ وسطَ مُحاولاتِ الإنقاذِ التي جاءت لفعلِ شيءٍ قبلَ أن يَلفظَ أنفاسَه ، نادوا عليه أن أسرع ، شَعرَ بالانقباضِ وانحباسِ النَّفَس ، لم يكن في استقبالِه كعادتِه ليتمسَّحَ به ،حضرَ عليهم وهم في دائرةِ الحزن ، ألقى نَظرتَه الأخيرةَ على يَدِ جارِهم الجزَّار وهو يَضعُ حدَّ السكينِ على رقبة الخروفِ لِيميتَه قَبلَ اكتمالِ دائرةِ الاختناق ، في صَباحِ البهجةِ أحضروا كبشًا غيرَه ليقومَ بالمهمة.


محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى