- رسالة القاص محسن الخفاجي إلى الرئيس جورج دبليو بوش من معتقله في سجن (بوكا)

سيادة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ـ البيت الأبيض / واشنطن
صباح الخير سيادة الرئيس. أنا محسن خريش عبيد الخفاجي أقدم معتقل عراقي في معتقلات العزلة في أقصى الجنوب العراقي، حتى أقدم من رجال القائمة الخمسة والخمسين. أخذتني حسن النية إليكم وتصورت أنني سأجد ملاذا أمناً فما وجدت سوى الأصفاد وطقطقة العظام.
يعرفني العالم بأنني لا أحترف شيئا سوى الكتابة. وأحيانا أنا رسام وخطاط الجيد وجليس أسطوري في مقاهي المدينة حيث أنا من سكنة أور التي قربها جلست آلهة الحرف ترسم حلم الحضارة لتولد. لست متزوجا ولاأملك في هذا الوطن شبرا عدا غرفة في بيت ورثته مع أخوتي تتناثر فيها الكتب وأسطوانات مضغوطة لأفلام أكثرها منتج في هوليود. فأنا احب الغرب ليس لأنه يرتدي الخوذة ويذهب بعيدا إلى بلدان يريد أن يؤسس فيها ديمقراطية هيمنغتون. بل لأن همنغواي ووالت ويتمان وشارون ستون وجون أبدايك وماكليش ومارلين مورنو يبعثون في شهوة لأكون اكثر سعادة من صاحب مطحنة أو ناطحة سحاب ولهذا كل حياتي هي طوفان في حلم وعدا هذا قد لا أعرف شيئا غير صحبة الكتاب والترجمة والبيضة المسلوقة.
أنا روائي أي الكتابة هي كل ما عرفته وهاهي الآن أسيرة عندكم لعامين وأشهر مجرد رقم بين الأرقام التي تمتلئ بها حاسبة المعتقل. لم يحقق معي منذ اكثر من عام. وبلغت أكثر من مرة أن علي مغادرة السجن وينبغي ان أجئ بكفيل.
ولكن الأمر لم يكن سوى لعبة بيسبول حيث يمارس علي أنا الأديب العراقي جزء من حرب نفسية ولامبالاة وحتى إهمال وكأنني شاركت الرئيس السابق حكم العراق طوال كل تلك السنين ولو سألتم أهل الناصرية وهي مدينة مستلبة قبعت في الجنوب العراقي قرب مدينة أور الأثرية التي ولد فيها نبي الإشراق والتبشير إبراهيم الخليل غ لوجدتم أنني لم أبصم يوما ما على ورقة انتماء إلى أي حزب سياسي عدا انتمائي إلى اتحاد الأدباء والكتاب في بلدي ونقابة الفنانين والمعلمين كوني كنت معلما قبل أن أحيل نفسي إلى التقاعد مبكرا تخلصا من احراجات قواطع الحرب ولأتفرغ لكتابتي الإبداعية، وبقيت أمسك بوهيمية الحلم لأعيش لذاتي فلا ادري أن كان المليون دينار يساوي دينار أم الدينار يساوي مليون ورغم هذا وجدت نفسي بينكم. تتبدل طواقم المعتقلات وأنا باق. تمر الأيام وأنا باق. تناشدكم المنظمات الدولية والشرفاء في هذا العالم وأنا باق. وربما أموت وأنا باق عندكم.
أيها الرئيس.
أنا لست الفوهرور ولا وطبان أو علي كيماوي ولست موسليني أو بن لادن. أنا كاتب قصة ومحتسي شاي جيد وصانع حلم ورغبة وبها قدمت إليكم عساكم تستفادون من رؤى مخيلتي لإسقاط بعض أوهام المجيء إلى العراق.وفجأة وجدت نفسي مرميا في قفص من الأسلاك الشائكة.
لا أريد أن اصف أيام الاعتقال الأولى فهي أكثر من محنة غير أنني بعد كل هذه الأزمنة الطويلة والتي اكتوت بها عذابات روحي لأقاد إلى شيخوخة مبكرة أقول أنا برئ سيادة الرئيس. لا امتلك من الذنوب ما أسيء به ألي البنتاغون والصقر النيفادي وليس في نيتي النظر شزراً إلى تمثال الحرية.
أريد أن أعود إلى حضن وطني ومثل نوارس بلادي أريد أن أتمتع بحرية الطيران.
بقيتم أم غادرتم هذا أمر مابات يعنيني هنا لأنني في قفص وذاكرتي مشدودة إلى تعداد الصباح والمساء. في خارج المعتقل هناك من يعنيهم هذا الأمر وأنا احلم مثلما يحلمون وأتمنى أن لا يصيب أحدهم ما أصابني من عزلة وقهر وكآبة.
سيادة الرئيس..
أنتظر أن تصلك رسالتي. وانتظر لأحد الطيبين والشرفاء الكثر في هذا العالم أن يترجمها ويوصلها إلى مكتبك البيضاوي بعد أم تمر خجلة بممرات البيت الرئاسي وترفع قبعة الاحترام لصورة الرئيس ويلسن صاحب مبادئ حقوق الإنسان الشهيرة وهي موجودة في القاعة الرئاسية الزرقاء وحتماً سيهب معها متضامنا ويدون بيد مرتعشة ورقة توصية من رئيس جد إلى رئيس حفيد وحتما ستتعامل معها بجدية وتقول: أطلقوا هذا الطائر من قفصه..

القاص والروائي العراقي محسن الخفاجي
سجن بوكا الثالثة ظهرا / المدينة العراقية أم قصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى