أحمد القطيب - أغراض الشعر في منظور النقاد العرب القدامى.. (التقسيم والمصطلح)

إن قصدنا من تناول أغراض الشعر العربي،لا يرمي إلى البحث عن المقاييس التي وضعها النقاد القدامى، ليتمثلها الشعراء في كل باب من أبواب الشعر، وإنما قصدنا هو وضع اليدعلى تصورهم لمفهوم الغرض الشعري نوعا وعددا، ولعل الفيصل في هذا المرمى هو استقراء النصوص النقدية، منتهجين تراتبية معكوسة تبسُط الآراء، تبعا لعدد الأغراض لدى كل ناقد.

إن أكبر قسمة -فيما نعلم- هي قسمة (أبي تمام ) (231هـ) في حماسته ، فقد صنف الكتاب على عشرة أبواب هي أغراض الشعر، وهي: باب الحماسة
- باب المراثي - باب الأدب - باب النسيب - باب الهجاء - باب المديح والأضياف باب الصفات - باب السّيْر والنعاس - باب المُلح - باب مذمة النساء(1).
وتبع أبا تمامٍ ( ابنُ رشيق القيرواني) (ت456هـ) بتسعة أغراض، أطلق عليها (أغراض الشعر) وهي: النسيب - المديح - الإفتخار - الرثاء - ( الاقتضاء والاستنجاز) - العتاب - الوعيد والإنذار - الهجاء - الاعتذار(2)
وأورد (حازم القرطاجني) (ت684هـ) ثمانية أغراض هي: التهنئة - التأسّي - التأسف - التعزية - التفجيع - المديح - الهجاء - الرثاء(3)..
ونسب ( أبو العباس ثعلب)(291هـ)في كتابه (قواعد الشعر) لبعضهم قسمة سباعية ذكر فيها: المدح - الهجاء - المراثي - الاعتذار - التشبيب - التشبيه - اقتصاص الأخبار.(4).
و(للفارابي) أيضا قسمة سباعية هي: "الأهاجي والمدائح والمفاخرات والألغاز والمضحكات والغزليات والوصفيات "(5)).
اما ( قدامة بن جعفر) (337هـ)، فقد ذكر أن أقسام المعاني مما لانهاية لعدده، واكتفى بإيراد " لأعلام من أغراض الشعراء وما هم عليه أكثر حوما، وعليه أشدّ روما، وهو: المديح والهجاء والنسيب والمراثي والوصف والتشبيه"(6).
وقد نقل (أسامة بن منقذ) (584هـ) قسمة قدامة نفسها وسماها معاني الشعر(7). أما ( أبو هلال العسكري) (395هـ) فقد ذكر التصنيفَ ذاته، مع وضع غرض الفخر موضع ما سماه قدامة التشبيه(8)..
وحدد( الرماني/علي بن عيسى) (384هـ) للشعر خمسة أغراض هي: النسيب والمدح والهجاء والفخر والوصف. وكأنما أدخل مسمى التشبيه لدى قدامة في باب الوصف.(9).).
بيد أن معظم النقاد العرب فضلوا تقسيم الأغراض إلى أربعة نذكر منهم (ابن وهب) المعاصر لقدامة و(المرزباني) ( وحازما) نفسه الذي تبين له "أن أمهات الطرق الشعرية أربع، وهي التهاني ومامعها، والتعازي ومامعها، والمدائح ومامعها، والأهاجي وما معها"(10).
ولابن حجة الحموي (837هـ) قسمة نسبها لبعضهم ترى أن " بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح وهجاء ونسيب".(11).).
وتتراجع القسمة إلى ثلاثة أغراض لدى ( ابن خلدون) وسماها فنونا ومذاهب وهي المدح ،والهجاء والرثاء(12)..
وقال قوم " الشعر كله نوعان : مدح وهجاء"(13)
وأخيرا تنزل القسمة إلى الغرض الواحد فيما أدلى به (ابن رشيق) في باب أفرده للوصف في كتابه (العمدة) إذ يقول: " الشعر إلا أقله راجع إلى باب الوصف ولا سبيل إلى حصره واستقصائه"(14).).

استنتاج::
*******
يتضح لنا من هذا العرض أن النقاد العرب القدامى لم يحصل لديهم الاتفاق حول تصور موحد عن أغراض الشعر بما أن القسمة تطّرد صعودا، من الغرض الواحد إلى عشرة أغراض، مع اعتبار ما يصدر عن كثيرين من أن الأغراض كثيرة، لا تحيط بها تصنيفاتهم التي تحْطِب على الأشهَر والأوْكد . وتتكرس الفروق مرة أخرى في المصطلحات فالبعض يصر على مفهوم (الغرض) والبعض يذكر (الأقسام) ، أو الأركان، أوالأنواع ، أو الأصناف، أو البيوت، أو الفنون ،أو القواعد، أو الأمهات ، أو المذاهب... ولعل الملاحظة المثيرة للاهتمام أيضا اختلافهم في معايير التقسيم ما بين الأساس الفني أو الأخلاقي ، او العاطفي .ورغم اتفاق معظم النقاد على القسمة الرباعية، فإن ذلك لم يمنعهم من الاختلاف في جوهر تقسيماتهم تلك. فهل مفهوم الغرض الشعري غريب عن جسد القصيدة العربية القديمة؟؟ وهل هو من رذاذ الصلة بالإرث النقدي الهيليني الذي يرى الأغراض صافية، متصلة بأوزان محددة. (تلك اشكالية أخرى).

الهوامش:

**********
1 - ديوان الحماسة - أبو تمام - شرح العلامة التبريزي ، الطبعة 1/، دار القلم/ بيروت - لبنان.
2 - العمدة - ابن رشيق، 2/116-176 ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد - الطبعة 4/1972 ، دار الجيل/بيروت/لبنان.
3 - منهاج البلغاء وسراج الأدباء - حازم القرطاجني، ص337 ، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ، الطبعة 2/1982/ ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت/لبنان.
4 - قواعد الشعر - أبو العباس ثعلب، ص28 ، طبعة1948 ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي/مصر
5 - رسالة في قوانين الشعر - الفارابي، نقلا عن كتاب ( فن الشعر لأرسطو) تحقيق عبد الرحمن بدوي، ص152 ، دار الثقافة /بيروت - لبنان.
6 - نقد الشعر - قدامة بن جعفرص91، تحقيق محمدعبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية - لبنان.
7 - البديع في نقد الشعر - أسامة بن منقذ ، ص ص 289-290 ، تحقيق أحمد أحمد بدوي – حامدعبد المجيد، مطبعة مصطفى البابي وأولاده2/7/.1960.
8 - كتاب الصناعتين - أبو هلال العسكري، 148/الطبعة1/1981/دار الكتب العلمية/بيروت/لبنان.
9 - العمدة - 1/120
10 - منهاج البلغاء ، ص341.
11- ثمرات الأوراق - ابن حجة الحموي، ص77 ، تعليق محمد أبو الفضل ابراهيم - الطبعة1/1971/ الناشر، مكتبة الخانجي ، مصر.
12- مقدمة ابن خلدون، ص ص 566 -567 ، الطبعة1—1978/دار القلم-بيروت-لبنان.
13- العمدة1/123.
14- العمدة - نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى