تهامة رشيد - مخاض...

كان مخاضها عسيراً،يشبه وجه أم عسير
بين الإغماءة، ونوبة البرد.
بين الإفاقة، وازرقاق الوجه
بين صفرةٍ تعلو الجبين،
وحديثٍ مع الطبيب، ينسيها الألم
ويذكرها بأوجاع بلدها؛
فطبيبها من منطقة الشمال،مناوبٌ في مشفى التوليد؛حيث أسعفوها إليه.
أماهي عشتروت التي هجرَتْ عرشَها في الساحل
وذهبت إلى الداخل.
كالوميض،
أحبَّتْ على خط النار؛ حبلَتْ على خط الهدنة،
وتذكرت عام النكبة، عاشَت روحَ النكسة،
لكنها ذرّة من رماد الفينيق،
لذا عادت للحياة.
كانت تهلوس بالسّياب:
من مرضي من السرير الأبيض،
ثم تتذكر غزل أمل دنقل بعينيها
الخضر.
لكن سنين العمر تمضي،بها.
مادخل المخاض بكل هذا؟
مخاضها عسير.
وعسيرٌ...هو المرقى إلى الجُلجلة
فالصخر ياسيزيف ماأثقله.
يهمسُ طبيبها لمساعده:
سيقتلها الجنين، إنه يصعدُ للأعلى
يصرخ بالممرضة الساهمةوبالآذن:عمليات... بسرعة.......
يتناهى لسمعها:قيصر....ي...ة
تحاولُ الجلوس مرتعبة وتخرج كلماتها من عقلها:
دكتور سألدُ الآن لا تخفْ، لاقيصر..ية
لقد ولدتُ بنتين قبل ثمان أو تسع سنوات
ومخاضي كان أصعب من الآن
تمسك بيده:لاتخف، لن يخذلني ابني
بين صفرة الخوف المشتركة والمعاودة لثلاثتهم
وإصرارها،وابتساماتٍ غير مبررة للطبيبين.
تشير لأحدهما: هيا سألد،
واحد،اثنان،ثلاثة
لكن الخوف يوجعها، يوقعها طريحة السرير الأخضرهذه المرة.
يمسك الطبيب بجديلتها القصيرة ممازحاًويجلسها ثانية: هيا ياشجاعة.... ههه... أين الشجاعة.؟
تقول له: عدّ لي الآن،لن أصرخ،
ومع رقم اثنان ، تضغط بكل قوتها وبآخر نفسٍ لها، يقفز الطبيب كأمهر بهلوان، ويهبط اضطرارياً فوق أضلعها، يتراءى لها صوت تهشم ضلع من قفصها الصدري ،وتسمع صوت بكاء،وتغيب.
لكن وجه الحبيب،يعيدها،تناجيه:ولدت لك قمراً أرضياً.
تلك القفزة أنقذتها من الموت.
امتنانها له لم يمنعها من شتمه،عندما اشتد الألم،قبل الغياب.
ونظرت للكتلة المنزلقة بين يدي الطبيب المساعد، وهمّت لتقوم وتساعده،لكن يد الطبيب الآخر طرحتها بقسوة على سريرهاالأحمرهذه المرة.
صاحت به:ابني سيقع،لم يرد أحد وانشغلا بالتنظيف والتقطيب،وعمّ الهدوء،لكن صراخاًبعيداً أيقظها من غيبتها،وتكلمت متوسّلة:ليس لولدي صوت بكاءٍ عادي إنّه يصرخ،إنه يشعر بالبرد(متلّج ياقلبي).
ضحك الطبيبان(من جهلها)،
لكن أحدهما التفت للطفل واستدرك قائلاً:يالعظمة الأم!؛ فعلاً لقد نسينا تشغيل التدفئة والطفل مزرقّ من البرد.
التفتت لابنها وقالت له:أسكت ماما إهدأأنا بجانبك...م..ا..م..ا؛وانقلبت على جانبها وهي مستلقية لتراه..وياللمفاجأة:لقد هدأ عندما هطلت نظراتهاعليه ودموعها على صدرها.
يقترب الطبيب منها بهدوءويناولها الكتلة الزهرية،الملفوفة بالأبيض:هاك أرضعيه.
أطاعت ممتنةوأرضعته فانسكب السائل الأبيض مدراراً،خارج فمه وبفمه.
واستغربت أن ليس هناك(لبي)،
والحليب دافئ وغزير، ووجه ابنها محمر قليلاً
ودافئ كالحليب.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى