محمد الرياني - الشَّارع

الجبروتُ جعلَ الجارَ يغلقُ الشارعَ ليتوسعَ نحوَ جاره، لم تفلحْ محاولاتُ الصغيرِ في الإمساكِ بثوبِ الجارِ المستبد ، انسكبتْ دموعُه وهو يرى الطريقَ ينسدُّ أمامَ قدميْه الصغيرتين فلا يستطيعُ الذهابَ إلى أصدقاءِ الحي، ابنةُ الجارِ هي الوحيدةُ التي تعاطفتْ معه وظلَّتْ تصرخُ في وجهِ أبيها كي لايقتلعَ ملعبَ الصبا وبهجةَ الطفولة ، اقتربَ منها أبوها ودفَعَها للداخلِ وهي تصرخ، انعقدَ لسانُها من الرعبِ فلم تقلْ له ياظالم، تمدَّدَ الجدارُ مكانَ الشارع فهربَ كلُّ شيء؛ العصافيرُ والبراءةُ وخطوطُ الملعبِ الصغير، لم يقتنعِ الجارُ بارتفاعِ البناء، أرادَ أن يطولَ أكثر، تسلَّقَه ليقدِّرَ ارتفاعَه فنشِبَ طرفُ ملابسِه في نتواءاتِ البناء، سقطَ على رأسِه فسالتِ الدماء، مسحَ بعضَها وهو يتأوَّهُ ويتهمُ الجيرانَ بالدعاءِ عليه، قالتْ له الصغيرةُ حرامٌ يا أبي!! كيفَ ألعبُ مع ابنِ الجيران؟ فتحَ عينيْه في وجهِها وهدَّدَها بأن يُلقيَ بها من فوقِ الجدارِ إن هي كرَّرَتْ التعاطفَ معهم ، كبرَ وعلى رأسِه آثارُ الشجِّ جراءَ السقوطِ على الأرضِ وأمستِ الصغيرةُ عروسًا كالقمر، شاهدَها جارُهم الذي كبر، لم يعدْ بينهم شارعٌ يفصلٌ بينهما كما كانا صغيرين، أعجبتْه ملامحُ البراءةِ التي كبرتْ معها، عادتْ به الذاكرة ؛ العينان والدموعُ والبكاءُ عندما كانت تتوسلُ لأبيها بأن يُبقيَ الشارعَ ولايسدَّه، ذهبَ ليخطبَها من أبيها وقد أصابَه الكبرُ ، وافقَ دون ترددٍ وهو يرى علاماتِ النعمةِ على الشابِّ الوسيم ، جاءتْ ليراها الخاطبُ ويقتنعَ وكانا يجلسان على الترابِ القديم ، نظرتْ إلى الأرضِ وكأنَّها تذكِّرُه بأنَّ المرارةَ تحولتْ شهدًا من العسل، حانَ موعدُ العرس، قالت لأبيها : لماذا لانعيدُ فتحَ الشارعِ من جديد، حكَّ رأسَه وهو يحرِّكُ مسمعَه ليستوعبَ الصوتَ الذي نزلَ عليه كالصاعقة، قال لها يامجنونة : أما زلتِ تتذكرينَ الشارع ؟! حسنًا ولماذا نفتحُ الشارعَ من جديد؟ قالت يا أبي : الجيرانُ سيحضرونَ العرسَ معنا، هل تريدهم أن يتسلقوا الجدار؟ فكَّرَ وقال: صدقتِ يا حبيبتي، قالتْ حبيبتي، هذه أوَّلُ مرةٍ أسمعُها منك يا أبي، قال بندم : أريدُ أن تسمعيها قبل غيري، قالت : لن يقولَها أحدٌ أجملَ منكَ، غدًا سنهدُّ الجدارَ ونفتحُ شارعًا أوسعَ كي يراكِ الجميعُ عروسًا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى