محمد مزيد - الغيرة.. قصة قصيرة

ها هو يتبعها وهي تقود سيارتها ، ترتعش أصابعه على مقود سيارته ، انه ينظر الى تسريحة شعرها ، خرجت من الشقة بتسريحة ذيل الحصان ، لا يدري متى غيرتها بهذه السرعة ، ها هي الان ينساب شعرها الذهبي على كتفيها، يعرف انها نادرا ما تنظر الى المرآة الامامية، ولن تتمكن من معرفة التفاصيل الصغيرة في السيارات التي تسير خلفها ، لكنه بالرغم من تأكده من ذلك ، يتخفى خلف سيارات كثيرة يزدحم بها الشارع ، قلبه يخفق بسرعة ، نزع ربطة عنقه ، إنها تعرفه لايخرج الا بها مع الربطة والبدلة حتى في عز الصيف التركي ، نزع السترة ووضعها على الكرسي الخلفي ، صار من الصعب عليها اكتشافها متابعته لها ، اليوم بالذات سيكتشف ، هكذا يقول لنفسه ، وقلبه يخفق بشدة ، سر اهتمامها الزائد عن حده ، بـالمصمم الجديد للازياء التي نصنعها في ورشتنا الخياطة الصغيرة ، كانت قد طردت قبل اسبوع المصممة التي تزعم انها تسببت بخسارة كبيرة لنا حين اتلفت سبعين مترا من القماش النادر ، تداركنا الخسارة بسرعة أو في الحقيقة هي التي استطاعت بدبلوماسيتها انقاذنا من تلك الخسارة حين أقنعت مدير معمل النسيج تعويضنا عن تلف القماش تحت مقصنا الاوتوماتيكي ، وكانت لما عادت من شركة النسيج أبلغتني بان مدير المعمل اقترح عليها مصمما جديدا لنا ، لم ألتق به في اليومين الذي باشر به عمله ، ولكنني في اليوم الثالث لاحظت أهتمامها الزائد بملابسها، وطريقة رش العطر على وجهها وتحت ابطيها فضلا عن اعتنائها باناقتها . كان يراقب زوجته، قبل خروجها الى المعمل، وهي تجلس الى منضدة الزينة تغير تسريحتها بين لحظة واخرى . منذ عشرين سنة وهو يعرف أدق تفاصيل سلوكها ، يعرف انه لا يتورد خديها في الصباح ، لكنها منذ يومين ، اخذ يرى على وجنتيها احمرارا ، يؤكد له انها في حالة نفسية مرتفعة ، عشرون عاما مضت لم ير توردا على خديها مثلما رآها في اليومين الماضيين . مازال يسير خلف سيارتها التي انعطفت بها الى فرع يؤدي الى ساحة صغيرة ، يعرف تماما خارطة هذه الشوارع ، فهي حتما ستعود الى الشارع نفسه الذي يسير فيه الان ، لذلك ابطأ في سيره وانتظر خروجها من تلك الساحة الى مسار الشارع الفرعي الاخر حيث اوقف سيارته قبل مئة متر ، يعلم انها لن تستطيع الذهاب ابعد من هذا الشارع ، ذلك لان المعمل في هذا الاتجاه الذي يسير فيه ، وما فعلته الا مناورة غبية لتعرف من يسير خلفها ، بقي واقفا يراقب مدخل الفرع الاخر الذي ستخرج منه ، اراد ان يدخن لكنه تذكر انه اقلع عن السيجارة يوم امس ، تشاغل بتقليب مجلة للازياء كانت موضوعة على الكرسي بجانبه ، لم يكن ينظر للمجلة، انحصر تركيزه على الفرع الذي ستخرج منه عجلتها ، يقلب اوراق المجلة من دون ان ينظر اليها، تركز عيناه الى مدخل الفرع ، ويداه مازالتا ترتعشان ، يشعر بدبيب خيالات مزعجة تحاصره من كل الجهات ، تذكر انها ، في الصباح شربت قهوتها بالحليب على عجل ، وتركت نصفها في الاناء ، وهذا ليس من عادتها ، فهي تحب ان تشفط قهوتها الصباحية الى الاخر ، وتحب أن تدخن سيجارتها نوع كنت وهي تنظر عبر الشرفة الى الحديقة المجاورة في الحي ، لاول مرة يراها تدخن في سيارتها ، لاول مرة يراها تخرج من دون ان تصدر اوامرها له بشراء الخضار دائما تحدده له مسبقا ، خرجت من الغرفة ترتدي البنطلون الحليبي ، طالما حذره من ارتداء هذا البنطلون الابيض الذي يكشف عن جمال ردفيها ، لكنها اليوم ارتدته غير مبالية بتحذيره ، ولم يعترض على ذلك ، لايريد أن يعكر مزاجه بتفصيل صغير مثل هذا . خرجت بعجلتها من الفرع ، واستدارت يمينا ، فلحقها ، أيقن انه قد عرف لعبتها ، لذلك اخذ الحذر في تتبعها ، تتميز سيارتها باللون القرمزي ، لون يختلف عن بقية الوان السيارات المطروحة في الشارع ، لا يصعب عليه ملاحقتها وتتبعها ، توقفت في الاشارة الحمراء ، احتسب المسافة بينه وبينها بحدود خمس سيارات صغيرة ، ربع دقيقة ثم اضاءة اللمبة الخضراء ، فانطلقت السيارات ، لم تتوقف اصابعه عن الارتعاش ، تذكر ليلة البارحة عبارتها الغامضة عن المصممة التي طردتها قبل اسبوع ، لمحّت له عنها وهي تستعد للجماع ، مازال يتذكر عبارتها " تخيل ما تشاء ، حتى لو كانت المصممة " ثم التهمته بجسدها ، وصلت الى مفترق طرق ، انحرفت الى اليسار ، هذا الشارع لايؤدي الى المعمل ، ازداد خفقان قلبه ، لعبته بدأت تتصاعد وتائرها ، لحق بالافلات من الاشارة الحمراء وانحرف بسيارته خلفها ، كانت هناك سيارات قليلة ، حاول ان يبطأ بسيره لئلا تكتشف ملاحقته لها ، انعطفت الى فرع اخر يتميز بوجود فندق الاكساتير الشهير ، توقف في بداية الفرع ، وتوارى عنها بالانشغال في البحث عن شيء ما في جوف المقعد بجانبه ، وعندما رفع رأسه ، وجدها قد دخلت الى الفندق ، ضرب المقود بقوة واطلق زفرة حارقة " الى اين ذاهبة يا مجنونة ؟ " اطفأ محرك السيارة وبقي مترددا ، هل يترجل حتى يفاجئها ، ام يستمر في المراقبة ؟ ركن الى الحل الثاني ، فلا يريد ان يفضحها او يفضح نفسه ، وتذكر ليلة الامس ، كانت تنظر اليه تلك النظرة الثاقبة ، وهي تجلس فوقه تؤدي رقصة الحياة الشيقة ، لم تنسجم نظرتها مع مشاعرها المتدفقة ، خشي الا تكون المصممة قد افرطت بفضح سرهما المشترك ، ولكن كيف يمكن لإي أمرأة في العالم ان تكشف سرها لغريمتها في الفراش ؟ الا اذا كانت عاهرة ! بقي ينتظر خروجها من الفندق مدة ساعة ، ولما خرجت ، صعدت سيارتها القرمزية ، وسارت بها ببطء شديد ، شغل محرك سيارته وسار خلفها ، يعرف هذا الطريق يؤدي الى كورنيش البحر فاذا انعجطفت على اليسار فانها ذاهبة الى المعمل ، واذا انعطفت الى اليمين ، فانها ستذهب باتجاه شقتهما ، ستغرب من قيادتها ببطء لعجلتها ، حتى انعطفت الى اليمين ، فأدرك انها ذاهبة المعمل ، تساءل ، هل يمكن ان يسكن المصمم الجديد هذا الفندق ؟ لماذا لم يصعد معها العجلة ؟ ساذهب فورا الى المعمل واسبقها ، عاد ادراجه الى الشارع الرئيسي الذي يوصله الى المعمل ، وقاد سيارته بسرعة ، ووصل خلال ربع ساعة قبلها فدخل المعمل ، حيا العاملين والعاملات ، نهضت السكرتيرة قبل أن يدخل مكتبه ، بعد دقائق دخل رجل في الستين من العمر الى غرفة السكرتيرة ، شعره رمادي ضعيف البنية ، شاهده يطفئ سيجارته عند نفاضة لدى السكرتيرة قبل دخوله عليه ، القى تحية الصباح وجلس على الكرسي قبل أن يسمح له بذلك " انا المصمم الجديد ، وددت التعرف عليك " كاد قلبه يخرج من صدره فرحا به ، فليس هو شابا وسيما مربوعا كما تخيل ، وظهر أن السجائر تأكل صدره بسعال حاد ما ان نطق جملته ، شرع الزوج الغيور يتفحصه واخذ يكتم ضحكات مزمجرة لسوء الظن ، غير أن ذهابها الى الفندق كتم عليه مرحه وسروره واشاع في نفسه القهر ، تحدث بغير تركيز مع المصمم وطلب منه الانصراف الى عمله ، في تلك الاثناء التي خرج بها المصمم دخلت زوجته ببنطلونها الحليبي الضيق على فخذيها وهي تبتسم ، جلست بجانبه من دون ان تتفوه بكلمة اغلقت الباب حتى لا تسمع السكرتيرة وقالت له " اكملت قهوتي بالحليب في مقهى الفندق الذي رأيتني ادخله .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى