محمد مزيد - هليل وهند رستم.. قصة قصيرة

تأتي هند رستم الى الجندي هليل بالليل، وهو في موضعه بالحجابات الأمامية في جبهة الحرب العراقية ضد ايران، في تلك الليلة جاءت إليه، بملابسها المغرية، نامت بجانبه وهي تنشج وتبكي ببحة صوتها المثير، فأستيقظ هليل، وسألها ما الخبر؟ لماذا تبكين؟ قالت له "رأيت قائدكم الكبير يصعد الحصان ،أخذني معه ووضعني أمامه، لا أعرف الى أين، ولما سقط القائد من الحصان، بقيت أنا على ظهره، وهذا طار بي الى الأعلى، ومن شدة الخوف، أخذني الحصان الى زمن بعيد، الى المستقبل، فرأيتك، ياليتني لم أرك، رأيتك ميتا في العراء مع المئات من الجنود من أبناء جلدتك، وها أنذا أطلب منك مغادرة هذا المكان فورا، لانك ستدفن فيه ذات يوم، ضحك هليل وبان أثر السجائر الرخيصة على أسنانه، فقال لها " هل الحصان معك الان ؟" هزت رأسها بتلك الطريقة المثيرة كما فعلت مع عمر الشريف في فيلم " ايه اللي انت عملته"، فقال لها " هيا خذيني معك ؟!" صعد هليل على ظهر الحصان وصعدت هند رستم أمامه ، كانت بكامل مؤخرتها بحضنه ، فتكهرب، ولم يعرف كيف يمسك حبل اللجام إذ أخذت يداه ترتعشان، ولكن الفنانة، عرفت مغزى أرتعاشه، فأحتضنت رقبة الحصان وقربت فمها من أذنه، ثم همست بضع كلمات، شعر الحصان بالإثارة، وهو يخب بهما، ثم طار الى الفضاء، فلم يلحظ أحد من الجنود طيران هليل وهند رستم، بسبب الليل المدلهم، ينظر هليل الى الإسفل ماسكا اللجام ويرى خلف المواضع قد أشعل بعض الجنود نارا خافته لايراها العدو، يحمون طعامهم أو يعدون لإنفسهم الشاي، بعد دقائق من التحليق أنحرف الحصان بطيرانه باتجاه الاراضي العراقية، ولما أستوى، بدأ يصعد أكثر فأكثر في الفضاء الاسود المترامي، لا يريد هليل أن يصدق إنه الان يحتضن الفنانة من خصرها وهي تقود اللجام، بدأت موسيقى كونية تفعل فعلها في جسده، فالتوتر وصل الى مستو عال، لم يبلغ عنده من قبل، حتى وهو في أنضج أيام مراهقته، ولايعرف ماذا يفعل بهذا التوتر الذي بدأت الفنانة تشعر به، وتقهقه، لم تشعر بالضيق من ذلك بل أخذت تستمتع وهي تطلق ضحكات عالية النبرة، متتالية، بصوتها المبحوح الجميل الذي يعشقه. ولما وصل بهما الحصان الى بغداد، كانت الأضواء المبهرة، ما أدهش هليل، وعند مكان يعرفه مقابل دائرة الجوازات، سمعت الفنانة تحت أحد الابنية ثمة أنين مبك لرجال يعانون داخل سجن تحت الأرض، فقال لها هذه بناية الحاكمية، المكان الخاص بتعذيب السياسيين، بكيت الفنانة، فأنطلق الحصان الطائر الى الأعلى ،ذلك لأن الفنانة عندما تنشيج على مصير اولئك الرجال يثير في الحصان التوتر فيصهل، حلق الحصان بعيدا في الفضاء، ثم أخذ فرة صغيرة على القصر الجمهوري، كانت ثمة طيور بنفسجية ووردية وزرق وحمر تسبح في بحيرات عديدة تتراقص فيها نافورات المياه، ثمة أشجار عجيبة لم ير مثلها هليل في حياته قط، أنتهت فرة الحصان، وبدأ يصعد ثانية الى الفضاء وأخذ يطوي المسافات باتجاه الجنوب، حتى وصلا الى الكويت، كانت أرتال القوات العراقية تتلقى الضربات الصاروخية الموجعة المنسحبة من المدينة بإتجاه البصرة. وعندما طر الفجر ، مازال الطيران المعادي الاميركي يوجه ضرباته القاسية للقوات العراقية، تطايرت الجثث من المدرعات وحاملات الأشخاص والدبابات، ولما وصل هليل والفنانة الى مكان معين، هبط الحصان في منتصف شارع الموت بين الكويت والبصرة، وقفا الى جانب سيارة حاملة للإشخاص كانت آثار الشظايا مغروزة في صدور ووجوه الجنود ،فيما الجثث ملقاة على جانبي العجلة، نظر هليل الى نفسه، وهو ملقى مثل الجنود المتفحمين على الارض، بكى بحرقة على مصيره الأسود، وبكيت معه الفنانة، ثم أمتطيا الحصان وعادا الى الطيران، حتى جن الليل عليهما ثانية، بعدها هبط الحصان في المكان نفسه، حيث موضع هليل وزملائه، دخل إليه وهو يرتجف. ودعته الفنانة بقبله على خده وقالت له " باي " ، فقال لها عمي والله أندهرنا هي مال "باي ". وفي الليلة التالية، جاءت الفنانة بالحصان، وأيقظت هليل، "هل تحب أن ترى مصير قائدكم هذه الليلة؟"، فقال لها فرحا " ياريت"، صعد خلفها، وتوتر ثانية وهو يحتضن الجسد المثير، طار بهما الحصان، أتجه الى البراري خارج مدينة تكريت، وقبل هبوطهما ، قالت له، هنا يرقد القائد في هذه الحفرة، بقي الحصان يحوم حول الحفرة، صاح هليل باعلى صوته " سيدي .. سيدي"، وحتى لاتنكشف لعبتهما، همست الفنانة بأذن الحصان بضع كلمات ثم حلق، طائرا مثل النسر في براري الفضاء الأسود وأخذ هليل يغني ويهز كتفيه تاركا خصر الفنانة الذي كان يتمسك به قبل قليل " سيدي اشكد أنت رائع سيدي .. سيدي " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى