محيي الدين إبراهيم إسماعيل - المونولوج ومحمود شكوكو

المنولوجست شخصية مسرحية خفيفة الظل بدأت مع بداية المسرح في مصر لتقديم فقرة انتقادية ساخرة غنائية بعيدا عن الطرب والاستعراض أقرب للطقطوقة ولكن بألحان تعتمد على الموسيقى السريعة الأقرب للأرتام الغربية بآلات نحاسية في الغالب.
وأول منولوجست في مصر والذي نال شهرة واسعة ويعتبر من رواد المنولوج هو الفنان سيد سليمان ولمن لا يعرفه هو الفنان الذي جسد شخصية الخادم في مسرحية إلا خمسة التي عرضها التليفزيون بطولة عادل خيري وماري منيب وعدلي كاسب، وأغلب المعلومات تشير إلى أنه المؤسس لفن المنولوج ومعلم كل من جاء بعده وأشهرهم محمود شكوكو واسماعيل يس، كما أول فنان مصري يستبدع له البوليس السياسي رقابة على أعماله عام 1927م بسبب انتقاده اللاذع للقصر والسراية ليعمم قلم الرقابة على جميع الأعمال الفنية بعد ذلك لدرجة انتشار ضابط وأربعة عساكر في كل مسرح بمصر.
وربما ما ساعد على انتشار المونولوج منذ بداياته أنه اقترب كثيراً من الحالة المزاجية للشعب المصري وهو الإيقاع السريع والموضوع الفكاهي، واعتماد الإذاعة في بدايتها على إذاعة المنولوجات لجذب أكبر عدد من المستمعين، ثم السينما التي قدمت المنولوجات في أفلامها كوجبة مهمة تنعش الحالة المزاجية عند المشاهد، وكذلك شهرة جميع المنولوجست الذين ظهروا على شاشتها شهرة واسعة خاصة منولوجست الجيل الثاني، ثم بقيام ثورة يوليو وجدت أن المونولوج والمنولوجست هما أقرب لوجدان المصريين فاهتمت بالمونولوج لتوصيل بعض رسائلها السياسية والوطنية للناس مما وضع المونولوجست في دور وطني مهم إلى جانب دوره الفني.
وبالحديث عن محمود شكوكو، نجد أنه واحد من أهم منولوجست الجيل الثاني بعد جيل سيد سليمان وحسن فائق وحسن ونعمات المليجي وغيرهم، وهو جيل كان يمثله بقوة مع محمود شكوكو كل من اسماعيل يس وثريا حلمي وسعاد مكاوي وعمر الجيزاوي وسعاد أحمد التي قامت بدور زوجة عبد الفتاح القصري في فيلم إبن حميدو، ورغم أن عشق محمود شكوكو للفن بدأ وهو في سن 8 سنوات حين حضر فرح لأحد الجيران وكانت تحي الفرح المطربة زينب المنصورية التي أعجب بغنائها جداً لدرجة أنه حفظ أغلب أغانيها إلا أنه بدأ في الاشتغال بالفن وهو في عمر 25 عاماً عام 1937م عندما تعرف في مقهى بالدرب الأحمر على مجموعة من فناني شارع محمد علي وحين توطدت علاقته بهم كان يذهب معهم في الأفراح والسهرات التي كانت تقام في منطقة الدرب الأحمر وما حولها ويقدم كل ما يحفظه من فن شعبي خفيف مع الاعتماد بشكل رئيسي على الأداء الحركي الكوميدي وفي أغلب الأحيان كان يقدم فنه مجاناً مما أكسبه شهره واسعة في القاهرة حتى جاء عام 1940م حين شاهده محمد فتحي الملقب بكروان الإذاعة في عيد ميلاد احد أصدقاؤه وهو يقدم فقرات كوميدية مغناة فطلب منه محمد فتحي أن يقدم فقرة في احتفالات شم النسيم التي يقيمها نادي الزمالك فوافق محمود شكوكو وبالفعل قدم فقرة في حفل شم النسيم وإذا بالجمهور بعد انتهائه من الفقرة يصفق تصفيق حاد ويصرخ ( عاوزين شكوكو – عاوزين شكوكو ) فخرج محمد فتحي للجمهور ووعدهم بأن يقدم شكوكو مرة أخرى بعد فقرة المطرب الذي جاء دوره وبالفعل بعد انتهاء المطرب من فقرته صرخ الجمهور مرة أخرى وكأنه يذكر محمد فتحي بوعده ( عاوزين شكوكو – عاوزين شكوكو ) فقدمه محمد فتحي للمرة الثانية وكانت تلك الحالة هي الحالة الأولى والأخيرة التي يخرج فيها مغني مرتين على المسرح، وكانت هذه الحفلة هي بوابة النجومية التي دخل منها محمود شكوكو عالم الفن وعرفته مصر كلها، مما دعا محمد فتحي أن يطلب منه غناء منولوج بالإذاعة فقدم شكوكو منولوج ( ورد عليك فل عليك ) التي كتبها له أحمد المسيري ولاقت نجاحاً منقطع النظير، لدرجة أنه عندما انتقل للسينما في بداياته الأولى بالسينما قدمها في فيلم أحب البلدي لحسين فوزي وبطولة أنور وجدي وتحية كاريوكا، ورجوعاً لشهرة منولوج ( ورد عليك فل عليك ) الذي قدمه شكوكو في الإذاعة، اتصل به على الكسار عام 1941م وطلب منه الانضمام لفرقته وتقديم فقراته الفكاهية على مسرحه بروض الفرج وتمثيل أدوار ثانوية معه في مسرحياته فوافق ثم كما يقول شكوكو نفسه ان الدائرة بدأت تتسع حتى جذبته السينما لفضائها الرحب وشهرتها الواسعة.
والمؤكد أن محمود شكوكو هو أول من استخدم المدرسة العبثية المسرحية في كتابة المونولوج العبثي الأشهر ( مرة تلاتة من حارة الطمبوكشي .. اتنين عمي وواحد مابيشوفشي .. قام اللي مابيشوفشي لقى تلاتة ريال اتنين براني وواحد مابيروحشي ) إلى آخر المونولوج الذي ينتهي نهاية شديدة الفكاهة بأن كل المونولوج الذي نسمعه الآن لم يحدث وهي نهاية في تقديري أراها شديدة العبث وشديدة عبقرية.
من أجمل وأجرأ قفشاته كانت حين ترشح لنيل جائزة الدولة التقديرية من الرئيس السادات حيث سهر ليالي يحفظ فيها كلمات الشكر للدولة وللرئيس وحين استقبله السادات على المسرح ليقدم له الجائزة ارتبك شكوكو ولم يستطع النطق بكلمة واحدة ثم استجمع قواه وقال للرئيس السادات ( معلش ياريس أصل لما بشوفك بيروح مني الكلام وأنساه ) فضحك السادات بشدة وضجت الصالة بالضحك.
رحم الله فنان استطاع أن يؤكد أن الفن أهم أضلاعه الموهبة والفطرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى