فاتن فاروق عبد المنعم - أسمال حمراء..

اللون الأحمر، رمز الجنون، مستفز، أتعامل معه بحذر، هو في دولة العشاق رمز الحب، يمطرون بعضهم البعض بوابل من القلوب والزهور الحمراء، وهو أيضا لون الدماء المراقة مع سبق الإصرار والترصد، فكيف للونٍ واحد أن يكون أيقونة النقيضان؟!!!!
طائر مجهول تخطّفني ليطوف بي في تلك البقعة الممتدة من جاكرتا إلى المغرب وبقعا من القارة السمراء وأخرى في أطراف الصين، وأينما وليت وجهي فثمت دماء مراقة، لا لون حولي سوى الأحمر الذي يستفزني، فالأرض تفيض ولا تغيض، وأبعاض مقطعة ملقاة هنا وهناك، أذرع وسيقان ورؤوس وأكف وأقدام، وأحشاء تمزق لباسها وجلدها فكانت في العراء وأدمغة متفجرة وعيون مفقأة وثغور ممزقة الأبواب، هل هؤلاء هدفا بعينه يصوب تجاههم مختلف أنواع الرصاص والبارود؟!!!
هل الكيان الأممي بنيويورك يبارك هذا الفعل ويعمل على ديمومته؟
تلك الأبعاض الملقاة بكل الألوان، الأبيض والأسمر والأسود والأحمر والأصفر، لابد أن هناك شيئا ما يجمعهم يجعلهم هدفا لآخرين، فأصبح الآخرين آخرا واحدا وأصبحوا هم أيضا في عينه جسدا واحد واجب التمزيق دائما وأبدا، فسكان تلك البقعة في عين الآخر الذين هم مطالبون دائما بتقبله وهو الذي لم يتقبلهم لثوان معدودة ليسوا إلا أعضاء لجسد واحد واجب التمزيق.
لماذا لا أقوم بجمع أعضاء ما وإعادة تركيبهم حتى يصبح أمامي جسدا سويا، كامل التكوين والكينونة ليقول لي ماذا فعلوا ليصبحوا هدفا للآخر، وإن عجز لسانه عن النطق فهل ستنطق الجوارح بما فعلت؟ ولكن الجوارح لن تنطق إلا أمام الله وأنا لست إله.
هل طاف السامري بلادهم وصنع لهم عجلا جسدا له خوار عبدوه من دون الله.
هل سالومي لم تقبل قربانا من الملك أقل منهم ؟
هل تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا أم أن هذا يوم الحساب فقط؟
هل انعطفوا تارة للشرق وأخرى للغرب ونحوا جذورهم جانبا فنالهم ما نالهم؟
كنت من قبل لا أستطيع رؤية ذبح الطيور والحيوانات أمام عيني، وإذا مرقت سيارة وأمامها قطة فأنا من تحتبس أنفاسها وتصيبني رعشة خشية أن تدهسها فإن تفادتها وسلمت القطة من الدهس تنفست الصعداء وظللت بضع دقائق حتى استعيد توازني والآن كل أنواع الذبح أمامي ولا أبالي، فهذا المشهد بات من الأفعال اليومية.
عقب ولادة ابنتي الصغري وأنا ما زلت في برزخ بين تأثير البنج والإفاقة كنت استشعر بسائل دافيء يغمرني من آن لآخر دون استبيان ما هو، رأتني أختي وأطلقت صيحات الفزع المتتالية، فأنا الغارقة في دمائي.
الآن أثناء مروري وتجوالي من آن لآخر أشعر بسائل دافيء يغمرني دون اكتشاف حقيقته ودون وجودي ببرزخ ما فأنا بكامل وعيي، أنظر للمارين من حولي فأجدهم بأسمال حمراء وأنا مثلهم يزيد من قوامه معيني المتدفق.
أتلمس هذا القميص فأجده من دماء، تبخر الماء من نسيج الدم فازداد تضام خلاياه ليصبح قميصا لزجا ناعم الملمس ثقيل الوزن، تنتابني دهشة، فأبحث عن ينبوع الدم المتدفق فيّ والذي ظننته ماءً، أضع يدي على الجهة اليسرى من صدري مكان دفق الدم.
لماذا ينزف؟ وكيف لم استبينه في الحال، ماهو المخدر الذي أقع تحت طائلته فجعلني لا استشعر الخطر المحدق بي؟
هل أفرطت في تناول الأقراص المسببة للسيولة، لا لم يحدث فأنا ملتزمة بالجرعة التي حددها لي طبيبي، وإن كانت هي المسببة للنزيف فلماذا لم يحدث من المكان الطبيعي في جسمي كامرأة كما كان يحدث من قبل، والآخرين من حولي ماهو ينبوع الدم المسبب لأسمالهم الحمراء ولماذا ينزفون؟
رهط من الشباب وقفوا أمام إحدى البنايات يوثقون الحدث بطريقتهم، ليهدوا الحائرين خوفا من أن تذل قدم بعد ثبوتها، جرافيتي، إبداع من نوع آخر شارحا وموثقا لما يعتمل في نفوسهم، وانفرد أحدهم بكتابة مفردة بعينها، فقام بجمع بعض الأشلاء وأضاف إليها بعض الكيماويات حتى لا تتلف وتفنى بمرو الوقت وتبقى شاهدا عيانا على فعل “الآخر”
هذه رأس ممثلة لحرف “الميم” وألصق به جذعا ووضع فوقه ثلاث أكف بطريقة معينة ليكتب حرف “السين” وألصق بها جسدا آخر مقطوع الرأس في وضع جالس ممدد الساقين ممثلا حرف “اللام” ثم ألصق بها جسدا آخر مقطوع الذراعين ورأسه منكسة أو مدلاة على صدره ممثلة لحرف “الميم الطرفية” طيورا جارحة مارقة مخيفة أعرف بعضها ولا أعرف للبعض الآخر مسمى، هل هي طيورا أبابيل؟
تطوف بالمكان كأنها تمشطه أحتبس أنفاسي، هل ستأكل الأبعاض الملقاة وهذه الطيور رسل من؟
سرب من النسور مهيب يجوب الفضاء المحيط محدثا دويا يحدث الاطمئنان لدى البعض والفزع لدى آخرين فمن الذي يطمئن لحلولهم ومن الذي يتفزع منهم؟
يهبط السرب إلى الأرض يجوب المكان بعيونه التي تصوب شعاع التحدي تجاه من يستهين بها، عيونهم لامعة مهيبة، الطيور الأخرى تنتحي جانبا تتضام خوفا، فإذا ازداد خوفها طارت إلى من حيث أتت.
أما النسور فبأرجلها القوية فركوا الدماء الجافة، ينظفون الأرض منها وقاموا بنبش الأرض بمناقيرهم يقبرون الأبعاض الملقاة حتى إذا أمطرت السماء اهتزت الأرض وربت لتنبت ألوانا أخرى ليصبح السابق عليها أثرا بعد عين، فقد ماتت العنقاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى