مصطفى نصر - حجرة وحيدة

كان زوج موزة يعمل في مصنع معسل سلوم؛ القريب من سيدي أبى الدرداء، لكن المصنع أمم، وضمته حكومة الثورة إلى شركة النصر للدخان القريبة جدا من كوبري محرم بك.
زوج موزة طويل إلى حد بعيد، ونحيف جدا، يرتدى بنطلون أبيض يغطى جزءً من صدره، وقميص لونه بني؛ فيبدو وكأنه سيجارة بيضاء بفلترها البني، فأطلقوا عليه في الحي: "السيجارة الونجز"
يخرج زوج موزة من البيت - الذي يسكن حجرة وحيدة فيه تطل على الشارع - في الصباح الباكر، تكون موزة نائمة وقتذاك. تتأفف من حركته في الحجرة؛ خاصة فتحه للباب في عنف، فالباب التصق ببلاط الحجرة وأصبح بطيء الحركة ولابد من دفعه في عنف حتى يتحرك. كثيرا ما أوصت زوجها بأن يأتي بنجار لأخذ قطعة منه بالفارة؛ ليتحرك بسهولة، لكن الرجل لا يسأل، وموزة تريد أن تنام لقرب الظهر، فما الذي يجعلها تصحو مبكرة، وزوجها يقوم بكل شيء لنفسه، يدخل الحمام المشترك مع العديد من الجيران، ثم يعد طعامه، ويأخذ بعضه معه ليتناوله في شركة الدخان، ما الذي يجعلها تصحو مبكرة وهي ليس لديها أطفال، فلم تنجب رغم مرور السنوات الطوال على زواجهما. أكيد العيب من زوجها، أحيانا تكون موزة مستيقظة وزوجها يحدث الضجة وهو يستعد للذهاب إلى عمله، لكنها تظل نائمة، وتنتظر بفارغ الصبر أن يخرج من الحجرة، ويشد الباب الثقيل ليغلقه لكى تصحو وتفعل ما تريد. تتنهد بصعوبة وهي متكئة على جانبها، تتابع زوجها دون أن يلحظ، فهو قلما يتعامل معها جنسيا. الرجل صحته على قدره، وزار مستشفي الصدر في المعمورة عدة مرات، وقد حذره الطبيب كثيرا من الإفراط في العملية الجنسية. طبيب ساذج لاشك، أى إفراط هذا؛ وهو يخاف أن يقربها. وإذا ما ألحت عليه؛ أخذ يستعد لذلك لأيام عديدة. يأخذ حقنة وصفها له الطبيب، ويأكل أنواع خاصة من اللحوم والأسماك لكى تعوض ما سيفقده معها، ولأنه يقربها كل مدة طويلة جدا؛ فاللقاء لا يستغرق لحظات معدودة؛ لا تستحق حتى الاستحمام الذي ستفعله بعدها. كيف ينجب وهو لا يقربها إلا كل حين ومين؟!
يخرج زوج موزة؛ فتهب من سريرها، تقف أمام مرآة دولابها القديم الذي تزوجت به، تتابع وجهها الجميل، تشد بإصبعيها تحت عينيها، التجاعيد بدأت تظهر، والوجه ترهل، وكذلك الجسد، تتنهد في أسى. ضاع العمر هباء مع ذلك الرجل الذي يبخل عليها بجزء من صحته.
ستذهب بعد قليل إلى نجار لكي يصلح هذا الباب، كما أن الحجرة في حاجة إلى تبييض. تعرف هي نجار دكانه في أول الشارع العمومي، ستأتي به ما دام زوجها لا يسأل.
لم يتأخر النجار، حمل أدواته وذهب معها؛ بعد أن ترك الدكان في حراسة ابنه الصغير.
العملية سهلة للغاية، خلع الرجل الباب من مكانه، وسنده على مائدة موزة، وأزال عنه القليل من الخشب بالفارة، حتى تحرك بسهولة. كان النجار نحيفا مثل زوجها، وإن كان أقل منه طولا، قالت له وهي تقدم الشاي:
- الباب حفر الحائط فوقه.
قال: أعرف مبيض جيد، أرسل له لو تريدين.
قالت: على خيرة الله، أرسله في أي وقت تشاء.
**
وقفت موزة بجسدها المائل للامتلاء في منتصف الحجرة، بينما النجار والمبيض متجاورين بجوار الباب الذي يتحرك الآن بسهولة. كانت ترتدي جلبابا يكشف عن ظهرها الأبيض. كانت مرتبكة، تتصرف في خجل شديد ( هكذا هي إذا قابلت الرجال، خاصة لو كانوا شبابا )
رفعت ذراعيها العاريتين، فكشفت عن تحت إبطيها، أشارت إلى الحفر التي أحدثها احتكاك الباب بالحائط، فقال النجار:
- الأسطى محمود سيسدها، ويبيضها، سترتاحين معه.
ثم استأذن النجار لأنه ترك الدكان في حراسة ابنه الصغير، ومن الممكن أن يسرقوا شيئا من أدواته.
كان محمود يقف فوق سلم متحرك، وبسكينة المعجون يسد الفجوات، ثم ينزل ليأخذ عجينة أخرى ويسد بها. وموزة تجلس فوق سريرها تراقبه، صعب الشاب عليها، فهو ينزل من وقت لآخر لأخذ العجينة والصعود بها، قالت:
- لماذا لم تأت بصبي؛ ليساعدك؟
- الأمر لا يستحق هذا.
فقامت موزة وعملت مساعدة له، كانت تأخذ المعجون وتعطيه له، وتظل ناظرة إلى أعلى في استسلام عجيب، وجدت متعة في عملها هذا.
انتهي المعجون الذي أعده؛ والحجرة مازالت في حاجة إلى المزيد. المفروض أن تشعل وابورها لكي يضع الغراء على النار؛ لعمل عجينة أخرى، لكنه لم يطلب منها هذا، جلس بجانبها على السرير، وأكمل لها الحكاية التي كان يحكيها لها وهو فوق السلم، وأخذ يدخن سيجارته، ويشرب شايه سعيدا.
مر الوقت دون أن تحس، هو يحكى لها ويدخن ويشرب الشاي، وهي سعيدة بحديثه. الحق يقال، هو لم يفعل شيئا تفهم منه أنه يريد بها سوءا، لم يمد يده نحو جسدها، ولم يقل كلمة تخجل منها، حتى حكاياته اللذيذة كانت بعيدة عن هذه المواضيع. ظل هكذا حتى دق زوجها باب الحجرة، ففتحت له، فصافحه الأسطى محمود، ووعد بأن يأتى صباح الغد ليكمل عمله.
***
تابع الجيران ما يحدث في حجرة موزة مندهشين، حجرة ليست واسعة ولا كبيرة، يعمل بها مبيض عدة أسابيع. يأتي بعد ذهاب زوجها إلى عمله. أحيانا بعد خروجه مباشرة، ويغلق الباب خلفه؛ ويظلان في الداخل إلى ما قبل عودة الرجل بدقائق قليلة. أحيانا لا يفتح الباب قط إلى أن يخرج المبيض، فتودعه بابتسامة واسعة، وهي تضع ذراعها العاري فوق الباب الذي يتحرك الآن في سهولة، ولا يحتك بالحائط.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى