د. علي خليفة - مسرحية خلل في الجهاز لأبي السعود الإبياري

المسرحيات القصيرة التي كتبها أبو السعود الإبياري في مجلة الكوكب وجمعها ونشرها الدكتور نبيل بهجت في كتاب المسرحيات القصيرة في المسرح المصري - نراها قد كتبت كلها في خمسينيات القرن الماضي، وهي فترة مهمة في تاريخ مصر، فقد حدثت تحولات سياسية واجتماعية كبيرة فيها في مصر، وكان أهمها انتقال مصر من الحكم الملكي للحكم الجمهوري، وما نتج عن ذلك من نتائج إيجابية وسلبية في الوقت نفسه.
والملاحظ أن أبا السعود الإبياري لا نرى له في هذه المسرحيات أي تفاعل واضح مع هذه الأحداث باستثناء تصويره فيها بعض الأوضاع الاجتماعية وما استجد عليها في تلك الفترة.
وأعتقد أن أبا السعود الإبياري كان متعمدا في هذا المسرحيات ألا يعبر عن أي مواقف سياسية فيها، وربما كان هذا حتى لا يعرض نفسه لمواجهات غير مأمونة مع الرقابة، وجهات التحقيق المختصة بهذا الأمر، وأيضا ربما كان ذلك لكونه يعد نفسه كاتبا كوميديا يصور جوانب من الحياة الاجتماعية للناس بشكل كوميدي، ولا يعنيه الكتابة في أمور السياسة؛ التي قد تختلف ميول الناس ومواقفها منها، في حين أن القضايا الاجتماعية لا يوجد ضرر من معالجتها، وكذلك لا يوجد من الناس من ينزعج من عرضها.
وأعتقد أيضا أن نظرة أبي السعود الإبياري لمسرحه - سواء أكان منشورا أم غير منشور - أن الهدف الأساسي منه أن يمثل، وأن يتم تمثيله بممثلين مشهرين كان على اتصال وثيق بهم، كإسماعيل ياسين - جعله يميل لمعالجة القضايا الاجتماعية حتى لا توجد عقبات في تمثيل هذه المسرحيات.
ويضاف لهذا أن أبا المسعود الإبياري كان قد لقي نجاحه ككاتب مسرحي في عرض القضايا الاجتماعية في في مسرحياته، ولم يشأ أن يغامر ويطرح في مسرحياته قضايا سياسية أو فكرية أو فلسفية قد يصدم بها جمهوره، ولا يتقبلها منه.
والحقيقة أنني لا ألوم أبا السعود الإبياري على كونه قد وقف مسرحه على عرض القضايا الاجتماعية بشكل ساخر، ولم يهتم بموضوعات أخرى فيه سياسية أو فكرية أو فلسفية أو علمية أو غير ذلك، ولكنني ألومه على أنه اكتفى بالنجاح السريع الذي تحققه مسرحياته حين يقرؤها القرّاء العاديون أو يشاهدونها ويستمتعون بها ويضحكون منها، ولكنها قلما تترك في أنفسهم أي أثر بعد ذلك، فهي لا تدعوهم للتأمل ولإعادة النظر في بعض الأمور.
وأرى أمكن مسرحية خلل في الجهاز مثال جيد أوضح به وجهة نظري هذه في عدم اهتمام أبي السعود الإبياري بتعميق مسرحياته، وأنه لم يكن يقصد منها - في الغالب - غير الضحك فقط من المشاهدين والقارئين لها، ففي مسرحية خلل في الجهاز يتناول أبو السعود قضية التطور العلمي وما ينتج عنه من مخترعات في المستقبل، كذلك الجهاز القارئ للأفكار الذي تفترض أحداث هذه المسرحية أنه تم اختراعه، وأن شخصا ثريا اسمه شكري قد امتلكه.
ولا شك أن فكرة هذه المسرحية فكرة جيدة، ولو أن أبا السعود الإبياري كان يهتم في هذه المسرحية بتعميق الأحداث، وكشف نفوس الشخصيات من خلال هذا الجهاز لكان قد صنع شيئا عظيما، فأرانا نفوسا ممتلئة بالنفاق والخداع وتتظاهر بعكس كذلك، ولكن هذا الجهاز يكشف خبايا نفوسهم التي يحاولون سترها واظهار عكس ما تقوله السنتهم، كما نرى هذا في رواية أرض النفاق ليوسف السباعي، ومسرحية قناع السعادة للكاتب الفرنسي جورج كليمنسو، ولكننا نرى أن كل ما أراده أبو السعود الإبياري في هذه المسرحية هو الضحك للضحك؛ ولذلك أرانا شكري بطل هذه المسرحية القصيرة يعتمد على ذلك الجهاز، ولم يكن يعلم أنه قد حدث فيه خلل نتيجة سقوطه على الأرض حين سقط من يد خادم في بيته، وصار الجهاز بهذا يعطي معلومات غير صحيحة دون علم صاحبه شكري بذلك.
وكان شكري يتصرف بناء على هذه المعلومات المغلوطة من ذلك الجهاز، فظن في شريك له في العمل أنه يخونه حين أبلغه معلومات مهمة عن البورصة، ولم يعمل بها حسب توجيهات ذلك الجهاز له، فخسر خسارة كبيرة، وصار مفلسا، كما أن هذا الجهاز قد أعطاه معلومات مغلوطة عن زوجته وصديق له، فاتهمها وإياه بخيانته، وطلقها وطرد صديقه من بيته ومن حياته.
ويكتشف بعد ذلك شكري من كلام ذلك الخادم له أن ذلك الجهاز قد سقط على الأرض دون قصد منه، ويدرك عند ذلك شكري أن ذلك الجهاز كان فيه خلل بسبب سقوطه على الأرض، وأنه اتخذ قرارات مصيرية بناء على تلك التوجيهات التي اخذها منه وكان فيه ذلك الخلل، ويشعر بالندم الشديد عند ذلك.

علي خليفة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى