تهامة رشيد - شوارع الرقة

قبل ظاهرة فقدان حاسة الشم
وقبل أن يصيبنا كوفيد بسهامه
وكأنه (كيوبيد)،
وبالفسحة السماوية بين أزمتين-وهو الزمن المعاش في بلادي-
كنتُ بنت شوارعٍ بامتياز
ففي الرقة حيث ولدت ولم أترعرع
(أحب هذا التعبير )
كانت الشوارع مغبرّة بكثافة
واللون الرملي الأصفر طاغٍ
ورائحة القيظ عالية
فنحن في تموز
وأحدهم يلبس "جلابية"
ويضع عقالا وكوفية
هو ضخم بما يكفي ليرعب الوان طفولتي لتصبح صفراء كالرمل.
ويتكلم بما لا أفهمه
أهرب من وجهه لحضن كلب الدار
الذي يحن علي..
فألقمه قطعة الجبن خاصتي
وأدخل يدي في فمه حتى يعضها..
وهناك الفرا*
لايجري كما يقول كتاب أخي الأكبر
إنه ثابت وضفته الثانية لاترى
على شارع النهر: أفعى ماءمنتصبة
بثلاثة ارباع بدنها فوق الماء.
وتسبح مهتاجة نحو أخي الذي فقش بيوضها..
الرقة في الصيف أو الخريف :
غبار غبار يسمونه عجاجاً عندما اتذكره
أذكر أمي وهي، تسرع في نشر الشاش الرطب أو ستارة قطنية مبللة على نوافذ المستوصف.
ليرسو الغبار عليها
الرقة في الشتاء: ثلوج
تمنع فتح الباب دون تجريف
شوارع بيضاء..
وموحلة وزلقة
ممنوع علينا وطئها.
وموقدة مكونة من بقايا أغصان وفحم صنعتها امي لتدفئ المدخل وتحممنا بسرعة محمومة في الممر قبل توافد المرضى؛فنحن نسكن مستوصفا.
حي الجامع الأثري في مدينة الرقة هناك في نهاية شارع مغبر ...
يوجد في نهايته غرفة حيث أسقطتني أمي
وبعد سنتين...
تهت ولقوني قرب الجامع
ودللتهم على طريق طويل نحيل يؤدي لغرفتنا.
أذكر انني رأيت الرمل يغلي....
والشمس تسوط رؤؤسنا في طريق...
يؤدي لقرية قريبة في الرقة.
وأذكر مغادرتنا للرقة وأنا في طبونة السوزوكي وشارع يركض تحت العجلات
ويركض كلبُ الدار وراء السوزوكي.
والمس عضته التي طببها أبي الممرض بالخبرة.
وأبكي لأنني لن أطعمه جبن الرقة اللذيذ ..
فها هي شوارع اللاذقية المحفرة تستقبلنا
ولن نرى الجامع الاثري
إلا على شاشة النلفاز وهو يتهدم على يد داعش.


------------------------------------
* (نهر الفرات)





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى