محمد مزيد - جنود مجرمون.. قصة قصيرة

نقلني آمر اللواء الى الحجابات ، على نهر الحويزة ، مقابل العدو الأيراني بمسافة 400 – 500 مترا فقط .. صعدتُ الى الدوبة ، مكان تموضعي ، فتعرفت الى أشخاص لم أجد مثلهم في حياتي أبدا ، وقفت في منتصفها ، في ظلام الدوبة الحالك ، ، الظلام ضروري لأن المسافة قريبة بيننا والعدو ، ويمكن أن تُرصد اي حركة فوق الدوبة وسط أحراش القصب والبردي بمجرد أن يشعل أحدنا سيجارة ، عندئذ لن تتوقف نيران القنص لجهة السيجارة ، قلت لهم نقلني آمر اللواء الى هنا ، فقال أحدهم وقد تبين لي منذ اللحظة الاولى إنه الأكثر رشدا ، " لا ينقلون الى هنا الا من كانوا مجرمين وسفلة من وجهة نظر آمر اللواء" ، ثم أطلق ضحكة هادئة ، بعدها سحبني برفق من ذراعي ، " لا يجوز أن تبقى واقفاً ، يجب أن تسير على الاربعة أو زحفاً ولا تنهض أبداً . أخبرنا الآن ، ما هي جريمتك ؟ قلت لهم نقلني الآمر لإنني قلت له إنني في حياتي المدنية أعمل صحفيا . أحدهم أخذ حقيبتي العسكرية " اليطغ " والآخر أستل بطانيتين ، جعل الأولى فراشاً والآخرى أتغطى بها والثالث بدأ يحضر الطعام والرابع جلس عند قدمي يفك خيوط البسطال . سألت نازع خيوط البسطال عن جريمته ، فقال آني مو بعثي وما اصير بعثي لو تشلع عيونهم ، خوات الكحبة . وسألت الطباخ عن جريمته فقال أبن أختي عبر من هنا بين الهور وسلم نفسه للإيرانيين ، ضاحكاً ، وسافعلها مثله طبعاً . فارش بطانيتي وهو الأكثر دندنة بصوته الجميل ، وياما غنى لنا مواويل تقطر عذوبة ، قال بدون أن أوجه له السؤال : أما جريمتي فهي بسبب أمتناعي عن العمل قوادا ، وضحك ، أنا سائق آمر الفوج (..) ، نزلنا ذات ليلة الى البصرة ، أنا والرائد الآمر ، ليبتاع بطل عرق ، شاهد فتاة سمراء تتمشى ، فقال ترجل ، أوقفت سيارة الواز وقلت له ترجلت سيدي ، ماذا هناك ؟ ناولني ورقة صغيرة وقال " أعطيها رقم تلفوني المدني " فرفضتُ ، وين كاعدين احنه ، يريدوننا نصبح كلنا كواويد مثلهم" .
ذات نهار ، تم استدعائي من قبل آمر السرية ، ملازم صغير السن ، لطيف محبوب ، قال أريدك أن تكتب لي رسالة غرامية ، فجلست أكتب .. عند تلك اللحظات الرومانسية بالغة الجمال ، كان يروي قصة حبه المتعثرة ، وانا أنتزع الكلمات من ذاكرتي المعطوبة بصعوبة ، في ذلك الوقت ، أشتد القصف المدفعي ، هناك أمطار من القذائف تساقطت على فوجنا الثاني والفوج الاول .لحد الآن لا أستطيع إيجاد إي تفسير ، لفقدان قذيفة طريقها فوقعت على أحدى الدوبات في الحجابات . بعد ساعة توقف القصف ، تركت رسالة الغرام ، واتجهت راكضا الى دوبتي .. تعثرت كثيرا في الطريق ، ولما وصلتُ ، كان آثار إنفجارها في الوسط تماما .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى