د. كاميليا عبد الفتاح - السُّترة.. قصة قصيرة

اقتحمها العطرُ النافذ ، حين كان زوجُها ينظفُ ثوبَ الدمية الجميلة المعروضة للبيع ، والذي اتسخ من عوادم السيارات والغبار المتطاير من أحذية المارة . أسند ظهر الدمية بجوار أعواد البخور - التي أشعل بعضها لجذب الزبائن - وعلب الثقاب وعلب السجائر الرخيصة على سورمستشفى الأورام ، الذي استأصل فيه أحدَ ثدييها بعد أن باع كل ما يملك ، حتى لم يتبق له سوى هذه البضاعة الهزيلة و السجادة القديمة التي أصرّ - مثل كل يوم- أن تجلس عليها ، مُلقيا على ساقيها سُترتَه القديمة لتتدثر بها من البرد ، فأدخلت إحدى قدميها في أحد الكُمّين ، ولفّت ساقها فوق الساق الأخرى ، حتى سحقت رقبةَ السّترة بينهما .

انبعث العطرُ من السيارة الفاخرة التي اندفعت ناحية الرصيف ، فلملمت ساقيها سريعا ، وقد أيقنت أنها ستدهسُها ، انزلقت سُترةُ زوجها على التراب ، وانكشفت بضاضة إحدى الساقين ، أسرعت في ارتباك تُغطيها بالسُّترة المُتربة ، في الوقت الذي فتح فيه باب سيارته الفاخرة ، مائلا من فوق مقعده الوثير ، وهو يمدّ كفه بورقة مالية كبيرة لشراء علبة ثقاب ، وعيناه تتنقلان بين عينيها اللوزيتين ، وشفتيها الممتلئتين المنفرجتين- كآهةٍ مُرجَأة - وثدييها النافرين تحت الثوب كنداء عاجلٍ . كادت الدميةُ تقعُ من فوق السور حين رفع الزوجُ يده عنها ليمسكَ بالورقة المالية ، فوضعها بجوار علب الثقاب التي حصل صاحبُ السيارة على واحدة منها ، وعيناه تخترقان الثوب ، فأسرعتْ دون وعي تعدلُ طاقية زوجها القطنية التي وضعها بيده بديلا للثدي المُستأَصل ، بعد أن حشاها بما تبقى من مِزق جلبابه القديم ، وخاط حواشيها بالغرزة العمياء ، وثبّتها بدقة وهو يربّتُ على كتفها مُهوّنًا .
حدق في ارتباكها مُبتسما وهو يزيحُ يدَ زوجها التي امتدت ببقية الورقة المالية ، أغلق باب سيارته ، فاندفع الهواءُ مُطفئا أعواد البخور ، حاملا موجة عالية من عطره النفاذ ، أخرج عود ثقاب ، أشعل غليونه الذي صُنع تجويفُه من الورد البري ، وهو يحدّقُ في المرآة الجانبية لسيارته ، يتابعُ احمرار وجنتيها وتراجع رأسها إلى الوراء ، وهي تُوسعُ لعطره طريقا في مسامها .
كانت فترة غيابها كافية لاتساخ ثوب الدمية وتلطّخ وجهها بسواد عوادم السيارات ، بعد أن انشغل الزوجُ بالتحديق في كل سيارة فاخرة بحثا عنها ، و إشعال أعواد بخوره كلما انبعثت رائحة عطر نافذ من إحداها .
وحين رآها تُجرّرُ قدميها من بعيد بثدي واحد ، دون سترة ، أدرك أن طاقية رأسه سقطت منها في التراب . اقتربت منه ، عادت برأسها إلى الوراء ، وهي تتشمم رائحة بخوره ، عاد برأسه إلى الوراء حين دهمه العطرُ النافذُ منبعثا من كل موضع في جسدها ، انحنت على يديه باكية ، دفعها بعنف وهو يلملم جسده المرتعش ، أبعدها عن سجادته القديمة ، نزع عن الدمية ثوبها المُتسخ ، كوّره ، دسّه في موضع الثدي الضائع ، ارتفعت ضحكته مخيفةً ، وهو يرفع الدمية عاريةً ، يعرضها للبيع مهرولا بين السيارات الفاخرة .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى