أيمن دراوشة - أشباح في الظلام قصة الرعب والتشويق للأطفال بقلم / أيمن دراوشة

كان هناك فتى اسمه مهند، محبوب جدا من قبل والديه، فهو ابنهم الوحيد، والذي يمكن الاعتماد عليه في كثير من الأمور كالشراء والمساعدة بقضاء حاجات البيت البسيطة...

وفي أحد الأيام ترك الوالدان ابنهما وحيدًا في المنزل، وذهبا في زيارة لأحد الأقرباء.

مهند من الفتيان الذين يمكن الاعتماد عليهم، لكن ما لم يكن بالحسبان تأخر الوالدان حتى حل الظلام، لم يقلق مهندٌ فقد اعتاد على ذلك، لهذا فلم ينتابه القلق لتأخر والديه، كما أنّه يستطيع استخدام الهاتف عند الضرورة.

سئم مهند من الطعام والشراب وتنظيف المنزل، وذهب إلى مشاهدة التلفاز بعد أن شعر بملل شديد.

فجأة حصل ما لم يكن بالحسبان، فقد قُطِعت الكهرباء عن الحي، فحلَّ ظلام كثيف، حينئذٍ شعر مهند بخوف كبير فهو صحيح قد اعتاد البقاء وحيدًا في المنزل، لكن انقطاع الكهرباء لم يحدث سوى بوجود أبويه.

قال مهند:

الظلام ... يووووووه هذا ما كان ينقصني، ثم بدأت عيناه تدور هنا وهناك ... حتى بدا كقطة مذعورة ترتجف خوفًا.

همس قائلًا بينه وبين نفسه:

لا أدري هل قَطِع التَّيَّارُ الكهربائيُّ عن بيتنا فقط؟ أمْ عنِ الحيِّ كلِّهِ؟

حتى احتاجَ الأمر منهُ إلى خُطواتٍ شجاعةٍ نحوَ النَّافذةِ التي أزاح ستارها فرأى خلفها سوادًا يمتدُّ لمسافات.

أحسِّ مهندٌ بأنَّ كارثةً قد حدثتْ، وهو الآن خائف على نحوٍ ما، فهو وحيدٌ في المنزل، ولم يبدُ الأمرُ مُسلِّيًا أبدًا.

مشى مهندٌ نحو المطبخِ بهدوء، ويداه تتحسَّسان الجدران، بينما قدماه تخطوانِ على الأرض برفقٍ مبالغٍ فيهِ، لم يكن مهندٌ خائفًا منَ اصطدامه بشيءٍ فيحطِّمَّه فيتأذى بذلك، وإنَّما تهيَّأَ له أنَّ شبحًا على الأقلِّ سيخرجُ له، وسيلاعبه كما يحلو له، كما أنّهَ لم يشغلْ نفسه بسؤال غبي زلزل قدميه، لِماذا لا تخرج الأشباح إلاَّ في الظَّلام؟!

الخوف يدفعه لمزيدٍ منَ السُّرعة، والمطبخ غارقٌ في عتمة الظلام، ولم يكن هناك سوى قرقعة الأواني كلَّما اصطدمتْ يده بإحداها.

قال بصوت يفوح منه الخوف والفزع:

يا الله! أين علبة الكبريت؟ إنَّني لا أرى الأشياء فـي النُّور، فكيف بالظَّلام؟

فكَّرَ أَنْ يُنادي جاره أبو مسعود من شبَّاك المطبخ، لكنَّه لم يفعلْ، فقد يسخرُ أبو مسعود منه أو يضحك عليه في سرِّهِ، وربَّما يضحك جَهْرًا حينما تعود الكهرباء ويعمُّ النور أرجاء المنزل...

همس مهند:

آهٍ الهاتف! لو أصل إليه في عالمه البعيد في غرفة النَّوم، لقلتُ لوالدي أن يعودوا، سأخترع أيَّة قصَّةٍ؛ كي يسرعوا، لكن ماتتِ الفكرة.

آه لا أظنُّني أتذكَّر رقماً واحدًا، من رقم أقاربي، وهل تراني أستطيع انتظارهم وسط هذا الظَّلام؟!

يدا مهند ما تزالان تعبثان في كلِّ مكانٍ، يُمسكُ أحيانًا أشياءَ لزِجَةٍ فلا يحاول التفكير في ماهيَّتِها.. آهٍ علبة الكبريت.. لقد وجدتها.. قالها بفرحٍ غامرٍ.

أشعلَ مهندٌ عودًا تلو الآخر باحثًا عن الشَّموع، حتى وجدها أخيرًا؛ ليشعلَ شمعة، ويسير بها بحذرٍ شديد نحو غرفة الجلوس، وضع مهندٌ الشمعة أمام شاشة التِّلفاز؛ كي يكسبً مزيدًا من الضَّوء، وجلس مُنهكًا، محاولًا الابتسام.

عندما تعود الكهرباء فجـأةً، سيضحك مهند من أعماقه، وسيعترف لنفسه بأنَّه خائف.. وسيعترف بأنه أكثر من خائف، لو أنَّ والديه هنا لضحكَ كثيرًا، ولبدا له الأمرَ طبيعيًا.. لكنِّه بمفرده، والظلام يجلب الخوف إذا لم يكن هناك رفيق.

قامَ مهندٌ من مكانه واقتربَ مــــنَ الشَّمعة، بعدما أصابته القشعريرة بسبب برودة الطقس ظنًّا منه أن يُحظَى بقليل من دفء نار تلك الشمعة الخافت.

كادتِ الشَّمعة تقع، إلَّا أنَّهُ ثبَّتها في مكانها في اللحظة التي نظر فيها إلــــى الحائط، كان ظلُّ يده على الحائط كبيراً جدًّا، وبدا كأنَّه صورةٌ لشبح غريبٍ ومخيف..

عفويًا بدأ مهندٌ – ولا يدري لماذا أراد ذلك؟ - بصنع حركاتٍ في يده ينظر لها كيف تتشكَّل على الجدران؟

أحيانًا تبدو غير مفهومةٍ، وأحيانًا أشجارٌ، غيومٌ، حيواناتٌ لكنَّها في أكثر الحالات تشبه الأشباحٍ الشريرة، هنا شعر مهندٌ بالرعب، وبدأت دقات قلبه تخفق بسرعة، لكنِّه بعد لحظاتٍ تشوَّقَ أنْ يمُدُّها ثانيةً، حرَّك إصبع الإبهام نحو الأمام، وخبَّأت بقية أصابعه، جعلها شبهَ منحنيةٍ، نظر إلى الحائط، وجعل يغير من حركـات أصابعه ببطءٍ، كان الظِّلُّ يرعبه، صورة كلبٍ يمدُّ له لسانه، كأنَّه خرج من وسط الحائط.

لم يعد مهندٌ قادرًا على المكوثِ، فالكلب ينبح في وجهه، وظلالٌ أخرى تضحك وتضحك.. خبَّأ يده.. الظِّلال تكبُر على الجدران، تريد الخروج.. تقترب منه.. بسرعةٍ تمتدُّ يده إلى الشمعة، نفخ عليها بقوَّةٍ لتنطفئ، فينطفئ معها الأشكال المرعبة على الحائط.

تسيَّد الظلام من جديد، الكلب يصمت، والظل يختفي، تنفَّسَ بعمقٍ، وجلسَ هادئًا في انتظار أَنْ يحدثَ شيءٌ!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى