محمد فيض خالد - الخولي..

ما إن تشقّق الأرض عن شجيراتِ القُطن ، فتخرج ضاحكة للوجودِ تداعب وجه التربة ، يبزغ نجمه ، يُصبح مقصود الفلاحين ، حتى وإن كرِهوه، يجري اسمه على كُلّ لسانٍ ، فهو مورّد الأجرية من عمالِ " اللطعة" ، ورث المهنة عن أبيهِ ، الذي خدمَ الدوائرِ عُمرا.
ظلّ على فقرهِ المتقع ، فكفّه المخروم لا يسعفه ، ناهيك عن دناءةِ خُلقه ، ونجاسة ذيلهِ ، لم يترك فجّا من فجاجِ العُهرِ إلا سلكها.
يتناسى النّاس مساوئه ؛ فالعوز يلهيهم عن قُبحهِ ، وغضّ الطرف عن سقطاتهِ تُمكّن ابناءهم من اللّحاقِ بأنفارِ الترحيلة ، فقروش اليومية ، تنتظرها البطون الجائعة.
أصبح طاووسا يختال في كبرياءٍ منتفشا في الأزقةِ كالثعلبِ ، يبحث عن فرائسهِ من بناتِ الهوى ، بسحنتهِ الصفراء ، ونظراتهِ الدنيئة ،ممسكا بطرفِ جِلبابهِ " البوبلين" ، يُمرّر يده من آنٍ لآخر فوق شاربهِ الرّفيع ، ترمقه العيون بكرهٍ، لكنّه لا يُبالي ، يُعاجلهم بضحكاتهِ السّمجة ، ليشعرهم بالحاجةِ إلى إحسانهِ ، قائلا : غدا لا تُرسل ابنك مع الأنفار ِ ..لا حاجة إليهِ.
وفي عزِّ خُيلائهِ تقترب عجوز ، تهمس في أذنهِ ، فتثور ثائرتهِ ، ويبدأ في السّبابِ مزمجرا : أنتم بلد لا تستحقون المعروف ..
ترتسم على وجهها نشوة ، تضيع وسط التجاعيد ، تعود تحت الجدارِ ، تُكمل تقشير رؤوس الثوم التي ملأت حجرها .
يسير في برطمتهِ متوعّدا ، تشيّعه بعينين ملئتا بالتشفّي ، وابتسامة كالثلج .
ذكرته بخطيئةِ أمهِ التي هربت مع " الطّحانِ" وتركته رضيعا في حِجرِ أبيهِ ، تقتحم سوره العالي ، فتهدّه من فوقهِ ، لتعود آلام الماضي وأوجاعه ، بعدما ظنّ نسيانها ..



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى