د. رشا غانم - قيثارة البوح.. قراءة نقدية في المجموعة القصصية "لكنني أنثى" للكاتبة وداد معروف

عن دار النابغة صدرت المجموعة القصصية "لكنني أنثى"للأديبة وداد معروف . تحتوي المجموعة القصصية على سبع عشرةقصة منها: الجدة وسيلة قارورة العسل، خالتي فريدة ،مساؤك النسرين،رماد العمر وغيرها بالإضافة إلى سبع ومضات قصصية
النص السردي حكاية وخطاب في الآن ذاته. إنه حكاية بإثارته لواقع ولمجموعة من الأفعال الواقعية أو المتخيلة، وهو أيضا خطاب يتوفر على سارد يسرد الحكاية وفي مواجهته قارئ يتلقاها،ولذا نجد الكاتبة ممسكة بخيوط بنائها السردي الدرامي طبقًا لمعرفتها الشعورية ، والثقافية التي تملكها فنلمح ذاتية في الحكي ،دعني استعير لكم مقولة جورج طرابيشي" عندما قال: العالم هو محور اهتمام الرجل، أما المرأة فمحور اهتمامها الذات"
فنلمح المجموعة القصصية "لكنني أنثى" مؤثرة ما يختلج في النفس وتأبى أن تتركه فتغوص في أعماق الذات وتستبطن مكنوناتها والمسكوت عنه لتظهره كما وجدنا في القصة التي عنونت بها المجموعة "لكنني أنثى"وغيرها من قصص المجموعة.تقول في "لكنني أنثى"ص60"لكنني أنا الأنثى التي لو ظلت مائة عام لن تجرؤ على طلب يد الرجل أبدا،وإن حدث فستهزمني الأعراف لا محالة،هذا إذا كنت فتاة عادية،فكيف وأنا بمثل هذه الدمامة،وملامحي التي لا علاقة لها بالأنوثة،الأنوثة...آه...كل كياني ممتلئ بخصائصها وضعفها واحتياجها. تمنيت أن الله حينما خلقني هكذا نزع مني هذا الضعف والاحتياج حتى لا أعيش البؤس مرتين" وترك الفراغات تجعلنا دوما في حالة دهشة مستمرة لكل أساليب القهر التي تعاني منها الأنثى.
تمتاذ المجموعة القصصية بالسرد السلس حيث ينثال السرد بطريقة تقوم على التداعى الحر للمعانى فى ذهن الشخصية الرئيسية وهذا ما قدمته فرجينيا وولف في كتابها القارئ العادي وأطلقت عليه"تيار الوعي".
يبدو من مظاهر تيار الوعى فى هذه المجموعة القصصية كثرة المونولوج الداخلى بصورة لافتة. حيث لعب دورا هو الآخر فى عملية التبطئ الزمنى للحدث المحورى. ونهض بالغوص داخل الشخصية.
وقد وضح في بعض قصص المجموعة ما يدور في ذهن الشخصية ، فنجده يشارك القارئ في الاحداث ويجعله يتوقع الاحداث القادمة يساعد على عنصر التشويق كما يعكس عدم استقرار نفسي يساعد على التسلسل القصصي في قصة"صاحب الصورة ص48 تقول"تأملت ملامحه لأول مرة رجل شارف عمره على الستين ...لا أعرف كم من الوقت ظللت أتاأمل صورته وأبكي"
نحن في تلك المجموعة القصصية أمام عالم مسكون بالتنوع والتجاور والنظر المختلف للواقع والأشياء، وهو العالم الذي ينحاز إلى تداعي المعاني، والانتقالات الذكية وآثرت الكاتبة في بعض قصص المجموعة الاختباء خلف ضمير الغائب للمواربة والمباعدة، حيث يخفي ضمير الغائب أكثر ما يظهر، وتتوفّر في استخدامه درجة من مجانبة التصريح، ويتعثّر البوح به لأنه يقارب موضوعه من الخارج، فيما يفترض البوح ضميرا ملازما للذات في بوحها،
في قصة "رامة "ص 90تطرقت إلى العلاقة المعقدة بين المذهب الشيعي والمذهب السني متمثلةبين رامة صاحبة المذهب السني وحسين كاظم الشيعي وكيف يكون اختلاف المذاهب سببا لفراق الحبيبين ""انقبضت وتلون وجهها الأبيض الجميل واختلط لونه الأبيض الصافي بكدرة قرأها حسين ولكنه صمت لسمعها،أسندت ظهرها وقالت:ربما هذه المرة الأولى التي أجلس فيها مع الآخر"
من قصة الجدة وسيلة ص9" أجمل الساعات هي التي يقضيها وهو يتأمل تحليقه في السماء ينسى معهم نفسه حتى يأتيه صوت جدته صارخا"
الكاتبة هنا هي السارد الرئيس المهيمن على السرد الذي يتلاعب بتلابيب الحكي من خلال شخصية"رضا"الذي يراقب ويفسر ويعلل حيث يجعلنا في حالة دهشة مستمرة في حديثه عن جدته وسيلة المسيطرة صاحبة الأمر والنهي على البيت كله بما فيه، مرتكزة على الحبكة القصصية بكل آليتها من الوقائع والأحداث والمصادفات.
ثمة حالة من الحزن الموجع تسيطر على قصة الغرفة الخرساء ص من خلال شخصية ريم الزوجة البائسة التعيسة 24"الذي دفعني للبوح هو أني اقتربت من حافة الاكتئاب،فزعت نسرين وقالت اكتئاب نعم يا نسرين...عندما يتحول الزوجين إلى أخوين وهما ما زالا في فورة العمر""وتقول أيضا في نفس القصة"وقد اتسعت بداخلها مساحات الخوف من المجهول قالت نسرين وهي في الحالتين ستكونين تعيسة فلتكن تعاستك وأبناؤك معك أفضل من تعاستك وأنت بدونهم"هذا النص المسكون يصبح فيه الحنين إلى الماضي هاجسًا لروح قلقة ومحفزاً لها في آن، وليس محض ذكرى عابرة، بل باعث متجدد على الألم، والغربة والتساؤل.
احتلت قصص النساء الحيز الأكبر من شخصيات المجموعة تجلي بصورة واضحة بعض أصناف النساء والعلاقات المعقدة بين الرجال والنساء سواء من الزوجة المادية جافة المشاعر المتمثلة في شخصية إيناس في قصة صقيع الحب تلك المرأة التي أرسل إليها زوجها تذاكر الطيران يستدعيها لتقيم معه في الأمارات وتؤنس وحدته فما كان منها إلا أنها اشترطت ص 35 "أن يعطيها راتب الشهور الثلاثة التي ستقضيها معه وقيمة المكافأة التي ستحرم منها بسبب زيارتها له"
أو الضحية التي تخدع باسم الحب ممثلة في شخصية"نوران في قصة"مساؤك النسرين ص 77" التي طعنت بخيانة زير نساء لها وهو إيهاب نديم الذي يمثل عليها الحب برسائله الولهة وهي نفس الرسائل التي يرسلها لصاحبتها" تقول:لو لم أعرف عنه تلك المعلومات ربما كنت تولهت في حبه فهو كما تعلمين –وسيم وجذاب وقد قرأت كلماته لي واطلعت على سحر بيانه لكن أخرى أرتني مثلما أريتك الليلة ما جعلني ألقنه درس عمره حتى فر من أمامي هاربا"
كما نرى الموازة بين الحالة النفسية للشخوص بما يؤذن بمزاج نفسي متقلب، ينبش دائما في الذاكرة/ الماضي، وكأنّ لدى شخوص القصة إصراراً متجدداً على استعادة ما كان في قصة "وصية"ص94"أعرف أن أمه تذلني به لما علمت أن زوجتي الثانية لا تنجب...تريد أن تكسرني تفننت في تحطيمي وأنا معها والآن تكمل على بقية الحطام"
تغيرت البنية المكانية في قصص المجموعة وشغلت أماكن متعددة ولكن معظم هذه الأماكن تنتمى لليابس وليس للماء أو الفضاء،
وبدا المكان المغلق متمثلا فى الشقة وبدا مكتب العمل حيزا مكانيا لمشاهد مختلفة فيها مما أعطى حركية واضحة وانثيالا مكانيا توازى مع الانثيالات السردية ،والسير بالرحلة السردية إلى داخل الذات ودهاليزها الغامضة من قصة"قارورة العسلص98"متمثلة في شخصية إلهام شعلان الأرملة تلك المرأة اللعوب ذات الخمسين من عمرها لها وجه أبيض مشرب بحمرة ولكنها تتعمد أن تتهادى في مشيتها لخطواتها كسل أنثوي لافت كما تصفها بسنت التي تفاجأت بها بعد أن نسيت أغراض منزلية في المكتب بوجودها في المكتب مع نقاش يطوقها بذراعه.
ومن خلال ما سبق نجد أن المجموعة القصصية تغوص فيها الكاتبة عبر نزوع إنساني آسر.
وإلى ما يذهب إليه بول ريكور في أن "الخيال لا يكتمل إلا بالحياة، والحياة لا تُفهم إلا من خلال القصص التي نرويها عنها" من هنا وجدنا كاتبةً؛ تمنحنا سردا نابضا بالحياة.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى