علجية عيش - مبدعون يرفضون الهزيمة بالتعبير عن أفكارهم و ترجمتها

ملاحظات عابرة

هي أنامل لفتيان و فتيات و من أعمار مختلفة ربما خُلِقَتْ لكي تُبْدِعَ و لم تخلق للغسيل و مسح الأرضية، أنامل ملساء، ساطعة البياض، لم تحرقها حرارة الفرن، و لم تخدش المكنسة يدها، أرادت أن تترك بصمتها بالتعبير عن أفكارها و ترسم لوحة تعبر بها عن جمالية الحياة، و ربطت بينهما علاقة حميمية لا تعرف الإنفصال،حتى لا يظلوا منعزلين عن الواقع، هذا الواقع الذي له قوانينه، ذلك ما وقفنا عليه خلال المعرض الذي احتضنته دار الثقافة مالك حداد بقسنطينة (شرق الجزائر) على هامش تكريم المتفوقين في امتحان نهاية السنة الدراسية للأطوار الثلاثة



1632085141256.png


يدرسون و يرسمون لوحة الحياة و يعزفون لحنها، هم فتيان و فتيات داعبوا الريشة ، راقصت أناملهم البيانو، خلال المعرض الذي نظم ببهو دار الثقافىة مالك حداد، و هو يوحي بأن فئة من أيناء الجزائر بدأت تملك وسائل التقدم و الإزدهار و الرقي و آلياتها، و النظر في الأفق لإستشراف المستقبل ، شيئ جميل أن ترى الأم ابنها أو ابنتها تحمل ريشة تعبر بها عما تحمله من مشاعر جياشة، تلونها بألوان زاهية كلون قوس قزح، و شيئ جميل أيضا أن ترى الأم طفلها يحمل آلة عزف يمارس من خلالها الفن الراقي، و من الروعة كذلك أن يرى طفل أمه ترسم أو تعزف أو تكتب، تبدع و الإبداع غذاء الروح، يعلمك التعالي و الترفع و التسامي إلى القيم العليا السامية ، في مكان من هذا المعرض كانت من المشاركين أمّ تضم طفلها إلى حجرها و في يدها ريشة ترسم ما تبدعه مخيلتها، و كأنها تستمع إلى نبضه لتصنع منه "الفكرة" قبل أن تضع بصمتها في تلك اللوحة، لا شك أن هذا الطفل سيأخذ من أمّه شيئا مميزا و يتبناه في المستقبل، وسط بهو الدار وضعت آلات موسيقية بطريقة سحرية ، تجعلك تتشوق إلى حملها و مداعبة أوتارها بأناملك، و قد اختارت مديرة دار الثقافة السيدة أميرة دليو ديكورا ملائما و جذابا يتلاءم مع الذوق العام و يستهوي الجمهور و بالصورة التي تتلاءم مع منافعها.

هي لوحات ترجم فيها المشاركون أفكارهم، تحكي قصصا ذات مواصفات معينة، خاصة و أن تلك الرسامات اخترن رسم وجه "امرأة" ، هي بلا شك لوحات ترسم "الجزائر" ، الجزائرالتي لا تركع و لا تنحني مهما كانت الظروف، الجزائر الشامخة كشموخ النخلة، لأنها سيدة و اذين أسسوها أسياد وهاهو ابنها يعزف لحن الخلود، خلود الشهداء في جنة النعيم مع الأنبياء و الصالحين، لقد استطاع هؤلاء الفنانين الصغار تغيير آلية العمل الثقافي و مضمونه ، حتى يفعلوا شيئا ما و كأنهم يريدون أن يعبروا أن الفنان يجب ان يرتبط بواقعه و أن يتفاعل مع هذا الواقع في عملية جدلية عميقة، لينزلوا بالصورة و العزف الراقي و الكتابة إلى حيث تتعانق القلوب و يسمع كل قلب نبض الآخر، و كمايقال فالرسم لغة و الموسيقى لغة و كل وسائل الإبداع الأخرى، تبعث رسائل لا يفهمها إلا فنان أو صاحب ذوق، لا شك أن هذه الوسائل تعتبر جوهرالثقافة التي تلعب دورا هاما في تعبئة الجماهير، تعمق وعي الشباب بقضيتهم و تقوي إصرارهم على الإستمرار و تساعدهم على تحمل المسؤوليات، باعتبارها جزء أساسي من حركة المجتمع، و لذا لا يمكن أن نتجاهل بأن هناك فئة تنتمي إلى الطبقة الهشة، تتمتع بموهبة إبداعية ، لكنها لا تملك الوسائل و الإمكانيات لترجمتها في الميدان، هذه الفئة لا يمكنها مجرد التفكير في تحقيق شيئ ما و لو في أحلام اليقظة، لأنها لا تجد اليد الممدودة لها لتمسكها و تخرجها من الدروب التي تفضي إلى الهزيمة النهائية.

ملاحظات عابرة..

من الملاحظات التي وقف عليها زوار المعرض هي أن المشاركون يبدوا عليهم أنهم من الطبقة الراقية و لذلك تم انتقاؤهم، وقد يتبادر إلى ذهن كل واحد السؤال التالي: هل باستطاعة ابن الفقير le fis du pauvre الذي تحدث عنه "فيكتور هيغو" في روايته، أو "البؤساء" les miserables الذي تحدث عنهم الأديب مصطفى صادق الرافعي أن يجالس هذه الطبقة و ينافسها أي يقف أمامها ندا للند في اكتساب مهارات الفن سواء أكان رسم أو موسيقى أو أي نوع من أنواع الإبداع لاسيما العزف على البيانو مثلا، هذه الآلة التي لا تملكها سوى الطبقة البرجوازية لغلاء سعرها، و لا يحظى بها سوى ابناء الأثرياء، فكيف لإبن الفقير أن يحظى بهذه الفرص ليكشف عن مواهبه و تكون له مشارمات في المعارض، و هو لا يزال يمشي حافي القدمين ويرتدي لباسا رثا و يذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام مثلما نراه في بعض المناطق لأن الدولة لم توفر له وسيلة نقل مدرسي، ابن الفقير الذي لا يجد عشاء ليلته قبل أن ينام، فكيف له أن يغذي عقله و بنمي قدراته و مواهبه؟ و كيف له أن يفكر في اكتساب مهارات فنية كتعلم العزف مثلا أو يطلب من والده أن يشتري له أوراق الرسم ليبدع ، و كيف ينام مطمئنا و هو لا يملك مستحقات الدروس الخصوصية.

لعل هذه الملاحظات تأتي على خلفية الصراعات المادية و الإجتماعية التي عاشتها المجتمعات عبر التاريخ بين قوى الرجعية و قوى التقدم، ما يجعل بعض ابناء الفقراء الذين سمّوا بـ: "المعذبين في الأرض" يغضبون و يتمردون، لأن الجهات المعنية بالنشاطات الثقافية في أحيان كثيرة تدير ظهرها لهؤلاء، فيحوّلون اهتمامهم إلى قضايا أخرى لا علاقة لها بالثقافة و لا محالة أن مصيره سيكون على حافة الهاوية، و بدلا من أن يكونmotive نجده يركن للسلبية بحيث يصبح عدواني، و متمردا على واقع فرض عليه و لم يجد من يهتم به، ربما لا أحد من المسؤولين حاول ان يستفسر عن المستوى الإجتماعي للمشاركينن حتى يبدي ملاحظاته و يلح على محاربة "الطبقية" في المجتمع الجزائري، كان المسؤول التنفيذي الأول على ولاية قسنطينة قبل ان يشرف على تكريم المتفوقين في امتحان نهاية السنة الدراسية الأطوار الثلاثة قد وقف رفقة السلطات المدنية و العسكرية على المعرض المقام و أبهر به جدا، حيث اشاد بهذه الجهود، إلا أن هذه الجهود كما عبّر عن ذلك ملاحظون لا ينبغي ان تكون آنية اي في المناسبات، بل تحتاج إلى دعم مستمر على مدار السنة لبعث الروح الإبداعية في قلوب المتمدرسين و الشباب أيضا.

فبعض المناطق لا تتوفر فيها دور شباب أو مراكز ثقافية، و لا حتى مكتبات المطالعة، و لا حتى على حدائق للإستجمام و إن توفرت فهي عبارة عن جدران واقفة أي بدون تجهيز، هي مسؤولية ضخمة تقع على عاتق الوالي الجديد الذي أشاد بالدور الذي لعبته الأسرة التربوية، و قال إن إبداعات هؤلاء الفتيان و الفتيات و التحدي الذي رفعه التلاميذ في تحقيق نتائج مشرفة، لدليل على إرادتهم القوية و هم بذلك يعدون مفخرة للبلاد، للإشارة فقط أن حفل تكريم التلاميذ المتفوقين الأوائل للأطوار الثلاثة ضم تكريم خاص لذوي "الهِمَمْ" ( ذوي الإحتياجات الخاصة) ، لا تهم الأرقام بقدر ما يهم التحدي الذي رفعته الأسرة التربوية بدءًا من مدير التربية و الإطارات (من أساتذة و معلمين) و كذلك الشركاء الإجتماعيين و بالأخص (فدرالية أولياء التلاميذ بولاية قسنطينة) الذين واجهوا الصعاب من أجل تتويج مسار التلاميذ بالنجاح رغم الظرف الصحي الذي تمر به البلاد، فما على أهل الثقافة إلا أن يخلقوا البيئة الثقافية و في مستوى من الجدّية.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى