محمد صالح البحر - نوافذُ الضوءِ.. قصة قصيرة

هتف راجيا:

ـ دعني أنام قليلًا.

غير أن رنين المنبه استمرّ في صراخه الصاخب، فلم يجد بُدًا من مد يده باتجاهه، أطفأه لكنه أطفأ النوم بداخله أيضًا، فقد كان يعلم أن أقل حركة تصدر عنه كفيلة بإيقاظه، حتى لو اكتفى بفتح عينيه في ظلام الغرفة، لكنه لم يحتمل الصراخ، ولم يجد شيئا يفعله بعد اليقظة التي ملأتْ روحه، سوى أن يُسرِّبها بهدوء إلى جسده كي يكتمل الصحو، ويبدأ طقوس يومه المعتادة، التي لم تتغير منذ أربعين سنة مرتْ قبل أن يبدأ هذا اليوم الآن، تمطّى وكاد يرسل للسماء ـ التي يعلم يقينا أنها تقف أعلى السقف الذي يحجبه عنها ـ دعاءه المُعتاد بأن تشق ظلامها شمس لينة، وقادرة على أن تجعل يومه سهلًا، وهو يمر من خلاله إلى الخاتمة الحسنة التي يأمل أن يجدها في نهاية العمر، لكنه تذكر فجأة أنه اليوم الأخير له في المصنع، فتجمعت الدموع في عينيه.

انسلّ وئيدًا وحزينًا من السرير كي لا يوقظ زوجته، وفي المسافة الفاصلة بين غرفته والحمّام أقنع نفسه بأن لكل شيء نهاية، ثم ذكَّرها بأنه الرجل الذي يأمل دومًا في النهايات السعيدة الهادئة، ولا يكل من أجل الوصول إليها، فتأكد اقتناعه بالهدوء، حتى خُيِّل إليه أنه يرى شعاعًا من الرضا يمر أمام عينيه كبرق خاطف، وأن لمسته السريعة له اقتلعتْ من روحه الحزن والألم، وأخمدتْ في جسده الرعشة التي أنبتها قلق السؤال المحير، الذي لم يعرف إجابته على مدار الشهرين الماضيين، كيف ستسير الحياة من بعد؟! هكذا وجد قدميه تثبتان في سيرهما على الأرض، فدخل الحمام بطمأنينة شديدة، كأن روحه قد رُدَّتْ إليه، وزاد اطمئنانه وهو يشعر بتدفق السموم من بطنه ومثانته في قاعدة الحمام بسهولة لم يعهدها من قبل، حتى أنه ابتسم، ونظر عن يمينه ليقذف بسمته خلف شعاع الرضا الذي لمسه قبل قليل، راجيًا أن تلحق به في الأعلى، وكاد ينتشي ببرودة الماء على وجهه وهي تهبه الصحو، لولا أنه نظر في المرآة، وباغتته صورته بنظرة مقابلة وممتلئة باستغراب بالغ، مثل حقيقة تصفعه على وجهه بعنف وهي تكشف أمام عينيه كل شيء، فانفجرت عيناه بالدموع التي تجمعت فيهما قبل أن يدخل إلى الحمام.

خرج وئيدًا وحزينًا ووحيدًا، وفوجئ بصوت انهمار الماء في حوض المطبخ فوق رؤوس الأطباق والملاعق والأكواب التي تكوّمت فيه، فانطبعت صورتهم أمام عينيه، تمامًا كما تركهم ليلة أمس وهو يخرج بآخر كوب شاي له قبل أن يلتهمه النوم، فعرفَ أن زوجته قد استيقظت، لكنه لم يعرف على وجه الدقة إذا ما كان صوت المنبه قد أزعجها، على غير ما اعتادتْ طوال السنوات الماضية، أم أنه لم يكن حريصًا بالقدر الكافي لإحداث الهدوء أثناء حركته من الغرفة إلى الحمام؟! وقبل أن يعثر على إجابة تريحه بانحيازها إلى أحد الاحتمالين، أو تأتي حتى باحتمال آخر يخصها وحدها من دونه، شعر بأن الصفعة القوية التي التهمتْ وجهه في الحمام تنسل بعيدًا عن روحه، وتسحب معها كل الألم الذي اعتصره في الداخل، والمرارة التي تعلق بروحه منذ شهرين تقريبًا، عندما أخبرته إدارة المصنع أن من حقه أن يأخذهما كإجازة مستحقة بأجر كامل قبل إحالته إلى المعاش، ورفض تمامًا الاستسلام لطلبها، ارتاح لإحساسه الجديد بالراحة، ولم يفاجأ بخروج زوجته من المطبخ وهي تحمل ابتسامة كبيرة على وجهها، وتُجسدها في خده على هيئة قبلة حانية، وهامسة بأمنيات الصباح الذي يحمل الخير، وفرح البقاء الطويل إلى جوارها، بدا كرجل مثالي يحمل أعباءه، ويؤدي دوره على أكمل وجه، دون أدنى انتظار لأي ضوء يمكن أن يشير إليه، ولو من بعيد، وبدتْ زوجته كمن يمد يديه بتورتة عيد ميلاد سيمر ببهجته الراضية المعتادة، ومن المستحيل أن يردها بخيبة عدم القبول، ابتسم واهنًا، ورد القبلة كأنما يرميها في الهواء، واستدار ملهوفًا إلى غرفته ليرتدي ملابس الخروج، تعلل بتأخره عن العمل، وطلب منها تجهيز إفطار سريع له طالما أنها استيقظت، كان يلمح بطرف عينيه يديها اللتين ظلتا معلقتين في الهواء لفترة وجيزة، ثم تراختا مع انكسارها وهبوط بسمتها في الأرض، لكنه لم يأبه لذلك، وكانت تشعر بأنه تركها كمن لا يؤمن بوجودها، لكنه ظل يردد في نفسه بصمت أن هذا هو حال الرجال جميعًا، وإلا كيف سيحملون مسئولياتهم فوق أكتافهم، ويمشون بها؟!

أكمل ارتداء ملابسه بلهفة رجل يأمل أن يظل ملتزمًا إلى النهاية, ولمح وهو يخرج من البيت كأن زوجته لا تزال تقف مكانها في الطُرْقَة المؤدية إلى المطبخ كتمثال صامت، تتدلى يداها بارتخاء منكسر، وتمتد عيناها نحوه بحزن وخيبة أمل، لكنه كان في مواجهة الشارع الذي سحب عينيه سريعًا كأنما ليريه امتداده الهادئ أمامهما تحت سماء صافية، تبدأ الآن في صبغ نفسها بوهج الزرقة الذي تقذفه إليها الشمس من بعيد، قبل أن تأتي لتبدأ نهار اليوم، وكان قد دفع باب البيت ليُغلق من خلفه، فأخفض عينيه عن الشارع واستدار ليتأكد من إحكام غلقه، غير أنه لم يعرف على وجه الدقة هل لمح طرف عينيه ذلك الطفل حقا؟! أم خُيَّل إليه أن ثمة طفلًا صغيرًا يقطع عرض الشارع أمام عينيه، هناك في آخر الامتداد الهادئ تحت الزرقة، ولوهلة أحس بأنه يعرفه، أن أمره يهمه لسبب ما لم يستطع تفسيره، وتساءل في نفسه، ما الذي يخرجه وحيدًا في هذا الوقت المبكر؟! لكن باب البيت كان قد انغلق تماما من خلفه، فاجأه صوت اصطدامه بالإطار الخشبي المثبت في الحائط، كأنما قنبلة تنفجر بغتة عن دوي مفزع، وشعر كأن شعاعا من ضوء أبيض قد انسلّ سريعًا وخرج من خلفه، حاول أن يقبص عليه بعينيه، لكنه بدا أسرع من نظرته الخاطفة، ولسبب ما شعر بأنه سيلازمه على طول الطريق إلى المصنع.

لأول مرة منذ أربعين عامًا مضت يفوته أتوبيس العاملين بالمصنع، كان موقنًا أنه قد تأخّر بعض الشيء، لكنه رجى الوقت كثيرا كي تسعفه لهفته في الطريق على اللحاق بموعده، وقف محتارًا، وانزلقت روحه بين ألم الرجوع إلى البيت لأول مرة في حياته، أو مرارة الوقوف كتلميذ خائب بين يديّ مدير المصنع، وهو يؤنبه على خيبة أمله فيه، كأيقونة المصنع المثالية على مدار العقود الأربعة الفائتة، بأكثر مما يؤنبه على التأخير، وظلّ غارقًا في حيرته حتى هداه تفكيره للِّجوء إلى سيارات الأجرة بالموقف، آملا أن تسعفه سرعتها المضاعفة عن سرعة الأتوبيس القديم، المتهالك، في انقاذ صورته، ليس فقط أمام الجميع، بل وأمام نفسه أيضًا في آخر يوم عمل له.

تعذّبه الطريق إلى النهايات السعيدة، لذلك لا يكف عن الجري خلفها، ولا يمل من أمل الوصول الدائم إلى طعم حلاوتها في نفسه، آخر صورة له يتركها في أذهان الآخرين هي ما شَكَّلَ مجرى حياته كلها إلى الآن، يريدها دائمًا بيضاء ناصعة، ولا يرتاح إلا مع شعوره بنعومة ملمسها في روحه، إذ تنقذف إليها من ابتسامات الآخرين في وجهه، أو نظرات رضاهم عنه، أو هسيس دعواتهم الصادقة له وهو يطرق باب أذنيه واضحًا كل ليل، كلما وضع رأسه على المخدة ليخلد إلى راحة النوم، ولم ينكر على مدار حياته كلها أن الارتياح الأكبر ظل يأتيه دائمًا من زوجته وبنتيه، بعدما قطع الموت ارتياح أبويه نحوه من قبلهم، وتركه نهبا للقلق والوحدة وخيبة الأمل، إلى أن جاءوا وأكملوا نقصان الروح.

تعلقت عيناه برجاء صامت نحو السائق الذي بدا وكأنه يتعجّب كثيرًا من لهفته، أو أن لهفته بدت في عينيه غير مبررة على الإطلاق، حتى أن السائق بدا مضطرًا ـ وهو يخبره بأنه لم يبق على اكتمال العربة سوى فرد واحد ـ أن يدعوه إلى الهدوء بذلك الصوت الذي بدا وكأنه مكتوم على الغيظ، كان يعلم غلظة سائقي سيارات الأجرة، ربما لم يَخْبَرها كثيرًا مع حالة الالتزام الشديد التي بدا عليها طوال حياته، لكنه سمع عنها كثيرًا من زملاء العمل، ورآها في مواقف قليلة لكنها قادرة على إثبات صحة كل كلمة نقلتها أفواههم إلى أذنيه، لذلك استكان إلى رسالة الهدوء، وصرف ذهنه عن التفكير في أي شيء آخر يمكن أن يتطوّر إليه الأمر، وما إن استوى على مقعده حتى رأى الرجل المنتَظَر يجلس إلى جواره مباشرة وكأنه يهبط من السماء، للحظة شعر أن شعاعًا من الضوء قد تجسد إلى جواره في غفلة من عينيه، لكنه لم يُتعب عقله في التفكير، فقد كان كل همّه أن يصل إلى المصنع قبل وصول الأتوبيس، أو على الأقل معه، ثم يتسرّب وسط زملائه في دخولهم المزدحم وكأنه كان معهم، راجيًا ألا يلحظ أحدهم ذلك، نظر في فراغ السيارة بدهشة وكأنه يبحث عن الشعاع الذي جَسَّدَ الشاب الصغير إلى جواره ليقبله شاكرًا، وعندما لم يجد شيئا أسلم نفسه طواعية لانتعاشه الهواء البارد، التي أتته من نافذة السيارة المفتوحة على البراح وهي تُسلم نفسها للريح، وسرعان ما أغمض عينيه عليها متلذذًا بنعومة ملمسها على وجهه.

لم يشعر بالوقت الذي مر، فتح عينيه على شعوره بالكف التي تهز كتفه بليونة لتهبه الانتباه إليها، فرأى الشارع لا يزال يجري إلى الخلف عبر نافذة السيارة، وعندما مشت نظرته من الكف التي تلمس كتفه، ووصلت إلى وجه الشاب الذي يجلس إلى جواره، ويهزه مبتسما بود، شعر بأنه يعرفه، وسرعان ما دخله يقين بأنه قد التقى به من قبل، وإن لم يقدر على تذكر متى أو أين حدث ذلك؟! ثم أخبر نفسه بأن الوجوه تتشابه، والأرواح تتآلف ربما دون سبب ظاهر، لكنه وهو يُنحّي كل هذه المشاعر في ركن ما من روحه بدا مرتاحًا جدًا في نظرته المتسائلة إلى الشاب، الذي أخبره بأن السيارة قد قاربت على الوصول إلى المصنع، وأن عليه أن يظل يقظًا كي لا يفوته المكان أو الموعد، ابتسم في وجهه الشاب وهو يردد كلمة الشكر، وعرف أن إغفاءة ما قد أصابته في اللحظات القليلة التي مرَّت، لكنه استغرب كثيرا لذلك الشعور الضخم بالتعب الذي ينتابه فجأة، ويتشكل على هيئة صداع رهيب يكاد يعصر رأسه، وما إن عَدَّلَ من وضع رأسه ليستوي على مسند المقعد حتى سمع صوت الشاب يأتيه بوضوح، رغم تأكده التام بأنه كان يهمس لنفسه:

ـ كان أبي أيضًا يعمل في المصنع.

انتبه إليه، فابتسم الشاب وكأنه يفرح بقدرته على جذب انتباهه إليه مرة أخرى، وبسرعة خاطفة أخرج هاتفه المحمول من جيب بنطاله، واقترب بود حتى ألصق كتفه به، وحتى أنه لم يعطه الفرصة للسؤال أو التفكير في منْ يمكن أن يكون أبوه هذا؟! وما علاقته به؟! ولا إلى أي مصير أصبح عليه الآن فعل “كان” الذي نطق به؟! وضع الشاب الهاتف في يده كأنما يدس إليه سرًا عظيمًا، وأشارتْ سبابته بثقة:

ـ هنا يكمن كل شيء، كلما اشتقتُ إلى أبي وضعتُ وجهي في هذه الشاشة، وضغطتُ بإصبعي عليها.

حاول أن يبدي دهشته للشاب عبر الكثير من الأسئلة التي تزاحمت في رأسه، غير أن الشاب ابتسم في وجهه برضا أجبره على الصمت، صمت مكتوم على الدهشة والخوف في ذات الوقت، ونابت من عدم قدرته على تصديق أن الشاب قد استطاع أن يفعلها هكذا بمنتهى البساطة والعفوية، فقد كان وجهه مبتسمًا، بينما عيناه حادتان ومفتوحتان على حزم قاطع، لم يستطع معه سوى اللجوء إلى الصمت، والظن بأنه سيلبي طواعية كل ما يمكن أن يأمره به الشاب الآن، وكأنه تحت تأثير النوم المغناطيسي، غير أن الشاب أوقف السيارة ونزل مسرعًا، نزل بثقة وصمت راض ومبتسم، كأنه كان في مهمة وأداها على الوجه الأكمل، وبمجرد نزول الشاب اختفتْ كل الأسئلة من رأسه، بدتْ كأنما دخان سيجارة نفثه في البعيد بغير رجعه، وتابعت عيناه الشاب وهو يسير بعرض الطريق هابطا إلى النهر، وعندما داست قدماه أرض المعدية القديمة، المركونة الآن بإهمال على الشاطئ، التفت خلفه كأنما ينظر إليه عن عمد داخل السيارة، رآه يلوّح إليه بيده مودعًا، بينما المعدية التي تعطلت عن العمل ـ منذ أيام شبابه الموغل الآن في الزمن ـ تقطع به النهر إلى الجهة الأخرى من المدينة، ورأى نفسه مدفوعًا بقوة ما إلى النظر في الهاتف.

كانت السيارة تسير بوهن هادئ وانسيابية، كأن عجلاتها قد ارتفعت عن الإسفلت، وفي الغبش الفضي للصباح البكر شعر أنها تسير خارج إطار الزمن، أنه وحيد في مركبة ما، بفضاء ما، ولا شيء يحوم من حوله سوى صورته التي تبدو بوضوح تام في شاشه الهاتف المطفأ على سواد لامع، والذي كلما حاول إسقاطه بين فخذيه، أو حتى إخفاءه داخل أحد جيوبه ليُبعده عن عينيه، يشعر أن كفه ترتفع بقوة خفية ليستوي الهاتف أمام عينيه مرة أخرى، ولتبدو صورته في مواجهته تمامًا، وعندما لم يستطع إبعاد عينيه رَدَّ الأمر كله إلى رغبة الفضول التي اكتشفها بداخله منذ الصغر، وظلت تكبر معه إلى الآن، فقرر أن يضغط على الصورة، هكذا امتدّ إصبعه السبابة إلى الأمام ساحبًا يده كلها باتجاه شاشة الهاتف، وبدت صورته في الهاتف كأنما تنظر إلى إصبعه، فتحول هدوؤها المستكين على الصمت إلى حذر مترقب، وظلت عيناها تتسعان على الخوف كلما شعرتا باقتراب سبابته منها، كأن خطرا عظيما من المنتظر أن يقع، حتى انتفتْ المسافة الفاصلة بينهما، فأغمضت الصورة عينيها على الاستسلام والظلام، وسقط الإصبع بينهما تمامًا.

أضاءتْ الشاشة كأنما روح عظيمة تنقذف في حياته كلها لتعيد بعثها من جديد، نجم سماوي ضخم ومنير يقترب من سنين عمره كلها، ليكشف كل شيء في صورته التي رآها، وفي حقيقته التي توارت عنه، أو أغمض عينيه عنها طواعية كي تمضي في هدوء، وبعيدًا عن أي احتمالات ممكنة للصخب، أو الصراخ، أو حتى مجرد الوجع الواهن الذي يمكن للروح أن تستعيده في لحظة مماثلة، هكذا بدت له حياته في الشاشة مثل شريط سينمائي للصور التي لا تكف عن التدفق في تلاحقها المتواصل، وإن بدا ازدحامها منظمًا ودقيقاً، وقاصرًا لضوئه الكاشف على اللحظات التي صنعت الوهج، وحفرت في الروح، وهكذا رأى نفسه في الشاشة وليدًا ينقذف بصعوبة بالغة بين فخذيّ أم لا تكف عن الصراخ والألم، ليرتمي فوق جثث الكثير من إخوته الذين سبقوه إلى الموت، ولتلقفه يد الأب بكل الحرص الذي علمته له الدنيا حتى أدركه الشيب وحيدًا وفقيرًا وقد تجاوز الأربعين من عمره، احتضنه بماء خلاصه، وبقطرات الدم التي لا تزال تتساقط من حبل سرته الذي رُبِطَ على عجل، وظلّ يتكوّر من فوقه بدموع غزيرة، وعقل مشوش من عدم قدرته على تصديق ما يرى بين يديه، حتى كاد الوليد أن يختنق في صدره لولا أن نبهته الداية، وانتزعت الوليد من بين ذراعيه عنوة، لتضعه في حضن أمه التي تخلصت للتو من آلام مخاضها، وراحت تبكي على بكاء زوجها، ثم تفرح لفرحه، تحسست الوليد في حضنها بأصابع مرتعشة كأنما تتأكد من حقيقة وجوده بين يديها، وبالكاد استطاعت أن تغالب دموعها ورعشتها حتى هدأت، وامتدت يدها ببطء بالغ لتسحب عليهما الملاءة السوداء التي تغطي نصفها السفلي، فعم الظلام الشاشة كلها، لتضيء بعد فترة وجيزة على طفل صغير يقطع عرض الشارع الممتد في عمق الشاشة وسط بيوت خشبية واطئة وفقيرة، ترقد بعشوائية على الجانب المهمل من النهر كأنها بصقة المدينة التي لفظتها بعيدا لتُطهر داخلها، وتتمطى بتعب كأنها لم تكتفِ بعد من ليل قصير لا يهب الراحة كاملة، تحت سماء صافية وفضية ـ لم تهتك الشمس بكارتها بعد في هذا الوقت المبكر من الصباح ـ يتسلل الطفل بهدوء وتلقائية كأنما نداهة ما تشده إلى بيت الجارة المقابل؛ لتتفتح في عينيه الألوان الصاخبة لزهور عالم الجِنِّيَة الجميلة التي تسكن البيت، الرداء البيتي الأزرق تحت الضوء الأبيض، الزجاجة الطويلة التي تصب سائلها الأحمر في كوب زجاجي لامع وشفاف، الموسيقى التي تنساب بعذوبة طبول الحرب وهي تأتي من بعيد، تحمل بحماس شديد صوت المغنية التي تبحث عن “تمر حنة” وتتساءل عن مكان شرودها المجهول، والتواءات الجِنِّيَة الراقصة وهي تتجسد في عينيه كثعبان عظيم، اعتقد طويلا أنه لو دخل بطنه، أو اعتلى ظهره، فإنه سيلج حتما إلى الجنة بسهولة ويسر، لم تسعفه سنواته السبع لتسلق السور الخشبي، أو فتح مزلاجه من الداخل عبر فواصل الألواح الخشبية التي تقف أمامه بارتفاع المتر الواحد، فقبض بكفيه الصغيرتين على أطرافها العلوية المسنونة كرؤوس الحِراب، ووقف كمسحور يتفرج على الدنيا الجميلة وهي ترتفع به على مهل ليطير باتجاه السماء، لم ينتبه للدم الذي راح يتقاطر من يديه بلا ألم، لكنه انتبه فزعًا من صفعة الأم على عنقه، ومات في قبضتها الغاشمة على يده، وهي تسحبه بعيدًا عن طريق الشيطان، وتتوارى به داخل البيت الذي لم تعرف أبدًا، كيف يتسلل منه كل صباح؟!

وما إن اختفت صورة الطفل حتى ظهر الشاب الذي كان يجلس إلى جواره منذ قليل، كان يقف على شاطئ النهر في مواجهة المعدية التي بدت جديدة وعفيه، مثل حصان يضع أقدامه على أول مضمار السباق بتحفز كامل انتظارًا للحظة الانطلاق، وكان بياضها الزاهي يلمع تحت أشعة شمس الصبح اللينة كأنما ليخطف عينيه وهو يمدهما إلى الطرف الآخر للمدينة، فيما يتقاطر أقرانه من خلفه هابطين إلى النهر، ومنسلين من جانبيه إلى داخل المعدية لتعبر بهم إلى مدارسها، ونواديها، ومتنزهاتها، وكل أشكال الحياة التي ملأتْ روحه ولم يستطع اللحاق بها، بدا الشاب في وقوفه الصامت على الشاطئ كأنما حجر ضخم يعترض طريق تدفقهم المستقيم، فيضطرون إلى تفاديه، يتسرّبون كماء جارٍ على جانبيه بيسر وليونة، وتُحدث انحناءاتهم من حوله، ودهشتهم لوجوده، أصواتًا متداخلة كخرير متدفق وممتلئ باللغط، لكنه ينقذف في أذنيه بإيقاع واحد، صاخب ومدوي ولا يدعو لشيء إلا الصمم، وهو يملأ أذنيه عن آخرهما حتى لا يكاد يميز شيئا منه، وسرعان ما يتوارى خلف حُجُبٍ كثيفة من جدران شفافة لكنها محكمة الإغلاق، فتبدو أصواتهم وأسئلتهم المتداخلة كأنما تأتي من بعيد، من جوف الصمت، بحيث لا يبقى منها شيء سوى حركات أياديهم ووجوههم، فيبدون في عينيه مثل صُمٍّ لا يُجيدون التعبير عما يعتمل بدواخلهم، ويبدو الشاب في عيونهم مثل أبْلَه لا يُجيد فك شفرة أسئلتهم التي تريد الاطمئنان عليه، أو تتحسّس معرفة أحواله، أو تسأل لماذا أجبره والده على ترك المدرسة بعد المرحلة الإعدادية، وألحقه للعمل مبكرًا بالمصنع؟! فيظل يبتسم في وجوههم برضا، لم يكن يريد الركون إلى الصمت، لكنه عجز عن الكلام، يذكر الآن هذه اللحظة جيدًا، نظرة الحزن ـ التي ملأت عينيه خلف ابتسامته البلهاء ـ لم تكن ترى غير عُري أبيه خلف كل كلمة أراد أن ينطق بها، وعندما أراد اللجوء إلى الكذب ليكشف لهم أن السير في طريق أبيه، والتي قاربت على أيامها الأخيرة بالمصنع، أحب إليه من السير في الطريق التي حلم بها طويلا، عقد الصمت لسانه، فظل بلا إجابات حتى ملأهم اليأس، وتجسدت في عيونهم الدهشة، وأكلت الحسرة قلبه على بسمته التي كانت تُنير هدير تجمعاتهم اليومية على اختلاف تنوعها، وقتلها الاستسلام للغياب.

ربما لهذا تزوج مبكرًا جدًا؛ كي لا يرى أبناؤه انكسار عينيه عند نهاية طريقه في المصنع، وأمسكت يداه بقوة على كل النقود التي قتل نفسه من أجل وقوعها بينهما؛ كي لا يضطره مرور الوقت إلى قتل أحلامهم القادمة، ظل وفيا لأبويه حتى ماتا في إثر بعضهما، وعندما أصبح البيت الخشبي القديم ملكًا له تزوج من ابنة الجارة التي رفضها أبوه من قبل، يرى الآن كيف اجتهد في إعمار البيت، تاركًا أذنيه قريبًا من شفتيّ زوجته لتملأهما بموسيقى “تمر حنة”، وبكل ما استطاعتا قطفه من أغاني “فايزة أحمد”، ولا بأس أنها بدت نسخة باهتة من أمها، ففيما يبدو الآن أننا جميعا لسنا سوى نسخ باهتة، تسير على آثار الطريق بحرص ووهن، ولا تطأها بعمق مخافة أن تضل الطريق، لا بأس أيضًا طالما أنها استطاعت ـ رغم نقص الروح ـ أن تفتح له المزلاج الداخلي للسور الخشبي القديم، وأن تعالج جروح كفيه، حتى ذاق حلاوة الوجود تحت ما يشبه الضوء الأبيض، ولا بأس أبدًا ـ في نهاية الأمر ـ أنها لم تستطع أن تهبه سوى بنتين من الأبناء الكثيرين الذين أراد أن ينجبهم منها، أو أنها سرعان ما تركتهما معلقتين في رقبته، وماتت حتى قبل أن يدركهما البلوغ.

تنهّد طويلًا وهو يرى في أعلى جانبيّ الشاشة ابنتيه اللتين حملهما الزواج إلى أطراف المدن البعيدة، وكادت دمعتان ثقيلتان أن تفرا من عينيه، وهو يرى نفسه مجرد خاطر يمر على بالهما من بعيد، وقت الحزن فقط، وربما كبديل يمكن اللجوء إليه إذا أظلمت شاشة إحداهما، وفشلت روحها في إعادة الضوء إليها من جديد، غير أن البنت الكبرى في يمين الشاشة هشَّتْ بيدها في الهواء إلى جوار رأسها، وهي ترى بسمة زوجها تأتي نحوها من بعيد، وعندما أتتها إشارته تقدمت نحوه على مهل، كمن يرضى فقط كي يُكمل الطريق، فيما ظلت البنت الصغرى في يسار الشاشة تهز رأسها بالرفض حتى حمل الزوج بسمته إليها، فتقدمت معه على مهل، وقبل أن يواريهما باب الغرفة ألقت عينيها على مكان حزنها بأسى، كأنما تنقذ وجودها الهش من أنيابه المشرعة على الموت.

لوهلة وجيزة أراد أن يأسى على نفسه، وهو يرى حياته كلها كأنما تمر أمام عينيه على حين غفلة من لا شيء، ويتمنى لو أنه سار على طريق أخرى مختلفة، لكنه رأى نفسه ـ في آخر لقطات الشاشة ـ مقرفصًا بشرود بالغ أمام بوابة المصنع، وشيء ما يبدو فوق رأسه، شيء يشبه غيمة سوداء كبيرة، ظلت تتّسع ببطء حتى ملأتْ الشاشة كلها، وعلى مهلٍ ساد ظلام كثيف تواكب مع الوقوف الهادئ للسيارة أمام باب المصنع تمامًا، مصحوبًا بصوت السائق الذي يطالبه بالنزول.

لم يُدهشه اختفاء الهاتف فجأة من بين يديه، لم يدهشه كيف عرف السائق مكان نزوله، لم يُدهشه أنه طالبه بأجره فردين كاملين، أخذهما برضا وكأنهما قد اتفقا مسبقا على ذلك، لكن الهدوء القاتل الذي تجسد أمام بوابة المصنع أدهشه جدًا، كأنه أتى مبكرًا عن موعده، كان أفراد الأمن يفتحون البوابة للتو وكأنهم يفتحون عيونهم من نوم طويل وهانئ، وبدا ردهم على تحيته الصباحية متثائبًا ومتسائلا بصمت عن سبب مجيئه المبكر، تردّد قليلا فليست هذه بأجواء المصنع التي تتلمس أطراف الصخب، حتى قبل أن تتحسس الشمس جسد الظلام بضيائها الباهت قبل أن تأتي من البعيد، ربما راودته نفسه على السؤال، لكنه مشى الطُرقة الفسيحة المؤدية إلى باب العنبر بمحاذاة الثقة، ورَجَى كما اعتاد دومًا أن يجد زملاءه جميعًا بالداخل، في مواجهة الآلات التي تتجه الآن نحو سرعتها الكاملة لطحن بالات القطن، وربما اكتملتْ دورة بعضها ليرى خيوط الغَزْل على الجانب الآخر.

صدمه السكون وتمنّى لو أنه لم يفتح باب العنبر، أو لم يأتِ من الأساس، وصفعته العتمة بلا حدود على امتداد عينيه كحد سكين حامٍ، جَزَّ في جبهته عميقا ليبقى أثره على الدوام، وتراقصت خيوط الضوء الفضية بعينيه في سماء العنبر، وهي تبدو بوهن من فتحات التهوية القريبة من السقف لتُخبره بعدم مجيء الشمس، لكنه لم يصدق أي شيء، ولم يستمع لشيء سوى صوت داخِلِه الذي يُخبره بأنه يحلم، وأنه عما قريب سيستيقظ ليعود إلى حقيقته مرة أخرى، حقيقته التي لم تتخلَ يوما عن أمنيتها الدائمة في أن تكون لحظته القادمة مجرد حلم يسعى إليه، أو يرجو أن يأتيه طواعية عن طيب خاطر، أو أن يهبط عليه من السماء كمعجزة تخصه وحده فقط، صرخ بأعلى صوته بكل كلمات الاعتراض والرفض التي تعلمها، أو سمعها، أو كبتها بداخله على طول حياته التي تبدو له الآن مجرد لحظة تمر إلى جواره سريعا، دون أن يقدر على الإمساك بها، دون حتى أن يقبض عليها ولو بنظرة مدققة من عينيه، لكن شيئا لم يصدر عنه سوى آهة طويلة وممطوطة، مثل صرخة أبكم يعجز عن انقاذ روحه بين شِقَّي رحى في صحراء واسعة ومعتمة، ولولا أن صداها قد تردد طويلا في فضاء العنبر لم يكن ليسمعها.

عندما مات الصدى في أذنيه ردد في نفسه بصمت:

ـ أنا أحلم، إنه مجرد حلم وسيمر سريعًا.

وصفع وجهه كي يفيق، لكنه لم يشعر بشيء غير السكون والعتمة، وفتحات الضوء الواهنة التي تبدو كنوافذ تـنفتح على السماء، فراح يلطم وجهه بكفيه دون جدوى، جرى كمجنون إلى مكان أزرار الكهرباء التي تهب النور للعنبر، والحركة للآلات، والرؤية لكل الناس الذين يسعون في مساحته الشاسعة، ضغطها لأعلى وأسفل عشرات المرات لكنها لم تستطع أن تهبه ولو شعاعًا واحدًا من النور، يقدر على إحياء الأمل بروحه التي يشعر أنها تنهار الآن مع كل ضربة توجهها قبضته إلى الأزرار، أحسّ أنه يهوي إلى الأرض فتصلبتْ عضلات قدميه في اتكائهما عليها، واستند بكفيه على جدار العنبر حتى استطاع أن يستعيد توازنه، لكنه عندما جرى مرة أخرى، جرى كمجنون حقيقي لا يعرف لماذا يجري؟! ولا إلى أين يجري؟! كل ما شعر به أنه يهتز ويتخبّط ويوغل في العتمة إلى عمق العنبر، كأنه يهوي في بئر بلا منتهى أو قرار، وعندما دفعته قوة ما للنظر إلى أعلى رأى خطين من الضوء يسقطان من نوافذ السماء، وفي العتمة التي تتكاثر من حوله كسُحُب سوداء كثيفة تَجَسَّدَ الطفل الذي قطع عرض الشارع، والشاب الذي نزل من السيارة مسرعًا، كانا يسيران بمحاذاته بحدة وثقة، ويبتسمان في وجهه كأنما يحثانه على المزيد من الجري إلى نهاية لا يعرفها، حتى أُنهك تماما، وثقل جسده، ولم تقدر قدماه على حمله ولو لخطوة واحدة أخرى باتجاه العتمة، توقف لاهثًا واتكأ بكفيه على ركبتيه، كان يحاول استلاب قدر كاف من الهواء يُسكت به صراخ رئتيه، لكنهما امتلأتا بالعتمة، وامتلأت أذناه بصخب التصفيق والصفير المحموم للطفل والشاب، وهما يجتهدان في تحفيزه على مواصلة الطريق، كان لا يرى شيئا غيرهما وسط العتمة التي سيطرت، لكنه حين رفع وجهه باتجاههما، مندهشًا ومتسائلًا، رأى نفسه قريبًا من نهاية العنبر، ورأى في حائطه الأخير ثقبًا دائريًا يكفي لعبور فرد واحد فقط، ويفتح على غرفة صغيرة ومدهونة بما يشبه الضوء الأبيض، تأوه الطفل والشاب وكأنهما فوجئا باكتشافه لوجود الغرفة، فامتلأتْ روحه بالقلق، وظل يحدق بعينيه نحوها، وكلما أمعن النظر إليها ازداد الثقب اتساعًا في عينيه، وكشفت الغرفة عن محتوياتها، يرى الآن أجسادًا بملابس بيضاء واسعة، تقف في ضوء أبيض ويرفرف الهواء ملابسها إلى الداخل، وعندما بلغ الثقب آخر اتساع له كشف عن وجوهها أيضًا.

هالهُ أن يرى زوجته تقف بصمت، مغمضة العينين، وعاقدة ذراعيها على صدرها في سكون عميق، كأنها تنام منذ عشرات السنين بلا صخب، ومن خلفها رأى أبويه على ذات الحال، ومن خلفهما رأى ـ إلى آخر امتداد عينيه في العمق الغائر ـ الكثير من الأجساد البيضاء الصامتة والملتحفة بالسكون، لم يكن يعرفهم، لكنهم جميعًا فتحوا عيونهم نحوه بشغف مع اكتمال اتساع الثقب، جميعهم بدوا وكأنهم ينتظرونه على موعد مسبق، ومع تهلل وجوههم بفرحه الوصول انفك انعقاد أياديهم عن صدورهم وامتدت نحوه، بدتْ كأنها تنادي عليه بصمت وهدوء وسكينة، ليعبر الثقب، ويقف إلى جوارهم.

غير أنه لم يعبر، بل امتلأ بالمزيد من الرعب الذي بعث في روحه انتفاضة لم يذق طعمها من قبل، ولم يسعفه الوقت ليعرف إذا ما كان قد استلذّ له أم لا، لقد انتبه على هزّة قوية أصابت جسده كله، فاعتدل ليقف بثبات وقوة في مواجهة الطفل والشاب، وكانا قد انتبها أيضًا مثله، وكأن الانتفاضة التي أصابته قد أصابتهما في ذات الوقت، فامتلأوا جميعًا بحماس غريب يشبه الحُمَّى، ورغبة عارمة في الجري والهروب من مجهول لم يتبينوا ملامحه بعد، وإحساس مبهم بأنهم يهربون إليه، وفي نفس الوقت الذي انطلقتْ فيه ساقاه للعودة والهروب باتجاه باب العنبر، كان الطفل والشاب ينطلقان بذات السرعة باتجاه الثقب، وبمجرد عبورهما فيه انسد من خلفهما كأنه لم يحدث من قبل، وعندما سادت العتمة من خلفه كان قد عبر باب العنبر بالفعل، وقطع من الطُرقة التي تفصله عن بوابة المصنع مسافة لا بأس بها، مسافة كافية لكي تقذفه بعد خطوة واحدة فقط لعبور البوابة الكبيرة، وتلمُّس أطراف النجاة، إذا استطاع أن يطير إليها.

هكذا استجمع كل ما بقي بداخله من قوة وطوَّح جسده في الهواء، كان يفرد ساقيه على اتساعهما في الهواء عندما رفع عينيه ليتأكد أنه يطير إليها، لكنه لم يرَ شيئا على الإطلاق، ولم يلمح سوى عدستيّ عينيه السوداوين وهما ترتفعان إلى أعلى مما أراد لهما، وتختفيان داخل جسده، وضوء أبيض عظيم يطوي البوابة كلها، فتختفي داخله، ويتجسد فيه سائق سيارة الأجرة كائنًا خرافيًا لا قِبَل له به، وله جناحان عظيمان، حين فردهما نحوه سقط فيهما تمامًا، اعتصره الجناحان فخرج زبد أبيض من أنفه، وأحس بجسده يسقط في الأرض، لكنه اطمأن وهو يشعر لأول مرة في حياته كلها بالخِفَّة، ويتقلب في نعومة الريش، وفرح كثيرًا وهو يرى كل شيء من خلف الضوء.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى