محمد الرياني - بائعُ الفَرَح..

صَبيٌّ صغيرٌ وجذَّابٌ على الرغمِ من بشرتِه السمراء وشعرِه المجعَّدِ الكثيف، يعجبُه أن يتسلّى كثيرًا في دكانهِ الصغيرِ الذي حوَّله إلى ملتقىً لأقرانِه الصغارِ ، يعجبه أن يقرأَ مكوناتِ عُلبِ البازيلاء والفولِ والفاصوليا والتونةِ ومعها علبُ البسكويتِ والحلويات، يقفُ عنده الزبائنُ وهو سارحٌ بفكرِه يقرأُ ويتسلى، في المناسباتِ يشتري لفتياتِ الحيِّ مايحتاجونه من الأحذيةِ الفاخرةِ في نظرهنَّ والعطورِ الجيدةِ وبعضِ السلاسلِ والتعليقاتِ التي تشبهُ الذهبَ وهي تلمعُ في الليلِ في مناسباتِ الأعراس، لم ينسَ تلك الليلةَ التي جاءتْ فيها (أغصان) وهي في عُمرِ العاشرةِ ترجوه أن يبحثَ لها عن حذاء بعد أن انقطعَ حذاؤها تريد أن تحضرَ زواجَ أختِ صديقتها الكبرى ، أَقسمَ لها أنَّ كلَّ الأحذيةِ في دكانِه قد نفدت، قامتْ تبحثُ معه بطريقةٍ مجنونةٍ لتتأكدَ بنفسها حتى تساقطتْ على رأسِه ورأسِها بعضُ علبِ البازيلاء والتونة المرصوصة في الطرف الأقصى الذي يضعُ فيه البضائعَ الموسمية، بكتْ بِحُرقةٍ وهي تتأسفُ عن عدمِ حضورِها للعرسِ الذي بقيَ منه ساعاتٌ قليلة، وَعدَها بأنها ستكونُ في الموعدِ وستلبسُ أحسنَ من صديقاتِها، قالت له وهي تغالبُ دموعَ فرحِها صحيح.. صحيح يا....، مَرَّ بجوارهِما سائقُ سيارةِ نقلٍ يطمعُ في أي مشوارٍ يكسبُ منه بعضَ النقود ، استوقفَه وعرضَ عليه الذهابَ به إلى المدينة، فرِحَ بالمبلغِ الذي سيكسبه من ورائه، قال لها: ابقِ مكاني في الدكانِ ولن أتأخرَ عليك ، حثَّ السائقَ على السرعةِ والاستعجالِ حتى وصلا المدينةَ ومن حُسنِ حظِّه أنَّ باعةَ الأحذيةِ يقعون في طرفِ السُّوقِ الذي بدا خاليًا من الزحام، نزلَ ليجدَ أنواعَ جديدة، عرضَ على البائعِ أن يشتريَ منه كمياتٍ كبيرة، أو الكارتون بأكمله، فرح بمَنْ سيريحُه مِنْ هَمِّ انتظارِ الزبائنِ على فترات، عاد إلى (أغصان) فوجدَها قد باعتْ له ببركةِ دموعِها مالم يبعْه لو كانَ مكانَها، شهقتْ وهي تراه قد عاد بهذه السرعة، فتحَ الكارتون ونثرَه أمامَها وطلبَ منها أن تختارَ لونين تفضلهما، اختارتْ واحدةً واختارَ لها أخرى، مدَّتْ بيدِها تريدُ أن تدفعَ قيمةَ الحذاءِ فابتسمَ في وجهها وعفا عنها، قال لها : إذا تزوجتِ ادفعي لي من مهركِ أضعافًا، خرجتْ من عنده وهي تكادُ تطيرُ من الفرح، حضرتِ العُرسَ في ليلتينِ منفصلتين بفردتيْ حذاء مختلفتين، عندما كبرتْ كان قد أغلقَ الدكانَ الصغير ، كبرَ وصارَ رجلًا يريد أن يتزوج ، سأل عنها فقيل إنها عزباءُ للزواج ، تزوجها والدُّكانُ القديمُ لايزالُ مغلقًا بلا أحذيةٍ أو موادَّ معلبة، اقترحتْ عليه أن يُعيدَ فَتْحَه مرةً أخرى ، همتْ عيناه حتى سالتْ على ملابسِها، قال لها: أغصان!! يريدُ أن يقولَ لها : أُحبكِ، ردَّت عليه.... ولم تُكملْ حديثَها.... ، تذكرتْ عندما جاءتْ إليه صغيرةً تَوَدُّ أن تستبدلَ حذاءَها المقطوع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى