محمد مزيد - مونيكا.. وهليل.. قصة قصيرة

عثر هليل على رسالة قديمة في طيات ملابس زوجته، كان يبحث عن علبة سجائر سبق أن خبأها منذ شهر حين قرر الإقلاع عن التدخين، لمعرفته بضعف أرادته، نبش دولاب الملابس قطعة قطعة، وبدلا من العثور على علبة السجائر، وجد رسالة مطوية بعناية، أستلها، وبدأ قلبه يضطرب وتتسارع نبضاته. أستغل هليل وجود زوجته في الحمام لتغسل بقايا آثار ممارسة حب تمت بينهما قبل ساعة بعد عودته من الدوام، وبدأ يقرأ الرسالة .. ليس هناك اسم في بداية الرسالة ، ولا توقيع في آخرها ، قرأ ما يلي : انا مثلك أعشق بابلو نيرودا ، لانه يعرف ما الحب ، نحن النساء لدينا قدرة جيدة في معرفة الرجال الذين يمتلكون مساحة هائلة من الحب في قلوبهم ، زوجك أنسان بسيط وفقير الروح ، لا تلقي اللوم عليه لانه يحب مونيكا بيلوتشي، ولما ينام معك يسدد عينيه الى صورتها، زوجي يفعل مثله ولكن مع عارضة ازياء اسمها سلوى، على الاقل مونيكا أجمل من سلوى مئات المرات، المهم أن ديكك لايهرب من القن، هو معك حتى لو كانت عيناه الى مونيكا، لكن عيني ديكي يصوبها الى سلوى القبيحة، علمت مؤخرا أن سلوى تعمل معه في الدائرة نفسها التي يعمل فيها زوجك، أخبرني بذلك زوجي، أتركي بابلو نيرودا وتفرغي الى حياتك بعيدا عن الكتب، تحياتي.
خبأ هليل الرسالة في جيب قميصه، وذهب الى غرفة النوم، خلع صورة مونيكا من مسند سريره القريب من الوسادة، وطواها، ثم وضعها مع الرسالة في جيبه، وفكر، ترى من هو صديقه في العمل الذي يسرب خفاياه الى زوجته ومن ثم الى أحلام زوجته؟ لديه صديقان حميمان جدا في الدائرة، أحدهما يضع عمامة يصلي حتى داخل الدائرة ويصوم اياما في غير رمضان يسميها صيام الدهر ثلاثة أيام من الإيام البيض وصديقه الآخر يشرب الخمرة، لا يعرف إي من منهما يمكن أن يبوح بإسرار الحياة الوظيفية الى زوجته؟ لكنهما في إنشغال مستمر، كل واحد في عالمه، لكنني سأعرفه من خلال سلوى رئيسة قسم الاضابير الذاتية، رئيستنا ، يستغرب هليل كيف يمكن لانسان في هذا العالم يمكنه أن يطيق رؤية وجه سلوى حتى يتخيلها في الفراش مع زوجته؟ أظن صاحبة الرسالة التي هي صديقة زوجتي تشير الى رمز معين قد لا تكون هي سلوى بذاتها بل تقصد آخرى اكثر شبابا وفتنة، غير ان نصيحتها بترك الكتب والتفرغ الى حياتها نصيحة في محلها، فلقد عانى هليل من برود زوجته المثقفة التي تقرأ الكتب وهي على فراش الزوجية، ولديها الحياة عبارة أما أسود أو ابيض، الاشد استغرابا انها لا تمانع من وضع هليل صورة مونيكا على مسند السرير قبالة عينيه ، مرات تمازحه " الا تملها"، من دون أن ترفعها طبعا، لانها تعلم أن زوجها سيكون شديد الفاعلية دائما بوجود مونيكا خلف رأسها، وسبب إهتمام هليل بمونيكا يعود الى فيلم "مونيلا " الذي شاهده اكثر من سبعين مرة، في الحقيقة يشاهد اللقطات الخاصة بصبي الدراجة وهو يحتضن مونيكا في لحظة حلمية، خارج واقعه، وكثيرا ما تخيل نفسه الصبي في الفيلم، يحلم أحلامه، بالرغم من أن عمره تجاوز الخمسين، تحاكي تخيلاته مع مونيكا في جسد أحلام زوجته، التي تقرأ كتب الادب والرواية كثيرا، لكنها في الآونة الأخيرة، تعلقت بالشاعر بابلو نيرودا، وأشترت " غزليات نيرودا " ترجمة ماهر البطوطي، أشترته من بائع، هو شاعر أيضا، في شارع المتنبي أسمه حسين الصعلوك، بعد أن قرأت أول صفحة منه حيث يقول الشاعر بابلو ( أيتها الوردة ، يا وريدة ، تبدين أحيانا دقيقة عارية، كأن إحدى يدي تسعك، وأنني سوف أضمك، وأرفعك الى فمي ، ولكن فجأة، تلمس قدماي قدميك، عندئذ تكبرين، ويتطاول كتفاك كأنهما ربوتان ويرتفع نـ ..هداك فوق صدري، ويكاد ذراعي، لايحيط ببدر خصرك النحيل، لقد أطلقت سراح نفسك في أغمار الحب، كأنها المياه المنسابة، فلا أكاد أقيس عينيك الأكثر رحابة من السماء، وأنحني على ثغرك، لأمنح قبلة الى الارض )، ووضعت الكتاب في حقيبتها كأنها عثرت على كنز، إذ أنها منذ أن تزوجت هليل، فارقت عالم الكتب، وهي الطالبة المجتهدة في كلية الآداب التي حصلت على شهادة البكاليوريوس أثناء توقف الحرب العراقية الايرانية سنة 1988، وتزوجت بعد عامين من جيرانهم هليل الذي كان يحبها منذ أن كانت في الأعدادية، لكنها لم تمنحه إية فرصة لتبادله الحب، لكنها كانت سعيدة أن رجلا من هذا العالم يهتم بها ويحبها، يراقبها، في رواحا وغدوها، ولم يعجبها اي طالب في الكلية طوال الاربع سنوات، تم زفافها في اليوم نفسه التي دخلت فيه قوات الحرس الجمهوري أرض الكويت، وبعد يومين التحق هليل مع مواليد 1960 الى معسكرات التدريب، ليزج فيما بعد في لواء مشاة على تخوم الحدود الكويتية السعودية ، في أرض صحراوية قاحلة، تعبث بها الريح طوال النهار، فيختلط الطعام الشحيح مع الغبار. كانت زوجته أحلام تسخر من حياتها، أمام صديقاتها " شايفين شهر عسل يومين"، ولما أنتهت الحرب الاميركية، بمجزرة عاصفة الصحراء المعروفة التي قادها شوازكوف، خرج منها هليل سالما باعجوبة، بعد أن تكدست الجثث في شارع الموت بين الكويت والبصرة، وبقي عاطلا عن العمل ثلاثة أشهر حتى قام أبن خالته، الرفيق الحزبي، بتعيينه في إحدى دوائر وزارة التجارة، شعبة الاضابير الذاتية، رئيسة القسم امرأة أسمها سلوى، ويعمل معه في الشعبة زميلان هما فليح مدمن الخمرة، وصيهود المتدين.ووقع أختياره على فليح، فهو متزوج من امرأة يقول عنها تشبه البومة، ذات يوم جاء هو وزوجته الى بيتهم وتعرفت زوجة فليح على أحلام، وربما عقدت صداقة بين المرأتين.
في اليوم التالي، أخذ هليل الرسالة الى الدوام، وهناك سأل زميله فليح، عن إمر بدا للاخير مريبا وغير مريح، سأله أن كانت زوجته، ترسل برسائل الى أحلام، وقال له هل صحيح إنك تضع صورة سلوى حين تنام معها كما تقول الرسالة، فضحك فليح ضحكة استفزت سلوى والزميل الاخر صيهود، ثم قال له، سأخبرك سراً وأرجو الا تفضحه، في يوم كنت أنت باجازة، وقبل نهاية الدوام صفعت سلوى صيهود صفعة مدوية وقالت له " انجب يا عار" ، بعدها قال له فليح " بعد أنت بكيفك ".




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى