علي حزين - مسافر في الليل .. قصة قصيرة ( الجزء الرابع )

الطبق الطائر يسبح في الفضاء بطريقة انسيابيه وحوله اطباقاً اخرى, ومركبات غريبة الصنع, وبيوت غريبةالشكل معلقة في الفضاء على هيئة عناقيد العنب وكلها تدور في بانوراما رائعة وجميلة والسماء قد مُلئت بكائنات ومركبات عجيبة وغريبة لا يعرف كُنْها ولا كيف تطير ...
حب الفضول دفعه لينظر من النافذة الزجاجية المعالجة ضد الكسر والأوساخ والمكروبات , لاحظ البيوت المعلقة في الفضاء تدور معه كما لو كانت معلقة بالكواكب أومشدودة بحبالٍ خفيةتربطها بالنجوم في السماء .. ولاحظ شيئا آخر والناس تطير في الفضاء هي أيضاًوتلتصق بالبيوت فيما يشبه النحل الذي يلتصق بالزهور, أو بثمار الفاكهة , وعناقيد العنب ,
توجه بوجهه إلى صديقه الجالس أمامه فوجده يلاحظ اندهاشه وفضوله بشيء من المتعة والسعادة وهو يغالب ابتسامة حتى يخفيها عن وجهه , يسأله
ــ ما هذا الذي اراه .. ؟!.
ــ هذه ابراج سكنية متطورة
ــ البيوت تكون على الأرض وليست في الهواء
يضحك الشاب الوسيم على صديقة ضحكة العارف ببواطن الأمور , ثم يأخذ نفساً عميقاً ويسترخي على مقعده وهو يقول له
ــ كانهذا في الماضي يا عزيزي , زمانكانت البيوت على الأرض لكن اليوم الأمر اختلف تماماً, في هذا الزمان كما ترى البيوت معلقة في الهواءبين السماء والارض وفوق الماء , وتحت الماء ايضاً
ــ معقول هذا تحت الماء ..؟!!
ــ نعم معقول ومعقول جداً نحن في الألفية الثالثة يا عزيزي انسيت
ــ وكيف حدث هذا الأمر
ــ لقد حدثت طفرة كبيرة على مدار عشراتبل مئات السنين الماضية وطور الانسان من نفسه ومن سكنه أيضاً حتى وصل الى هذا الذي تراه , لقد اكتشف العلماء القوة الخامسة والسادسة وها نحن الأن نعمل بنظام القوة السابعة في الكون ..
ــ أنا أعرف القوة الرابعة وكنت أتابع بعض الأبحاث والتجارب والمقالات التي تتحدث عن هذاالاكتشاف الخطير من قوى الطبيعة
يبتسم الشاب الوسيم وهو يرد عليه ويقول له بعدما اعتدل في جلسته , وقد وضع رقماً على الشاشة التي أمامه في الهواء مع بعض الرموز فيما يشبه الرقم السري :
ــ والقوة الخامسة والسادسة والسابعة أيضاً ومين عارف ماذا سيحدث بعد ذلك ..؟!!
الآن قد وصلنا يا صديقي ,علينا أن نتهيأ للنزول الآنوسنتحدث لاحقا في هذا الأمر
ــ وصلنا إلى أين
ــ إلىبيتنا يا عزيزي انسيت
ــ .............
وهنا يتوقف لسانه عن الكلام, لكن عقله لا يتوقف عن التفكير, ويتذكر بأنه في رحلة غريبة وعجيبة من نوعها تشبه رحلة من حالات الخيال العلمي,أو كأنه دخل في كتاب الف ليلة وليلة وصار أحد أشخاص حكاية وقصة من تلك القصص المثيرة العجيبة , فهو يحب مثل هذه الحكايات والقصص التي تتحدث عن عوالم وأحداث خارج نطاق الزمان والمكان لتفصله عن الواقع المر الأليم الذي يعيش فيه ,
راقت له الفكرة أكثروستمرئها وعليه أن يستمر إلى النهاية في هذه القصة الغريبة العجيبة التي لا يعرف كيف بدأت ولا كيف ستنتهي ...
هز له رأسه وهو مستسلم له تماماً , فأخذه صديقه من يده بعدما أخرج من جيبه شيء ما صغير يشبه لعبة الاطفال عرف فيما بعد بأنهجهاز ضبط الضغط والسكر في الدم , طلب منه بأن يضعه في جيبهواخرج له كبسولة صغيرة وطلب من منه أيضاً بأن يضعها في فمه , فما كان منه إلا أن يزعنلهويفعل كما قال له دون سؤال أو نقاشإلا أنه شعر بداخله بأنه يرتجف وبأن نفسه كاد يروح منه ويختنق وبأن ضربات قلبهونبضاتهتزداد في صدره فطلب منه بأن يبتلع الكبسولة في جوفه بسرعة ,ففعل,فهدأ قلبه وعاد نفسه طبيعياً وتوقف الاضطراب قليلاً , ثم أمسكه من يده بعدما ضغط على شيء ما في المركبة ليجد نفسه يسبح في الفضاء ويطير في الهواء هو وصديقة الذي أخرج من بزلته الصفراء اشعاعات غريبة ثم اتبعهابشعاع ضوء ازرق لامع ليجد نفسه عالقاً في احدىالعناقيد المدلاة في الفضاء " الابراج السكنية " ويجد نفسه في بيت لم يرى مثله من قبل ولا قرأ عنه حتى ولا في الأساطير .. وراحت عيناه تدور في محاجرها تتفقدان المكان المهول في ذهول واندهاش, وهو يسأل صديقه ...
ــ كيف وصلتم الي كل هذا ..؟!!
ــ بالعلم يا عزيزي, وبالبحث العلمي, كل شيء هنا يدور ويعمل بالتكنولوجية,
ألم يقل الشاعر الكبير أحمد شوقي ..
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم .. لم يبن ملك علي جهل وإقلال
فجأة يدخل عليهما ضوء من الشرفة المجاورة لهما, وإذ بكائن غريب يشبه الفراشة الجميلة, تقف امامهما تخلع ثيابها "المركبة الصغيرة التي ترتديها " والتي تشبه بدلت الفضاء الغريبة العجيبة, تقف تسلم على اخيها, وترحب بالضيف القادم من الماضي وهي تبتسم في وجهه, ثم تشكر اخيها على هذه الفجاءةالجميلة والهدية الرائعة وذلككونه أحضره معه إلى البيت فلربما احتاجته في دراستها ومجال بحثها العلمي وابحاثها لسنة التخرج , وهو واقف بينهما في حالة ذهول واندهاشغير غادي, وهيئ اليه للحظة بأنه انتقل الي قاعة ابحاث سرية في احدى المحطات الفضائية لوكالة ناسا الدولية, وأخذ يسأل نفسه في نفسه .. كيف عرفت اسمه ..؟!, ولماذا تشكر اخاها لأنه احضره معها..؟!! , وماذا يا تري ستفعل به, أو معه ..؟!!.. وأية أبحاث تلك..؟!!.. و.. و..؟!!.... ,,
تذكر هاتفه المحمول وضع يده في جيبه بحث عنه فلم يجده , وتذكر حقيبته التي فيها أعماله الأدبية والورقة البحثية التي سيقدمها في المؤتمر, وتذكر المؤتمر نفسه , ودارت الدنيا برأسه, شعر بدوار وكاد أن يقع من طوله لولا صديقة قام بأسناده ووضعه على أقرب أريكة في المكان ثم أخرج بخاخة برائحة النعناع والقرنفل رش له منها وهو يطمئنه بعدم الانزعاج وعدم الخوف .. والفتاة واقفة تنظر اليه وقد اخرجت من سترتها ما يشبه الهاتف الخلوي, تقوم بقياس الهواء وضغط المكان واشياء اخرى كثيرة فيما يشبه العملية الحسابية المعقدة حتى عاد إلى توازنه والتقط أنفاسه من جديد وفتح عينيه ليجد نفسه في نفس المكان, فحمدوا الله على سلامته ..
برهة تستأذن الفتاة تتركهما وتنصرف, تدخل تسلم على أمها, لتجد أُمها منشغلة ومهتمة بالجهاز الجديد الذي اشترته حديثاً من احدىالمعارض المهتمة بهذا النوع من أجهزةالتجميل, وقد وضعت نفسها على الجهاز الجديد وقد ضبطت عليه بعض الصور لكبار المشاهير من نجمات السينماوالمليكات للجمال علي مر العصور لتحمل وجهاً راق لها لتضعه علي وجهها وتنتظر قليلاً حتي يتم التثبيت وهي ترد علي بنتها السلام وهيتنظر في المرآة وتسألها عن رأيها في الوجه الجديد الذي وضعته هل أعجبها أم لا, فتهز الفتاة رأسها وهي تقول لها
ــ رائع يا مامي
ثم تتركها وتنصرف الى غرفتها المنمقة المرتبة الأنيقة الجميلة لتغلق عليها بابها, لتتقوقع في غرفتها وتعتكف على دروسها وأبحاثها فهي في السنة النهائية في الجامعة ,
صوت ذبذبات يأتي من بعيد يصحبه صوت ارتطام وخبطة قوية تتبعها رجة خفيفة في المكان , لا يعبئ بها "يحيي" ولا من في البيت إلا هو يسأل صاحبه
ــ ما هذا..؟
فيجيبه وهو يبتسم
ــ هذا خلل في النظام
ــ اي نظام هذا..؟!
ــ نظام التشغيل يا صديقي .!.. لا عليك سأشرح لك الأمر , وأخبرك بكل شيء ..
هنا يا صديقي كل شيء يعمل بنظام وانتظام, ولا يمكن وقوع خطأ أو خلل ما ولو واحد في المئة الا فيما ندر , وما سمعته يا صديقي أنفاً من صوت فهو وقوع خلل في النظام الذي يعمل به احدهم وقد تسبب هذا الخلل بوقوع استضام بشرفة المنزل وقد احدث فيها بعض الخسائر ولكن البرنامج الموضوع في الشرفة قوي جداً سيقوم بإصلاح نفسه بنفسه وقد قام بتسجيل بيانات الحادث أنفاً وارسل إليِّ نسخة منها كما أنه أرسلنسخة أخرى من البيانات إلى وزارة الأشغال ووزارة الداخلية أيضاً وسيقومون بعمل الازم فالبيوت عندنا صعب اختراقها لأن عليها نظام حماية قوي وكاميرات تصوير حديثة بحيث لا يمكن اختراقها بأي حال من الأحوال, فلا تقلق يا أخي ,وسنأخذ تعويض على ذلك, او ربمانعفو عن الذي تسبب في هذا الخطأ بعد مراجعة البيانات والصور مع الفيديوهات طبعاً ..
ــ أنا لم أفهم شيء من كل الذي تقوله لي
يبتسم يحيي وهو يطلب من صديقه بأن ينسى الأمر برمته ويسترخي بعض الوقت أو إن شاء قام وأخذ حمام دافئ قبل أن ينام, وبعد ذلك سيكمل معه الحديث ..
وقبل أن يجيبه بالقبول أو الرفض يملأ المكان دخان وصوت ذبذبات غريبة مع بعض الاصوات العجيبة الغريبة تجعله يقوم من مقامه مذعوراً ليتلفت حوله فيخبره صديقة يحيي بأن تلك الاصوات قادمة من غرفة اخته الصغيرة " مريم " ومن المعمل الذي اشتراه لها ابوها قبل موته لتقوم بعمل ما يلزم من شغل البيت لتساعد امها, وتذاكر دروسها أيضأ , وبانأغلب وقتها تقضيه في المعمل الصغير الذي اشترته من مصروفها وساعدها اباها في اختيار واختبار أدواته لتجري فيه تجاربها وابحاثها العلمية ...
وظل صديقه الذي يعرف عنه كل شيء وهو لا يعرف عنه شيء إلا ما أخبره هو به عن نفسهظل يحكي له عن أشياء غريبة لم يفهم منها شيئاً, وهو يحاول جاهداً أن يستجمع كلقواه العقلية والمنطقية ليفهم ما يدور, وما يحدث له من أمور وأحداث أغرب من الخيال وغير منطقية وغير معقولة بالمرة , وهو يعصر عقله ليفهم أصل الحكاية,وما هي أصل القصة التي وجد فيها, وهو يخبره عن أشياء لا يمكن أن تصدق بالمرة , وهو في حيرة من أمره , وهو يحاول أن يستجمع كل قواه العقلية ليجد تفسيراً منطقياً أو مبرراً لتلك القصة التي هي أغرب من الخيال والتي أُقحم فيها دون سابق إنذار أو أذنٍ أو إرادة منه ,


**********************************
تمت مساء الخميس 15/ 7 / 2021
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى