حفيظة مسلك - محكمة البندير

هزيمة مؤقتة ! ككل صيف يجتمع بعض شباب الحي قبالة منزلي ، يبدأ اجتماعهم و شملهم عند التاسعة ليتمد إلى ساعة متأخرة من الليل ، تصلني أحاديثهم عبر نافذتي التي اتركها غالبا مفتوحة طوال اليوم ، يحتاجون فقط لمؤرخ يوثق طرائف و مواقف و قهقهات تزيد حدتها كلما استرسل بهم المقام فأصابتهم لعنة الإندفاع لخوض غمار المنافسة حول من يظهر أكثر غضبا و جنونا ، يصل بهم الأمر للصراخ على شيء تافه ، كأنها دعوة لبقية الجيران كي ينتفضوا ، و لا أحد يردعهم أو يواجه مخططهم الفوضوي كل ليلة ، بل يتركون لهم حق الزوبعة كما شاؤوا و لا عليهم فالحق في إصابة الآخر بالإزعاج أصبح موضة متعارف عليها ، و أنا التي أستغيث كالوحش المفترس من نوبة قلق ، متى ينتهي كل هذا ؟
مفتتة الإنتظار الأصم كي أخرج سالمة عندما ظهر أحد الجيران ليحضر لهم كؤوس الشاي و تحياته القلبية لأنهم على ضوء سهرتهم في العلن ، سيسهرون الليل كي يحرسوا سيارته " المصدية " أملا في غد كي تركبها زوجته الغاضبة الفرعونية و هي تحذره على صوتها الخلثومي عفوا الكلثومي " للصبر حدود يا بيبي " !
مجرد أرق ! عندما بدأت اتعمق في كتابة روايتي " إليها في صمت " شدني الشعور بالمسؤولية فكتبت أغلب فصولها و أنا مستلقية على ظهري لأسباب صحية ، عدم قدرتي على الجلوس لساعات طوال جعلني أتبين حقيقتي أن ما أملكه و يقع بين مخالبي لا يخرج سالما ، بل يزيدني معرفة بتوأمة الطموح لشي و اللهفة للإنتصار على ضعفي مهما بلغ من العقد و الكبوة ، الحياة لا تفتح لك ذراعيها لتصب جم انانيتك و صلاحيتك ، بل تصلح كمرهم لشدة الحروق التي تبيض معك و منذ ولادتك ، ما هزتني الذكرى معها و لا مشاكلها بقدر تلك اللحظة التي أحاول التطنيش و الإبتعاد عنها ولو قليلا ، والسؤال الذي يفعل بك الآتي " مال زهري مال تخمامي مقطر هكا " حينها تبدأ اللفعة الرقطاء تدغدغ جبينك و لأجلك تسجل في دفتر الغياب حتى تأتيك رحمة ربك و تحملك إلى نصيبك من الدنيا !
الإيجابية مع من ! فكرة شائنة عندما تبلغ من الألم ما لا تتحمله ،فيأتيك أحدهم ليقول لك " كن إيجابيا " كان عليه القول ، أرقص و انت المذبوح كالدجاجة ، وهل في الضيق بروتوكول و مراسيم لتشييع العميق وفق أصول و عادات مقننة ، بمجرد أن تنصت للآخر كما لو قدمت له خدمة العمر ، جدتي رحمها الله عندما كان يصل بها الألم أو الغضب أو ما بينها و بين الله تكتفي بالصمت أو الإبتسامة أو تخرج تلك العبارة " لي ما في جهدو يعمل حاجة يحط حجرة في سرواله فيجلس " لم أفهم قصدها حتى اصابتني الدنيا بعمى ألوانها ، عرفت أن الحجرة / الثقل يرمز للإستكانة وعدم التخبط و الرجوع إلى هامة الأرض و خامتها ، وكل عقيم في ترويض ذاته سيتسرب إلى أذنيه ضربة منجل !
إحكي لي ! ما الذي تريد أن أحكيه لك ، هل أنت بخير ؟ هل لديك ما يكفي من المال ، لقد سمعت عن الطريق الذي سيسلكه الكثير من المهانون المذلون الذين سممت عظامهم من أول كلمة جارحة و أخر طعنة استردوا بها هيبتهم ، هل سترحل معهم أم ستترك العمر الوسيم يقص عليك في كل مرة قصة السيدة مشمشة التي أبحرت في الضباب تبحث عن الغنيمة الكبرى فلم تعد لا هي و لا شبحها ، انت شبيه سرك و لن تقول الحقيقة و إن بكت عيناك فلن يصدقك أحد و لن يهتم لأمرك أحد ، فقط تنازل و اقبل الرشوة الكبرى فكم من عنيد غالبه النوم فأخدوا قلبه فكان من الغابرين ، اقبل بعدوك و الطائشة و خوخة فستخوض معهم في زمن هات ما عندك قرين وجلمود الصبر !
محكمة البندير تكرر قصتها كل يوم ، حالها كحال عصفور يطير و لا يغرد !

حفيظة مسلك



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى