عبد الواحد السّويّح - أَكْتُبُ لِلشَّجَرَة.. ديوان كامل

خمسةَ عشرَ عامًا
كنتُ أتكلّمُ مع الجدارِ
والآنَ جررتُ الجدارَ هنَا
خارجَ جحيمي
حتّى يتمكّنَ منْ أنْ يخبرَكمْ جميعاً.
فلاديمير هولان


***


بَيَان
هاَ قدْ فتحْناَ أعينَنَا نحْنُ فراخُ الشِّعرِ نؤمنُ بهِ أحدًا ولاَ نُكفّرُ الزّائغينَ
لأنَّ عودتَهمْ إليْنَا حتميَّةٌ
فتحْنَا أعينَنَا ولنْ ننظرَ هناكَ ولاَ هُنَا
قِبلتُنَا حيثُ بدأنَا فراشةَ أنْ نثرْنَا اللّغةَ واخترْنَا اللّعبَ بالنّار
نحْنُ جميلونَ وخفقاتُ مخلوقاتِنَا الملوّنةُ لا تصمتُ أبدًا
كمْ نثرْنَا منْهاَ وكمْ علّمْنَاهاَ أغانِيَ الحُجُبِ ورجَعَ التّرابِ
نحْنُ نرقصُ أيضًا علىَ التّرابِ
التّرابِ الّذي لا يتباهَى بالجذورِ لذلكَ يخْفيهَا ويقدّمُ مواليدَهُ للعصافيرِ حتّى تغنّيَ
المجدُ للتّرابِ إذن
نحْنُ نحزنُ وحزنُنَا يربكُ الشّمسَ (الّتي لَهم)
مَنْ يدرِي قدْ تصبحُ لَهمْ أعينٌ كَمثلِ الّتي في أقدامِنَا
نحْنُ شعراء "حركةِ نصّ" نطالبُ بِأنْ تقسُوا عليْنَا
ليسَ ثمّةَ أصعبُ مِنْ أنْ يشفقَ عليْنَا أحدٌ
فهذا يعني أنّنا واهونَ وأنّ نصّنَا كنصوصِهمْ يجهلُ القراءةَ والكتابةَ بِشتّى الألسنِ
الكونُ مجموعةُ أوراقٍ أجملُهَا الّتي تستيقظ عليْهَا فراشةٌ
نحْنُ سعداءٌ كمْ لَديْنَا مِنْ أشجارٍ وكَمْ يتّسِعُ نصُّنَا للفراشاتِ
جميعُنَا يحبُّ من ينثرُ الدّيدانَ لنا خلفَ الشّبكةِ
إنّهم لا يعلمونَ كَمْ نحبُّ الشّبكةَ
كَمْ تكرهُنَا الشّبكةُ
تدّعي شمسُهمْ أنّها سيّدةُ الضّوءِ ولكنّنا نراها قفصًا لِأغانٍ سوداءَ لا نحزنُ لِسماعِهَا في حضرةِ اللّيلِ
(ليلُنَا لا يعترفُ بالمفاتيحِ لِأنّهُ يكرهُ الأبوابَ)
يتحرّكونَ داخلَ فضاءِ المجازِ ونحنُ شعراءُ "حركةِ نصٍّ" نخلّصُ رقصَنَا مِنَ المجازِ لأنَّ المجازَ عنصرٌ صغيرٌ مِنْ عناصرِ كونِنَا الشّعريِّ بدأْنَا نتفطّنُ إلى أنّنا دَلَّلْنَاهُ كثيرًا
الإيقاعُ الّذي توارثناهُ طفلُ الشّعرِ الأحمقُ لِذَا آنَ الأوانُ أنْ نعلّمَ ذلكَ الطّفلَ صوتَ الفراشةِ وآهةَ العصفورِ وصراخَ الصّمتِ
آنَ الأوانُ أنْ يفهمَ أنَّ الإيقاعَ لا حدَّ لَهُ ولا ضوابطَ يمكنُ أنْ تُحاصَرَ أنغامَهُ فالشّاعرُ في حركةِ نصٍّ مطالبٌ بِمعرفةِ كلِّ اللّغاتِ ومطالبٌ بنثرِ أصواتِ جميعِ الكائنات
لا نخشَى الموتَ، لا نخشَى الاحتراقَ مادُمنَا نُجيدُ الرّقصَ في زمنِ السّلاسلِ والحقدِ
نحنُ الّذينَ أشرفنَا على مجيءِ العالَمِ ونقبلُ بكلِّ فرحٍ أنْ نكونَ في خدمةِ أمراضِ الشّعرِ العربيِّ: الشّكل والمضمون ، الطّبع والصّنعة ، الأغراض ، الوزن ، المجاز... إلخ
جديدُ
وليدُ
مريدُ
مديدُ
بعيدُ
بليدُ
Et après ?
ألمٌ
دهشةٌ
جنونٌ
وجعٌ
انزياحٌ
توقٌ
Quelle poésie ?
(نَمْ نَمْ لكلِّ شاعرٍ من هؤلاءِ)
النّومُ لهمْ ولثقافتِهمْ
قالَ أحدُهم "متواضعًا" كلّ ما كتبتُهُ لا يساوي شطرَ بيتٍ قالهُ المتنبّي "على قلق كأنّ الرّيح تحتي" ويلتذُّ القرّاء (جميعهمْ أغبياء ولا أستثني أحدَا) بهذا التّواضعِ أمّا الشّعرُ الحقيقيُّ فيبتسمُ خفيةً ويحمدُ اللّهَ أنّهُ:
Dehors
شَجَرَة بَيْتنَا اَلْقَديم
الكَلْب
السّلسلةُ الّتي كانَ كلبُنَا فوكس مربوطًا بها في شجرةِ بيتنا القديم
أكلَهَا الصّديدُ
مرّتْ سنواتٌ وهْيَ علىَ حالِهَا
لا أذكُرُ كيفَ تخلّصَ منها فوكس
ولكنَّهَا ظلّتْ عالقةً بالشّجرةِ الوحيدةِ بطريقةٍ عجيبةٍ
لا أحد بإمكانِهِ تجاهل غيابِ منْ يُفترضُ أنْ يكونَ مقيَّدًا في السّلسلةِ
هلْ كانَ كلبًا؟
هلْ كانَ كبشًا؟
هلْ كانَ حمارًا؟
كلُّ منْ يزورنَا كانَ يطرحُ الأسئلةَ
تذكّرتُ ذلكَ وأنا أحاول جذبَ عظْمٍ رُمِيَ لي
وتمنعُني عنْ جذبِهِ السّلسلة

ريح

أصوات الرّيح تأتي من دهشة عالقة في قعر كأس
لربّما هو اللّه الكامن في الشّجرة
خلف الأعين البلهاء
لربّما هو أنتَ القابع في الظّلّ تسبح في قعر الكأس
ثمّة مرآة تفصل بين فراشتين
جدار عاكس يكرّر الوردة
كيف يمكن لمن توضّأ بالشّمس أن يصلّي العتمةَ؟
كيف نُشعل الشّجرة؟
الرّيح كتلميذة نزل الدّم منها أوّل مرّة
كتلميذة تمارس الألوان
ترسم حدائقا معلّقةً فوق الشّتاء
لربّما كانت تنتظر مطرَ الصّيف
لتنظر يوما من ثقب نافذة مغلقة
بين اللّحظة واللّحظة قد يسقط طائر من أعلى الشّجرة
كمطر لقيط
لا يمتّ للوردة بصلة
هذا المطر العاثر
المطر الهارب من الصّيادين
المطر الطّائر
كيف يمكن لمن لا يرى أن يغنّي؟
كيف تتكسّر المرآة ولا يتشظّى المشهد؟
تلك الرّيشة تبحث عن لونِ ريح لا يصلّي
والتّلميذة تلملم بتلات وردة حمراء تناثرت على فراشها
ذات ريح...

ثَائر

جارُنَا في السّبعينَ منْ عُمرِهِ حينَ سكبَ الزّيتَ الحارقَ على جسدِ زوجتِهِ لأنّها لا تنامُ معهُ
في السّبعين حين استولَى بعدَ الثّورةِ على جزءٍ من الشّارعِ وضمّهُ إلى بيتِهِ
كلّمَا مررْتُ أمامَ بيتِهِ تذكّرْتُهُ
هوَ الآنَ ميّتٌ
لقدْ تركَ فراغاً عميقًا في هذا الشّارعِ المزدحمِ بالثّوار
هذا اللّعين
يتبعني ويتبع ظلّي
يأكل ويشرب معي
يحتلّ فراشي دون استحمام أيضا
وحتّى دون خلع الحذاء
رائحة أنفاسه الحارة
أنينه كلّما أصيب بنزلة برد
رائحة البحر في جسده
قطرات البول الباقية تحت بنطاله
أغاني ما بعد منتصف اللّيل
طلباته المريبة كلّما حلّق عانته
عاداته السّرّية
أعقاب السّجائر المتناثرة حوله
مضاجعاته المؤلمة لي على الدّوام
إنّي أزور الطّبيب بسببه يوميّا
هذا اللّعين جسدي

عودة

أشجار المدرسة
حين خلعوا ثيابَها
حين عادوا بأصواتهم يخلعون بها أعوادَها
حين امتدّت الأيادي إلى النّطفة
نبع المطر
وارتبكت السّماء

عيون

كلّ العيون الّتي تنظر في اللّوح
العيون الّتي تقرأ أسمال سنوات تجرّب السّقوط تجريبا
مرّة أخذتها السّجائر إلى منتصف سمكة
ومرّة عادت بها إلى حلم مغسول بالتّراب
العيون الّتي يراها التّراب
العيون الميتة تقريبا
تشاهد التّفّاح
تأكل التّفّاح
لكنّها لا تدرك عطش التّفّاح

قلب-عين

القلب: دم أسود كالعطش يعوي
العين: كالعطش يعوي
القلب: هدهدة الرّيح أنفاسَ نسناس لحظةَ الشّبق
العين: لحظة الشّبق
القلب: الرّماد اليتيم ومستنقع الطّين ماكياجي
العين: الطّين ماكياجي
القلب: كيف سأطارد أوراق المشمش وريشي وهبته للخريف
العين: وهبته للخريف
القلب: أحتاج إلى قلق لأشتري قصرا وقلادة
العين: قصرا وقلادة
(ماذا لو صافح القلقُ دمكَ ورقصَ طينُكِ؟
وماذا لو دخل الخريف القفصَ؟
ثمّ ماذا لو عاد ربُّ الرّماد إليكِ متّجها إليكَ؟)

العين

على ريشة تأبى إلاّ أن تسقط في نهر
القلب
يفضي بأنشودة جميلة إلى سمكة
ما
قد أقرأ من ظفرها أغنية أخيرة لبرتقالة
قد أقرأ دهشة الصّمت من صمته
قد أقرأ ما بعد النّار بلساني
قد أقرأ كلمة أثناء نزهة الهواء السّاخن داخل رأسها
قد أقرأ ضحكة متروكة على وسادة ثملة
قد أقرأ ارتطامات زهرة لقيطة على بلاطٍ أخضرَ
قد أقرأ كيف تحيا من صراخ البرتقال
قد أقرأ كيف يشتعل ما أرى
كيف يشكّ الرّماد بما أرى
قد أقرأ صورة فوتوغرافية لوردة البرتقال

قصّة قصيرة

كنتُ أحد الأربعة في علبة سجائرها
وكنتُ كالثّلاثة أنتظر دوري
أشعلتْ الأولى مع قهوتها الصّباحيّة
وأشعلتْ الثّانيةَ بعد الغداء
وأشعلتْ الثّالثةَ إثر العشاء
كنتُ ملهوفا على أن تأخذَني بشفتيها وترسلني في نزهة داخل رأسها
لم أنم ليلتها
كنتُ موضوعا على "التّابلْ دو نْوِي" المحاذية لسريرها أتألّمُ لغنجها وآهاتها المجنونة
كم وددتُ أن أكون نكهة في رأسها
حين خفتت الأصوات سمعتُها تسأل حبيبها
- سيجارة؟
أخذني ليقتل أنفاسي ويتمّ نكهته وقصّتي القصيرة

أجنحة

كانت أمّي تقسّم الدّجاجة على النّحو التّالي:
الصّدر لأبي
الفخذان لأخويّ الكبيرين...
أمّا نصيبي فقد كان أحد الجناحين
كم كنتُ أتمنّى أن أكون كبيرا لأحظى بفخذ على الأقلّ
حين أصبحتُ أبًا تحوّل نصيبي من جناح إلى جناحين
فعائلتي تكره الأجنحةَ
تكرهُني

كرة

كرة القماش التي كنت ألعب بها صغيرا
وأنام عليها خوفا من أختي السّارقة
بحثتُ عنها اليوم
سألتُ أولادي واحدا واحدا
حدّثتهم عن دهشتها
عن أنينها الخافت تحت الوسادة
عن رائحة التّراب والعشب المنبعثين منها
عن حبّها للحلوى التي كانت دوما معي
ابتسم اولادي جميعهم
ولم يشعروا لحظة انهم فقدوا كنزا كبيرا
كان يمكن ان يرثوه

مَوْت

ماتت الشّجرة الوحيدة الّتي هي روحي
وسقط الطّائر فجأة إثر طلقة مباغتة
نزفتُ كثيرا قبل الوداع
كم أدهشني بكاؤها المسرحيّ
الآن في القبر وصلتني عروض عديدة
قد أتحوّل إلى كلب لأعضّها
وقد أتحوّل إلى شجرة صبّار لا تكترث بالمطر
وقد أتحوّل إلى لعنة تلاحقها صباحَ مساء

تمثال الكلب

كان لي تمثال كلب ينام معي على فراشي
كنتُ على يقين أنّه يدفع عنّي الأرواحَ الشّريرةَ الّتي تخرّفني عنها أمّي كلّ ليلة
في يوم ما تحوّل التّمثال إلى حقيقة وأصبح لي "دوبرمانْ" مخيف
كان يأكل باستمرار وكنتُ ألبّي طلباتِهِ
حين غبتُ عنه يوما أكل شجرتي الوحيدةَ
وحين غبتُ عنه يومين أكل كتبي وأوراقي
وحين غبت عنه أسبوعا أكل أطفالي
إنّي أتشرّد الآن في الشّوارع فقد عدت البارحة فقط من طفولتي ولم أجد منزلي

طفل

أمارس اللّعب يوميّا
أشتري أحيانا قطعة "جارفي" وعلبة "شوكولا"
أهتمّ بالحكايات وأغرق في القصص القصيرة
أفرح بملابسِ العيد الجديدة
أتبوّل على سور الملعب
أقبّل الخبز قبل رميه
أنظر إلى الشّمس كلّما فقدتُ ضرسا وأطلبُ منها ضرسَ غزالٍ
أتّكئ على فراشي كل ليلة وأحلم بـ"شاكيرا"
بعد كلّ هذه السّنوات اكتشفتُ أنّني مازلت طفلا
ولدي الصّغير
ينام حزينا داخل البنطلون
كسمكة تلفظ آهاتِها الأخيرةَ
كطائر عشّش مرّاتِه المحتملةَ
كطفل تحطّمت لعبتُه
كخريف يرمق ثورة الأوراق
ولا يتحوّل إلى ربيع

اعْتذَار

ليس لي وجهة محدّدة هذا اليوم
جسدي يقرّر الدّخول في إضراب عامّ
قدماي جامدتان
يداي مكتوفتان
رأسي ثابتة
عيناي خارج الوردة
حتّى المعارض الوحيد في جسدي بدا نائما اليوم
أعتذر أيّتها الثّلجات
أعتذر

اَلْعَمْيَاء

كيف أشتري عينين لنظّارتها؟
كيف أشتري لها عقلا ترى به ما لا يُرى؟
كيف أترجم لها لغةَ العشب وأنينَ التّراب؟
كيف أقنعها بضرورة أن تصلّي لي ركعتين كلّ مساء؟
كيف أنقذها من جهنّم؟
تصطدم بأواني الزّهر وتقول إنّها ترى
تمنع الطّيور من التّحليق على الشّجرة وتقول إنّها ترى
تأكل لحم العصافير وتقول إنّها لا ترى
تمنع الأطفال من اللّعب وتقول إنّها ترى
تدوس الخبز بقدميها وتقول إنّها ترى
تقيم الصّلواتِ الخمسَ ولا تصلّي لي ركعتين

رحيل

سأرحل قريبا ولن يبكي عليَّ أحدٌ
باستثناء وردة خلّصتُها من براثن مقصّ
باستثناء طائرٍ نثرتُ له أغنيةً ونصبتُ له السّماء
باستثناء شجرة بيتي الّتي باعدتُ عنها الحديد
باستثناء أبي الّذي هو في القبر
سنبكي معا يا أبي

عَمى

عاد المساء كما عاد الرّيح
بلا أجنحة
بلا صوت
إلاّ المخالب والمناقير
عادت إلى رأسي الخاليةِ من وسادة
الطّيورُ الخائنةُ
ذات الأعشاش المريبة
الطّيور الخالية تماما من الأغصان
من حبّات المطر الباقية
من صوت كان يعيش في صوتي
وكان ينام حول نومي
ماذا تنتظر أشجار الزّيتون
الماء؟
- موجود
الشّمس؟
- كعادتها تقاوم
تقاوم ماذا؟
لا شيء أحمق ممّا يُرى
لا شيء يرى

سَفَر

طويتُ جسدي بعناية لا مثيل لها
السّاقان في الأسفل
وعليهما نصفي الأعلى
وفوق الكلّ الرّأس
لم يتبقّ في حقيبة السّفر إلاّ فراغ صغير
يتّسع إمّا للذّاكرة أو للنّسيان

ثَوْرَة

سلّمني الرّيح شجرة لا تشبه الشّجرة
سلّمني مشاتل ورد في غلاف مفتوح
سلّمني خيمة مغسولة بالبترول
وانتظر الرّبيع
2
سلّمني الرّيح نفس الشّمس الّتي نراها
سلّمني نفس الشّواطىء الّتي نستحمّ فيها
سلّمني عاهرة فقيرة
وانتظر الشّتاء
3
سلّمني الرّيح اسمي
سلّمني الرّقم الصّحيح لبطاقة الهويّة
سلّمني شهادة في الجنسية
وانتظر الصّيف
4
سلّمني الرّيح بيانات عن سوق الشّغل
سلّمني قروضا متنوّعة
سلّمني أرقاما حول الحبّ
وانتظر الخريف
5
سلّمني الرّيحُ الصّيفَ
سلّمني الخريفَ
سلّمني الشّتاءَ
سلّمني الرّبيعَ
ثمّ أخذني
اَلرّيح
الرّيح الّتي تهاجم زورقا يتّجه إلى ضفّة أخرى
الرّيح الّتي تقطع مكالمةً هاتفيّة بين عصفور وشجرة
الرّيح الّتي تحرمنا من معرفة
هل التقى العصفور على الزّورق بالشّجرة
الرّيح الّتي لا تستطيع التّراجع دون إذْن
الرّيح الّتي تصرّ على مداعبة الشّجرة
الرّيح الّتي لا تعرف
أنّها من أنجب العصفور وأخذتْه الشّجرة
اغتيال
لم يكن بيدي عكّاز لأتوكّأ على دهشتي
المنحدرات فيها كجسد "شارون ستون"
كغواية سمكة لصيّاد في سنته الأولى
كزئبق له عقل
قدماي الصّلبتان تمرّدتا على نصفي الأعلى
يداي مثل أب غاضب
لا أحد في هذا اللّيل
الفيلْمُ الّذي يرمقُني كنتُ من المتيّمين ببطلته "شارون ستون"
جسدي يتناثر على الأرض شظيّة شظيّة
أهذا الاغتيال؟
لا أثر للدّماء
لا أثر لعدوّ
قبل موتي بقليل
شاهدتُ قدميَّ تدوسان عينيَّ المفتوحتين بكلّ حقد
نَدَم
أعتذر لكلّ يوم مرّ من حياتي لم يكن لي فيه معنى
أعتذر لسنوات عمري الّتي لم أغسلها بالتّفاح
أعتذر لجسدي الّذي عوّدته على الدّفلى
أعتذر للحياة الّتي لم أكن أعرف أنّها حياتي
أخشى ألّا أكون متأخّرا أيّها القارب
الطّائر
مازلتُ شابّا رغما عنك أيّتها السّنوات
سَلِي النّساء العاشقات
سلي نصوصي الخضراء
سلي تشرّدي أثناء اللّيل
سلي طفولة عينيّ
سلي حبّي الحلوى والحكايات العجيبة
سلي قلبي الّذي عشّش فيه طائر
طائر لا تخيفه الأعاصير ولا العواصف
مادام يعبد الشّجرة
موْتي
لماذا داهمتني قبل بكاء اللّيل
لماذا أخذت عينيّ ورمتهما في قاع اللّيل
لماذا وأنا خائف تختفي خلف ستائر اللّيل
السّمكة الّتي يلفظها وجهي لا تموت
أشعر أنّني في صندوق على كتف السّمكة
تحملني إلى مملكة الدّود
أمّا التّفّاحة...
لماذا اسودّتِ الوردةُ حين بلّلتُ ثراها
لماذا هجتني وقد زرعتُها بالغناء الأخضر
لماذا وأنا أغرق لا أشعر بالبرد
البحر لا يتّسع للسّمكة
السّمكة الّتي تحملني إلى مملكة الدّود
أمّا التّفّاحة...
لماذا تستيقظ الأظفار في دمي
لماذا يشرب الماء دمي
لماذا يتوضّأ اللّيل ببكارتي
ويقول الصّباح إنّي أصفر أصفر كاللّغة
أمّا التّفّاحة...
لماذا تعيش القطط في حلقي
لماذا احتلّ الطّين أنفي
لماذا أحبّتني الكلاب أخيرا
اللّيل الّذي دافع عن الوردة
انتظر لغتي
وأرسل ثلاث سمكات
أمّا التّفّاحة...
دنْيَا
كانت دنيا رفيقتي
وكنّا نلعب باستمرار لعبة العريس والعروسة
حين كبرنا سألتُ دنيا عن لعبتنا القديمة
ذكّرتُها بابتسامة الورود حولنا
بآهات الفراشات
بشجاعة الحلازين أمامنا
مطّتْ دنيا شفتيْها
وانسلّتْ تهرول مثل زوجة وفيّة
اسْتمْنَاء
كانت لعبة الاستمناء تستهويني
وكنت فيها سيّد أترابي
أفعلها خمس مرّات يوميّا
حين صار بإمكاني التّخلي عنها
تساقط الأبناء حولي ابنا ابنا
فصرت أفقرَ أترابي
أَحْلَام
حلمتُ وأنا صغير بمصباح علاء الدّين السّحريّ
لأستولي على كلّ حلوى ولعب العالم
وحلمتُ وأنا مراهق أن أتزوج سبعَ نساء
أدخل كلّ ليلة على واحدة
حلُمتُ وأنا شابّ أن أتحوّل إلى رجل خفيّ
لأقتل كلّ الحكّام العرب
الآن لم أعد أحلم بشيء
لقد أكلتُ الحلوى وتزوّجتُ النّساء وشهدتُ موتكم
حلم واحد بقي يراودني
أن أعيش بسلام
حَقيقَة
نمتْ حَذْوَ رأسي شجرة عالية
تأخذ عينيَّ بعيدا
كلّما قطعتُ منها غصنا بحثا عن ثمرة
تسقط سنة من فمي
عندما قطعتُ الغصن الأخير
تناثرت الثّمار على الأرض
حَديث الطَّائر
لن أبتعد كثيرا هذا اليومَ
فراخي تعلّمتِ الطّيرانَ
وزوجتي أدّتْ دورها بإتقان وطارت مثلهم وكأنّها لا تعرفني
كأنّي لم أحمل قشة واحدة بمنقاري
كأنّي لم أزقّ فرخا من فراخها
كأنّي حطب اللّيل في شتاء بارد
حطّ طائر مثلي على نفس الشّجرة
قال إنّه يحتمي من العاصفة
في هذا الجوّ المشمس
حَيَاة
كنتُ أنام في حضن أمّي
وكانت تمضغ لي الفول كلّما جعتُ
وتوقظني ليلا حتّى لا أتبوّل في الفراش
الآن ينام ياسين في حضني
وأحتفظ له بمفاجأة كلّما جاع
أمّي الآن وحيدة في بيتها
وسأكون وحيدا يوما مثلها
برقيات
1
لا أخشى عذاب القبر
ولا أكترث بفزّاعاتكم الصّفراء
ثمّة حكاية جميلة تنتظرني هذا المساء
أيّها الموتى
2
أعرف أنّكَ تحبّني
لكنّي مرتبط بالمعنى
أيّها الموت
3
سأحلم اللّيلة بالبحر
لعلّي أموت غريقا
فراشات المقابر ضجّتْ من نفاقكم
4
مرحبا أيّها العام الجديد
مازال عندي ما يُسرق
أيّها اللّصّ
إعْلاَن ضَيَاع
أقف على مفترق طريق
لا أحد معي
لا اسم في ذاكرتي
أوراقي الّتي أفنيتُ عمري في كتابتها هبّتْ عليها عاصفة فجأةً
كلّ القصص الّتي عشتها تغادرني دون شفقة
بعض المارّين لم ينتبهوا إليّ
أبدو مثل قطعة ثياب قديمة ممزّقة على هذا الطّريق
كلّ العصافير الّتي دافعتُ عن أجنحتها تختار السّماء
كلّ الأشجار الّتي حاربتُ الحديدَ من أجلها تختار التّراب
وأنا في مفترق الطّريق دون قدمين
لؤْم
أزرعُ في حديقتها بدلَ الزهرة ثلاثا
لأجني الشّوك وراء الشّوك
حين اكتفيتُ بزهرة واحدة
قالت إنّي خريف
وانهالت عليّ بآلاف الأشواك
فخّ
كنتُ على وشك التقاطها
توهّجها منارتي وأنا نازل من السّماء
كانت منثورة على الأرض
ما إن حططتُ بجناحيّ عليها
حتّى وقعتُ في الفخّ
سلّة المهْملاَت
سلّة المهملات حزينة كوجه امرأة على شفا ريح
في السّلّة جسد
في الجسد قلب
في القلب نبضات ندم
يمرّ عامل النّظافة بقفّازيه الملوّثين
يفرغ السّلّة من محتواها
يدور محرك الشّاحنة
ويلقي بالفضلات إلى الرّيح
دَيْن
كنتُ مدينا للرّيح بوردة كلّ شتاء
وحان الشّتاء
جمعتُ وسائلي ووضعتُها بعناية على الطّاولة:
دمي ولحمي وعلبة سجائر وقلم جديد
بعد اكتمال الوردة
تفطّنتُ إلى أنّني لستُ سوى وسطى وسبّابة وإبهام أمام كؤوس أخيرة
وأفواه تحمل الفرشاة والسّكّين
فداء
قطّعتُ جسدي بعناية مثلما تقطّع أمي دجاجة
وقسّمته في أكياس
قوتا لهم
كنتُ حزينا وأنا أضعه في الثّلاجة
لم أكن سمينا كما ينبغي
استمرار
حين تعثّرت بحجر على الطّريق
لم أفقد توازني
ظلّت قدماي حبيستيْ المكان
ومشتْ بقيّة الجسد غير عابئة بتوسلاّت بدأتْ تخفتُ
شيئا فشيئا
أيّها الشّتاء
تعال أيّها الشّتاء
فشل الخريفُ في الامتحان
ولم يفهم سرّ نزول المطر
ظنّ المطرَ فرحَ الماء
في حين أنّه بكاء الشّمس
برقيّات أخرى
0
شجرة السّرو أعلى من البيت
أعلى أيضا من النخيل
والسّحاب يمرّ
1
حبّي العنب يدفعني إلى الاختيار بين أمرين
إمّا الموت
أو الانتحار
مللْتُ من انتظار العنقود
2
كيف أنام هذه اللّيلة وقد أخذ الرّيح فراشي وحلّق به بعيدا؟
عاريا أبدو
وميتا بلا قبر
3
حُقّ لها أن تقطع بتلات الورد
حقّ لها أن تحرق الشّجرة
تلك الّتي لم أرسل إليها طائري يوما
4
كأنّه قبس من الجحيم
أيّتها الثّلجات البيضاء
احذري الاقترابَ
5
لن أشعل النّور هذه اللّيلة
تكفيني عيناي
6
سأهب جسدي للبرد
قربانا للنّار
في داخلي
7
لم أكن أعرف أنّك دافىء جدّا أيّها البرد
وأنا بصدد الموت
8
أنا وجه وقفا
بينهما وردة ترتجف
كالوطن
9
حدّث أبو هريرة قال...
حدّثكم أنتم أيّها الموتى
لا أجيد التّواصل مع الأموات
10
لا أخشى عذاب القبر
لا أكترث بفزّاعاتكم الصّفراء
ثمّة حكاية تنتظرني هذا المساء
11
أعرف أنّكَ تحبّني
لكنّي مرتبط بالمعنى أيّها الموت
12
مرحبا بالعام الجديد
انتظرْ قليلا
مازال عندي ما يُسرق أيّها اللّصّ
13
على بياض الورقة
لم أهتد إلا إلى سوادها
هذه الدّنيا
14
كم كانت تراودني
وكم كنتُ عنيدا
وهي بين أحضاني
15
أشعلت أصابعي
لأكتب نصّا
في هذا الظّلام
16
لا حاجة لي بك أيّها القمر
جئتني بعد فوات الأوان
قريبا أنجبُ طفلي من الشّمس
17
منذ أن أغوتني الأماكن المظلمة
لم أعد أعوّل على الشّمس أو القمر أو النّجوم
ما فائدة أن أرى ما ترون؟
18
كنت أحلم أن أكبر وأنا طفل
مازلت أطارد ذلك الحلُمَ
والسّنوات تتقدّم بي إلى الوراء
19
نصبت لي فخّا
فوقعت عليها
20
لا فائدة من رجمي
فجسدي حجر
21
أنا مثلك تماما لا تنزعج
هو فرق بسيط
أنت بلسان وشفتين
وأنا بلسانين وشفة
22
أتحاشى المشي وراء طفل أو طائر أو وردة أو فراشة
ظهري الهشّ لا يمنع سهامهم اليوميّة
من المرور
23
مدهشة أنتِ هذه اللّيلة
تغلقين بإحكام باب حجرتك على الفصول الثّلاثة
أيّتها المرأة الشّتاء
24
كنتُ أشرب الشّاي هذا المساء
ولم أتفطّن إلى أنّي وقعت في كأسها
لم يتبقّ منّي سوى قطراتٍ عالقة على
25
أرى السّواد في كلّ ما يُرى
لستُ أعمى
لستُ أعمى
26
أفكّر في عقر دار الخمر
27
كم كان حظّي من الصّيد وفيرا
قبل هبوب العاصفة؟
28
لا خمر ولا أمر
دُعشتُ هذه اللّيلةَ
قدماي
قدماي اللّعينتان مرّة أخرى
لا أعرف إلاّ الانصياع لهما
- إلى أين أيّتها الكافرتان؟
- إلى الجنة
فراغ
أَلُو
أَلُو ألو...
لا أحد في هذا الصّباح لا أحد
سوى سمكةٍ حزينة
وهاتفٍ محمول
نسي أرقاما سريّة للبحر
أنا
اِكتشفتُ منذُ سنواتٍ أنّي لقيطٌ
ياَ لَلْكارثة
أبو القاسم الشّابي لمْ يلتقِ أمّي قطُّ
شاهدْتُهَا منذُ سنواتٍ كيفَ تُخفي رسائلَ «آرثر رامبو» في درج مكتبها
كيف تئنّ أمام صورته
كيف تلتفتُ بحذرٍ إلى الشّجرةِ المطلّةِ من النّافذةِ
الشّجرة الّتي تعشّشُ بها الطّيورُ المهاجرة كلَّ سنة
صفعة
كانت قويّة تلك الصّفعة الّتي زعزعتني
لم أمنع قدميّ المتعوّدتين على الرّكض من السّقوط
لم أتفاعل مع طعم لساني المبلوع
حين هوى على خدّي بها
تطايرت عيناي من النّدم
أصابعه الخمسة على خدّي الأيمن
هذا الصّمت
مواطن
حين تعبتُ من المشي غفوتُ قليلا
جاء من سكب عليّ الخطى
لم أنتبه كيف أصبحتُ شجرة إلاّ منذ حين
شجرة أحذية
قدماي مرّة أخرى
لأنّي لم أحملهما إلى ما به ترغبان
أدركتُ سرّ إلحاد قدميّ
ولماذا تحملانني يوميّا إلى الحانات
صِغار
حين نرتكب خطيئة ونحن صغار ونعود آخر اللّيل
كنّا نحمل نعالنا ونمشي بتُؤَدة كي لا نُكتشف
لم نكن نعلم أنّ دجاجاتنا أعلى الشّجرة تواصل نومها دون خوف
لم نكن نعلم أنّ قطّنا الأليفَ يتابع نومه ويحلم بطعام الغد
لم نكن ندرك أنّ المكان يتمايل فرحا بمشيتنا
كنّا فقط في صراع مع مبادئ تشاركنا يوميّا قهوة الصّباح ومسيرة اليوم
في حجرة الانتظار
وأنا في انتظار دوري في غرفة الانتظار لدى طبيب المجاري البوليّة
أحاول أن أحصي عدد بوْلاتي
خمّنتُ أنّها بمعدّل خمسِ مرّات باليوم حتّى سنّ المراهقة
وبمعدّل عشر مرّات في سنّ الشّباب
وبمعدّل عشرين مرّة في سنّ الكهولة
الغريب أنّه منذ 14 جانفي 2011 رغم أنّي مازلت في سنّ الكهولة
أبول بمعدّل أربعين مرّة في اليوم
قستُ نفسي على أمثالي
على إخواني في سوريا والعراق واليمن وليبيا والبحرين
واكتشفتُ أنّ أجهزتنا التّناسليّة أوّل مقاوم للإرهاب
أزور الطّبيب لأنّي لا أكتفي بالبول
بل أبحث عن سبل أخرى أقاوم بها الإرهاب
سبل تعلّمتها من مصطفى سعيد
على كرسيّ
في الزّهرة بتلات سبع
- أمشي
لا أمشي
في الزّهرة بتلات خمس
- أمشي
لا أمشي
في الزّهرة بتلات ثلاث
- أمشي
لا أمشي
في الزّهرة بتلة واحدة
في رأسه فكرة واحدة
في قلبه رغبة واحدة
وتحت الكرسيّ مقبرة أزهار
خيانة
قدر خائن
حبيبة خائنة
صديق خائن
بلاد خائنة
أفكّر جدّيا في ترجمة لغتي
بحْث
أبحث عن عرس لنفسي في مشاهد الأعراس
عرسا أتزوّج فيه عقلا طلّقْتُه منذ سنين
وبقيتُ أملا
هدفا هشّا
لنفس أمّارة بعرس
أكاذيب
يظنّ أصدقاء الفايسبوك أنّي أبو محمود
ويظنّ المقرّبون أنّي وحيد
ويظنّ الرّسميون أنّي عبد الواحد
زوجتي المسكينة ترى فيَّ زوجا
أولادي الأبرياء ينادونني أبي
طلبتي المتحمّسون ينادونني يا أستاذ
دفاتر الحالة المدنيّة تعتبرني ذَكَرا
الدّولة تعدّني مواطنا صالحا
كيف لي تحمّل كلّ هذه الأكاذيب؟
طفولة
كنتُ أفكّر وأنا صغير أنّ زوجتي المستقبليّة ستنتظر عودتي كلّ مساء
لنتقاسم الرّغيف الّذي أتيتُ به سويّا
وأنّها ستربّت على كتفي
وتشتهي تقبيلي وغسلي من غبار اليوم
كنتُ أظنّ أنّها لن تنزعج إذا ما عُجْتُ على أمّي وأعطيتُها دينارا
وكنتُ أظنّ أنّها خبّأت شيئا ليوم أعود فيه فارغَ اليدين
كنتُ أظنّ أنّها ستصدّق أنّي فعلا أحبّ القمر
وأعشق انزلاق الحلازين على العشب
وأنّي أتألّم لاحتراق الفراشات
كنتُ أظنّ أنّها لن تسألني عن حماقاتي السّابقة
عن استمناءات بعض اللّيالي
عَنْ آثَارِ حبِّ الشَّبَابِ عَلىَ جَسَدِي
عن جنوني المفاجيء...
فكّرتُ في كلّ شيء
ولم أكن أتصوّر أنّه تفكير صغار
صباح
هذا الصّباح الّذي يرسلني رغما عنّي إلى المساء
بدأتُ أشكّ في حياده
لماذا لا يصحبني إلى الهاوية؟
خروف
لم أكن أجرؤ أن أقول لأبي إنّي أخاف
كان يتركني ليلا مع الغنم
ويمضي إلى شؤونه
كلّ حكايات الجنّ والغيلان والأشباح تتراءى لي
لم يكن لي من حلّ سوى أن أتظاهر أنّني خروف
فأمشي بين الغنم على أربع
تماما كما أفعل الآن
في هذا العالم المليء بالجنّ والغيلان والأشباح
خطيئة
(إلى أبي العلاء المعرّي)
سألتُ أبي حين كنتُ طفلا:
- كيف أنجبتني يا أبي؟
ابتسم وقال ستعرف حين تكبر يا بنيّ.
بعد قليل عرفتُ
كم وددتُ أن أقول إنّك ارتكبت الحرام يا أبي
كم أحزنني تخيّل أمّي في مشهد حرام
الآن وقد كبرتُ
ازددتُ يقينا بأنّك ارتكبت الحرام يا أبي
لأنّك أنجبتني
في هذا الشّارع
تركتُ رأسي على الوسادة هذا الصّباح
تغمرني السّعادة في هذا الشّارع
وأنا أتجوّل دون رأس
في الطّريق
تدهسني السّيّارات يوميّا
تمشي عليَّ أحذية متنوّعة
أحيانا تركض الخيول على جسدي
وأحيانا يحطّ عليَّ طائر
يفتّش عن القمح في قلبي
وأنا ممدَّدٌ أنتظر قدمين
سلّة الزّبالة
سلّة الزّبالة فيها بقايا خضر ورؤوس أسماك
فيها علب بيرة فارغة
فيها عازل مطّاطيّ
فيها أوراق وأوراق
فيها غبار ريح
سلّة الزّبالة تؤمن شديد الإيمان بالقيامة
في عالم النّفايات
حيث القطط والكلاب السّائبة
وفقراء يترقّبون بلهفة قدوم شاحنة الفضلات
سِرّ
لن أعترف بسرّي
ولن يتفطّن إليه أحد
فصلتُ رأسي عن جسدي بسرّية تامّة
وواريتُه التّرابَ
كنتُ أزوره بين الحين والحين
بكثير من الماء
بسماد وافر من الأسئلة
كنتُ كَمَنْ يخفي كنزًا لأيام قادمة
أشعر بسعادة لا توصف
كلّما أدركتُ أنّ لي رأسا أخفيه في هذه البلاد
الخالية من الرؤوس
الفرصة
الواقع:
1+1=2
2+2=4
4+4=8
وهكذا...
الحقيقة:
8+4+2+1+...=1 وهو أنا
مملوء بالأشياء بالعوالم بالأرقام بالرّؤى بالحبّ بالانكسار
بالأشجار بالجنون بالرّغبة بجميع أنواع الحماقات
أيّتها الدّيدان الّتي تنتظر لحمي
ستأتيك فرصة لا مثيل لها
بيتان
كنّا ننام في حجرة واحدة وكان بها دكّانتان
دكّانة لأبي وإخوتي الكبار
ودكّانة لأمي وأخواتي البنات
كانت الحجرة واسعة واسعة
فيها الحبّ والكانون والشّاي والخرافة وخبز الشّعير وأحلام الصّبايا
وصورة علي بن أبي طالب وآلاف اللّيالي واللّيالي
ويحدُثُ أن تكون فيها دجاجة نائمة على بيضها
وقطّة مدلّلة
وقصعة كبيرة نغتسل فيها...
اليوم أسكن في بيت مساحته 1300 متر
موصول بالأنترنات
مجهّز بكلّ شيء
لكنّه ضيّق ضيّق كالقبر
قناعة
في جسدي حدائقُ خلفيّة
زرعتُ فيها عديدَ الأشجار
ابن رشد والحلاّج وشوبنهاور ونيتشة وسارتر وهايدغير
حدائقُ تجري من تحتها الأفكار
أبدو سعيدا بحدائقي
سعيدا بترشّفي المعنى
سعيدا بمضاجعة الشّمس
رغم رسائل حور العين
هامش
في جسدي هامش للفوضى والتّمرّد
لم أرفضه مطلقا
لأنّي ببساطة ديمقراطيّ
ومن الطّبيعيّ أن يوجد في جسدي من يخاطب الهامشيين
ويفرح بهم
حيرة
المرأة الّتي أحببتُها سنة 1989 غيّرتْ تاريخي وبعثرتْ وجودي
في هذه السّنة 2016 البارحة بالتّحديد رأيتُها في المنام كما لو كانت منذ 27 سنة
التمعتْ نافذة حجرتي فجأةً
وحطّ طائر قديم على نفس الغصن المطلّ من النّافذة
كنت أعتني بالتّراب تحت قدميها
الآن...
كيف أستبدلُ قدميَّ بقدمين مستمسكتين
كيف أقنع أولادي بعدم مراقبتي
كيف أقنع من يعرفني بأنّي عاودت هواية شراء الورد
كيف يمكن أن أشرب على شاطئ البحر وأنادي عليها
كيف يتقبّل تلامذتي أن أكتب قصيدةَ حبّ
الأخطر من ذلك كلّهِ
كيف أمحو خياناتي؟
عاهات
أنا جائع جدّا
كيف السّبيل إلى الأكل دون فم
لقد أضعت فمي
بحثتُ عنه في الأسواق في الشّوارع في البيت في الكلّية في كلّ مكان
لا أثر
أشرتُ إلى كلّ من يعترضني محاولا توسّل إشارات الصّمّ والبكم
لا أحد يجيب
أغلبهم مثلي
بعضهم فقد عينيه
بعضهم أضاع ساقيه
بعضهم فقد عقله
بعضهم أضاع عضوه وخصيتيه
تاجر البنزين سعيد جدّا بهذا الرّبيع
قلادة
حين طهّرتُ ترك لي الطّهّار قلادة بنّية
ذكرى طفولة التّراب الّذي لا يشبهني
قلادة جميلة كلّما فرّطتُ فيها إلاّ ونامت معي
خازنة أسراري
مالكة كياني
والنّاطق الرّسميّ لطبيعة ترابي
تلك القلادة الصّغيرة
تلك القلادة الكبيرة
كلّما اتّسعتْ يبتسم التّراب
يهيّء قبره
ليدفن أسراري
ويحيا بكياني
قرار
إضافات جديدة لقائمة الأشياء الّتي أكرهها:
التّأثر الغبيّ لموت أحد العظام
تهنئة حمقاء لصديقٍ أحمقَ
إشاعة حبّي لفيروز في الصّباح
توريط الورد في التّواصل الاجتماعي
أخيرا وليس آخرا
أنين القوارب بين السّماء والأرض
غراب
منذ أن حطّ في بيتي غراب سنة 2000
وأنا أتأمّل ريشاته الّتي لا تشيب
صيحاته الّتي لا تهتمّ بالقفص
نقمته على الكانالوهات الّتي لم يكن لي حظّ معها
بعد سنة 2000 بقليل فتحتُ القفص ليطير الغراب
لكنّي لم أكن أعلم أنّي أنا من كان داخل القفص
يجري من تحتي نهر من ريش
بطاقة متّهم
الاسم واللّقب: عبد الواحد السويّح
المهنة: أستاذ
التّهمة: يبني أعشاشا مائيّة
يغازل تلميذة الابتدائي بميدعتها الورديّة
يألم لأعشاب الطّريق
يحاول مصاهرة المطر
يخاصم شتاء يقف بين وردة وعصفور
لا يقبل النّجوم البعيدة
الحكم: بعد المعنى
إصرار
كمراهق صغير لا أنام إلا بعد أحلام اليقظة
هذه اللّيلة سأحلم بـ"شاكيرا"
وسأطلق العنان ليدي
من يدري قد يستمرّ "دون كيشوت" في زيارتي
كما يفعل كلّ ليلة
ليلة العيد
ليلة العيد كنتُ أضع حذائي الجديد حَذْوَ وسادتي
وبالكاد أنام
أحلم بالأراجيح وكأس الحمص وأموال الكبار
ولأنّني صغير العائلة
كنت محُوطًا بأسوار من ورد
اليوم أنا كبير العائلة
وبالكاد أنام ليلة العيد
أرمق أحذية أبنائي المرصوفة بعناية حَذْوَ وسائدهم
وأحلم بتسديد الدّيون
وصايا
1
خبّئْ كلّ أضواء اللّيل
ثمّ تأمّلْها في النّهار
سترى الأشجار باردة
تزهر ثمار النّوم ذات اللّبّ الأجوف
سترى النّجوم بيضاءَ
وعرس النّهر حقائب حزينة...
أمازلت تثق بالنّهار؟
2
اقتل ظلّكَ
إذا عجزتَ
لا مانع أن تتوسّل للشّمس
لكنْ اقتلْه
كي لا يشهد أحد على خطاك حين تمشي
3
قبل أن تفكّر بممارسة طقس قديم
ضاجع يدَك
إنّه يحدّثك عن الأصالة والتّحديث
هيّا إذًا..
4
لا تذكر له اسمك
لا تذكر له سنّك
لا تذكر له عملك
لا تذكر له شارعك
التّكرار معه لا يجدي
5
اسرق عينين بلا أهداب
تحتاج إليهما كلّما فكّرتَ بالنّوم
وبيتك كالعادة مفتوح
6
أحرق البرّ والبحر والفضاء
لا تحرق شجرة
أو سمكة
أو نجمة
مثلهم
يحرقون كلّ شيء
إلاّ أنفسهم
7
دعك من رسم الماء
دعك من رسم الخبز
ارسم ضوءا
ضوءا تحتاج إليه
في موتك الجديد
8
لا تدرس
مادام المدرّس
يصرّ على أنّ واحدا مع واحد يساوي إثنين
لا تدرس
مادام موضوع الدّرس
ينطلق فيه المدرّس كعادته
من هيكل عظميّ
9
صلّ
ل
أنّ
الله
مثل
ك
10
لا تصم قبل تذوق طعم الشّجر بعد هطول المطر
لا تصم قبل أن تشرب كأسا من نهر يحتفل بميلاد سمكة
لا تصم قبل تقبيل القمر وهو يسدلّ شعره الأسود المبتلّ
لا تصم قبل مضاجعة أرنب تنام في أجمة سعتر جبليّ
لا تصم قبل إعداد مائدة من نجوم وشمس
أشجار الحدائق الخلفيّة
أسئلة
كيف تأتي الرّيح إلى بيتي ولا تعجب من صمت الطّائر داخل القفص
كيف تقابل ابنها دون بكاء دون قُبَلٍ
دون مدّ يد الوردة إليه؟
كيف تصمت الشّجرة أيضا ولا تنظر كالعادة إلى النّافذة؟
ماذا حدث للحائط هذا الصّباح؟
لماذا تتحرّك أقراطه كلّ حين؟
أين اختفت قطّة البيت الصّفراء؟
هل حاصر الكلب مواءها أخيرا؟
كيف لم يتفطّن الطّائر إلى غياب الحديد
ينزلق كان على نافذته كلّ صباح؟
كيف نتنت رائحة الوردة رغم جلوسها في حضرة الرّيح
الّتي لها يدان خاليتان تماما من الدّماء؟
يا اللّه
لستُ أيّوبا يا اللّه
أنا عبد الواحد السوّيح
رجل طيّب إلى أبعد الحدود
لا أفكّر كثيرا بالجنّة
أريد فقط بعض السّعادة
فيما تبقّى لي من عمر
أسوارُ 1437 للهجرة
أسوارٌ معلّقةٌ حَذْوَ القمرِ
خلفَ شمسٍ زرقاءَ
مرَّ اليمامُ بهلوساتِ صيفٍ سكران
وخريفٍ ينامُ على بطنِهِ مِنْ شدّةِ التّعبِ
كانَ العقلُ يا سادتِي عربيًّا
يعرفُ كيفَ يُصطادُ الحمامُ
كيفَ يُنتزَعُ ريشُهُ
ريشةً
ريشةً
ما ألذَّ طعمُهُ مع النّبيذِ
والقمرُ بكلِّ غباءِ الشّمسِ يبتسمُ
يفرحُ بِقِيامِ اللّيلِ
تبًّا للقمرِ
كيفَ شحنّاهُ بالجمالِ هذا الأخرقَ
كيفَ شبّهنَا ليلى بِهِ؟
الرّيشةُ السّابعة
طاردتْهَا قطّةٌ صغيرةٌ هبّتْ فجأةً مِنْ قميصٍ أفغانيٍّ
قطّةٌ شرسةُ تفهمُ أسبابَ النّزولِ
وتحفظُ عنْ ظهرِ قلبٍ مُواءَ الخلافاتِ
قطّةٌ خائفةٌ
قطّةٌ سائبةٌ
قطّةٌ يجري خلفَهَا الأطفالُ
قطّةٌ عاهرةٌ
قطّةٌ مقدَّسَةٌ هبّتْ فجأةً مْنْ قميصٍ أفغانيّ
كيفَ نحولُ دونَ عودةِ الشّتاءِ ونحْنُ في أواخرِ الخريفِ
كيفَ نقنعُ النّملةَ بعدمِ الخوفِ مِنَ المطرِ
كيفَ نُحاصرُ الشّمسَ ونمنعُ تعدّدَ الورداتِ؟
الرّيشةُ الثّلاثونَ
طارتْ أمامَهُ وهْوَ يصلّي
شاهدَهَا بضعٌ مِنَ المتسوّلينَ تتّجهُ نحوَ اليمينِ
نحوَ أسوارٍ مِنْ بُخارٍ
أسوارٍ تحفظ الكونَ مِنْ جهاتِهِ السّتِّ
أسوارٍ عاليةٍ
أسوارٍ عالمةٍ يسبّحُ باسْمِهَا كلُّ مَنْ دبَّ
هبْ أنّني طلقةٌ مفترضةُ تنامُ بينَ جناحينِ
جناحٌ كالوردةِ حزينٌ
وجناحٌ كاللّعبِ يطاردُ طفلا غابَ عنِ المدر
هبْ أنّني مارسْتُ زرقةَ الشّمسِ ونادمْتُ الصّيفَ
هبْ أنّني فتحتُ سروالي على الخريفِ
تحيا الأسوارُ؟
تموتُ الأسوارُ
ما ألذَّ طعمها مع النّبيذِ
تبًّا للأسوار
كيفَ فكّرنا أنّها تحمينا وقد فصلتْ بيننا وبينَ البحرِ؟
الرّيشة الأربعُ مائةٍ
تنامُ كلَّ الأوقاتِ
مثلَ زوجةٍ صالحةٍ ترعى قطّةَ زوجِهَا
القطّةَ العاهرةَ
القطّةَ العفيفةَ
القطّةَ الّتي تنتفضُ كلَّ ليلةٍ منَ القميصِ الأفغانيِّ
القطّةَ الصّحيحةُ
القطّةَ الموعودةَ بالجنّةِ
كيف السّبيلُ إلى البحرِ دونَ إغواءِ سمكةٍ
دونَ حفرٍ تحتَ الأسوارِ
دونَ سقوطِ القمرِ؟
تحيَا الأسوارُ؟
تموتُ الأسوارُ
ما ألذَّ طعمها على ورقةٍ
تشتعلُ فجأة
فَرَاشَاتٌ توُنسيّة
رياحُ الشّعانبي تمدُّ يدَهَا بحثًا عنْ مطرٍ بلّغتْ عنْهُ العصافيرُ
الحديدُ ينتهكُ الأشجارَ ويؤجّلُ حكاياتِ أغصانِها
في الطّريقِ بينَ بوزقام وَالقصرين رذاذٌ مُحمّلٌ بالثّمارِ
يسترِقُ الحُلمَ فِي اتّجاهِ البوّابةِ
نساءُ المدينةِ فِي انتظارِ الماءِ
والأحلامُ تُطبخُ علَى الفايسبوك
ثمّةَ مَنْ يُشيرُ إلَى سقوطِ عصفوريْنِ
شوهِدتْ ريشاتٌ حمراءُ بادىءَ الأمرِ فِي تالةَ
وهناكَ مَنْ بشّر بِفرحةِ الثّلجِ
كانتِ الدّموعُ مُخبّأةً فِي عُلَبِ الكبريتِ
وكانَ يومُ 10 جانفي 2011 فِي اتّصالٍ هاتفيٍّ مع الرّيحِ يحدّدُ لَهُ بِدِقّةٍ مكانَ المطرِ
عصافير أخرى تحمرُّ وتُضيءُ عرسًا تحبُّهُ الأشجارُ
الحديدُ يكرهُ الألوانَ
يكرهُ المزاميرَ
ويكرهُ الأجنحةَ المضيئةَ بالمطرِ
وادي سبيبة حاملٌ
والمسافةُ الّتي تفصلُ سبيبة عنِ الشعانبي في حدودِ ال30 كلم
في كلِّ كلم سكونٌ
في كلِّ سكونٍ 30 استفهاماً
متى تطيرُ العصافيرُ بالصّيفِ ثمَّ تعودُ؟
متى يغمرُ الثّلجُ الحديدَ؟
متى تشترِي الأغصانُ ضحكاتِ المواسمِ؟
متى تطلُّ الثّمارُ بِحَكاياهاَ؟
وادي سبيبة حاملُ
والهواشم وأولاد خلفة يخيطونَ لأوّلِ مرّة قمصاناً لِلْمطر
....بعدَ ثلاثةِ أيّام
طالبةٌ سمراءُ في حَيِّ الرّياض بسوسة تركضُ خلفَ "الفراشاتِ ليلاً"
صوتُها سكّينٌ لامعٌ يقطعُ الآهاتِ في البيوتِ المستريبةِ.
قصصُ الحبِّ المتناثرةُ هنا وهناكَ تنتفضُ مِنْ صفحاتِهاَ
تطيرُ معَ الفراشاتِ
لِلدّماءِ ألوان أخرَى هذا المساءَ
الطّالبةُ السّمراءُ تصلُ بابَ بحرْ
آلافُ الفراشاتِ وراءَ السّورِ تنثرُ شظاياَ احتراقٍ حزينةً
ثمّةَ هاتفٌ جوّالٌ 33 - 10 يسقطُ منْ رجلٍ فَقَدَ توّاً فراشتَهُ
اللّيلُ يطلُّ مِنْ نافذةٍ عاليةٍ
يرمقُ السّكاكينَ اللاّمعةَ
يصوّبُ بِإتقانٍ نحوَ الفجرِ.
يشتعلُ الهاتفُ الملقَى فجأةً ويرنًّ
...في نفْسِ اليوم
عصافير شارع الحبيب بورقيبة تنثرُ أجنحتَهَاَ "نزولاً عند رغبة المطر"
الأشجار تغنّي والحديدُ يطفوُ علَى الماءِ
يلاحقُ السّيقانَ الرّاقصةَ
قرْبَ مقرِّ وزارةِ الدّاخليّةِ شُوهِدَتْ سحابةٌ حمراء كانتْ تستظلُّ بها الشّمسُ قبلَ قليلٍ
ثمَّةَ أنباءٌ عنِ اغتيالِ فراشاتٍ
عنْ حقدِ الحديدِ
عنْ جراحةِ المطرِ
تطيرُ السّحابةُ الحمراءُ ترفعُهَا الأجنحةُ رغمَ دهشةِ الحديدِ لِأوّلِ مرّةٍ
هناكَ منْ فرَّ الآنَ خلفَ الطّيورِ المهاجرةِ
أمّا طيورُ شارعِ الحبيب بورقيبة فظلّت ترقصُ حتّى الصّباحِ
يموتُ الحديدُ
تحياَ الأشجارُ
الرّقصُ مسترسلٌ
رغمَ غضبِ السّلاسلِ وبحثِهَا المتواصلِ عنِ السّيقانِ
رغمَ تهافتِ الأغصانِ المفرطِ أمامَ الفراشاتِ
رغمَ طلقاتِ النّارِ المباغِتةِ
رغمَ ما يحدثُ الآنَ في الباسّاج
يموتُ الحديدُ
تحياَ الأشجارُ
الشّمسُ في اتّجاهٍ واحدٍ
اتّجاهٍ يكرهُ النّوافذَ المغلقةَ الّتي تخشَى إطلالاتِ الأشجارِ
تحياَ الأشجارُ
تعيشُ الأشجارُ
الصّراعُ الآنَ بينَ أجنحةِ الماءِ والاحتراقِ المنظّمِ لِلْهواءِ
ثمّةَ قلبٌ يخفقُ داخلَ كلِّ ورقةٍ
قبلَ اشتعالِهَا
قبلَ التماعِ ضوءِ الفراشاتِ
قبلَ غرقِ الشّمسِ في مستنقعِ الحديدِ
يموتُ الحديدُ
تحياَ الفراشاتُ
لا شيء يعُوقُ الرّقصَ
حتَّى انهيارُ الحيطانِ المشلولةِ
حتّى وقعُ النّجومِ ذاتِ الألوانِ المتعدّدةِ
حتّى دماءُ النّوافذِ
حتّى ما يحدثُ الآنَ في الباسّاج
13 نوفمبر 2013
Prianka
القادمونَ على سفنٍ صفراء مِنَ الصّحراءِ المقدّسةِ
مِنْ بلادِ الجنِّ والبعيرِ الشّافِي
هؤلاءِ الّذينَ تعلّموا أنَّ الفلسفةَ حرامٌ
وإعمالَ العقلِ حرام
ورسمَ طائرٍ يغنِّي فوقَ شجرةٍ حرامٌ
ومشاهدة برييانكا تشوبرا في لوف ستوري 2050 حرامٌ
هلْ شاهدتُمْ الفيلم؟
دعْنَا مِنْ ترّهاتِ الشِّعرِ
دعنا مِنَ الوقوفِ على الفاصلِ الأخيرِ
دعْنَا مِنَ الانزياحِ
من تلك اللّغةِ داخلَ اللّغةِ
هلْ شاهدتمْ لوف ستوري 2015؟
القادمونَ على سفنٍ صفراء شاهدوهُ
في بلادِ الجنِّ والبعيرِ الشّافِي
كانت برييانكا تشوبرا منقّبةً
لا شيء يظهرُ منهَا سوى النهدين
كانتْ تُرضعُ البطلَ الكبيرَ
نسيتُ أنْ أخبرَكمْ عنِ اسمِ البطل
كان را... را...
صوتُ الرّاءِ جزءٌ منِ اسمِهِ
ذلك الحرفُ المخادعُ الّذي قد يتحوّلُ في أيّةِ لحظةٍ إلى (غاء)
لا أذكرُ
المهمُّ أنّهُ أعرابيٌّ حصّلَ ملياراتٍ منْ شعرةِ معاوية
في رأسِهِ
في وجهِهِ
في نبضاتِ ردفِهِ
كان يُصارعُ الطّاغوتَ
ويعلنُ الجهادَ على الطّاغوتِ
وكنتُ يا سادتي
ممَّنْ ينتمي إلى هذا الطّاغوتِ
ممّنْ تحدّثَ مع زارادشْت
ممّن قبّلَ برييانكا تشوبرا على مرأى من الجميع
ممّنْ ضاجعَ الأرانبَ اللّيليّةَ
ممّنْ تعلّمَ منَ اللّهِ
كيفَ يئنُّ العشبُ تحتَ وقعِ الخُطَى الثّقيلة
كيف يتغزّلُ الحلزونُ بقطرةِ ندًى في يومٍ غائمٍ
كيف تفكّرُ امرأةٌ بِرجلٍ قطّتُهُ بينَ فخذَيْهِ
الأشجارُ
النّارُ
تفاصيلُ المساءِ والصّباحِ بينَ فخذيْهِ
(اللّعنةُ على الشِّعر حينَ ينحرفُ بالحقيقةِ
حين يتّخذُ الكذبَ والخيانةَ والمخاتلةَ وسائلَ لِادّعاءِ الجمال
بِكلِّ خجلٍ أعتذرُ)
أنا الطاغوتُ
أنا من شاهد برييانكا عاريةً وسط أكوامِ الشَّعر
تلكَ الهرّةَ المجاهِدةَ
تلكَ الّتي ملأتْ أحاديثُ القططِ رأسَهَا
تلكَ الّتي تعلّمتْ لغةَ الشَّعرِ واستقبلتْ جميعَ القططِ الأمويّةِ
بشراكِ برييانكا
لَكِ كلُّ أشجارِ الموزِ
لَكِ نَحْنُ
لَكِ حليبُ القمرِ
مِنْ وراءِ الحجابِ كلّمتُ برييانكا
أنا الطّاغوتُ
ذكّرتُهَا بِهشاشةِ الياسمين على وجهِهَا
بِرقصِ الفراشاتِ على نهدِهَا
بِدفءِ الأسماكِ ليالي الشّتاءِ
ذكّرتُهَا بِأغنيةِ شجرةٍ تكرهُ الحديدَ
بِخفقانِ قلبِ طائرٍ يختبئُ مِنَ العاصفةِ
ذكّرتُهَا بِالحبِّ
برييانكا برييانكا
أيّتُهاَ السّمراءُ التونُسيّةُ
مزّقِي الظّلامَ
وارْكضي خلفَ قصيدةِ اللّهِ على صدرِكِ
خلفَ الرّيحِ الّتي هزّتْ فستانَهاَ لِطيورِ شارع الحبيب بورقيبة
خلفَ الرّجالِ الطّيبينَ الّذينَ يعتقدونَ في اللّهِ مثلما يعتقدونَ في المطرِ
برييانكا
ميّزي بين الشَّعرِ والشِّعرِ
بينَ الماضي والحاضرِ
ميّزِي بينَ السّقيفةِ والمسرحِ البلديّ
برييانكا برييانكا...
مِنْ وراءِ الحجابِ سمعتُ خفقةَ طائرٍ يرمقُ التماعَ البرقِ
سمعتُ تدفُّقَ الحصيّاتِ على بتلاتِ الوردِ
سمعتُ ضجرَ الدّنيَا مِنْ صرخةِ فراشةٍ
سمعتُ مواءً أمويّاً يركضُ يركضُ خلف نهديْن
أكتوبر 2013
رِسَالَةٌ إِلَى مَيت
إنْ شئتَ لقائي
توسّلْ لموسى كيْ يأتيَ بعصاه
قلْ للرّياحِ العرمرمِ ألاَّ يكنَّ في بلاطِ الخليفةِ مثلَ جوارٍ ساقطاتٍ
إنْ شئتَ لقائي
لا بدَّ منْ إعدادِ كتابٍ في الماءِ
غرضًا شعريًّا جديدًا
لا تكنْ كزوجةٍ خائنةٍ لا تنامُ إلاّ مع زوجه
تريّثْ حتى تتأكّد من تاريخِ التّدوينِ وبدءِ الأكاذيبِ
كنْ كلباً تخافُهُ القططُ السّائبةُ في المساجدِ
كنْ حمارًا لعقلكَ
دعِ الحمامةَ نائمةً على بيْضتيْهَا ومزّقْ خيوطَ العنكبوتِ المحيطةِ برأسِكَ
قلْ لِكتبِكَ ألاّ يكنَّ مثلَ جوارٍ ساقطاتٍ في بلاطِ الخليفةِ
العنْ فُعَلَ ومفاعِلةَ وكلَّ فعلٍ مبنيٍّ للمجهولِ
هلْ تعرفُ الماءَ
أمْ أنّكَ تكتفي كما كنتَ تشربُ دومًا منْ بولِ البعير
هلْ تعرفُ الماءَ
قبائلُ اليَمَنِ حملتْهُ إلى الصّينِ
وقبائلُ قريش عن أبي هريرةَ راويةٌ
إنْ شئتَ لقائي
لا تسّاقطْ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمالِ
امسكْ في لحيتِكَ المستنسخِةِ منْ لحيتِهِ عنْ لحيتِهِ عنْ لحيةِ لحيتهِ
وقلْ لزوجتِكَ الخائنةِ أنْ تنامَ مرّةً معي
28-3-2015
لغْز
يُبْعدُ عنّي حبيبتي
يلوّثني بالطّين الأسمر
يزرع فيَّ شوكات وشوكات
يسحب منّي الطّريق
يجمعني بأقبح النّساء
يمنعني من السّكر
يقتلني بنار باردة
وفي يوم مقداره كذا وكذا
يدفعني إلى نار حامية
أمُّ الرّجاَل
تلكَ الّتي عادتْ بِالرّيحِ خلفَهَا
تلكَ الّتي وقفتْ علىَ أتونِ العرشِ
تلكَ الّتي سمحتْ بِالبكاءِ والحلمِ بِنبيٍّ
تلكَ الّتي ضاجعتِ الطّائرَ ليلاً
نراها خلفَ ستائرِ الدّهشةِ
خلفَ انتفاضِ الدّهشةِ
خلفَ دماءِ الدّهشةِ
نراهاَ امرأةً تكتحلُ بالملحِ وتشدُّ شَعرَهَا بمناقيرِ عصافيرِ شارع الحبيب بورقيبة
تعدُّ قهوةَ الصّباحِ بِماءِ الصّبّارِ وتقدّمُهَا لِلْوافدينَ
هي الّتي وَهَبَتْ نفْسَهَا لِكلِّ الرّجالِ (الرّجال بمعنى الكلمة)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى