رسالة من عبد التواب يوسف إلى الدكتور عبد العزيز المقالح

- رسالة من عبد التواب يوسف إلى الدكتور عبد العزيز المقالح

العزيز عبد العزيز
خالص تحياتي ومحبتي ومودتي...

ما تلقيت دعوة منك لليمن ولصنعاء، إلاَّ وعلى الفور قبلتُها، دون تفكير أو تدبير، ومن غير أن أتطلع إلى أجندتي، فقد يكون هناك ما يمنعني من تلبية كريم الدعوة على اللقاء بك؛ لأنك منذ غادرت القاهرة، وكنتُ غائباً عنها، وعدتَ لليمن، قررتَ ألا تغادرها، وأضحى ما من سبيل إلى رؤيتك والالتقاء بك غير أن آتي إليك، تغلبني عاطفة الشوق الجارف. أقول هذا، رغم أنه يدلل على ضعف شديد، لكنني أعترف به، ولا أجد في ذلك غضاضة؛ لسبب واحد، واضح، هو عمق الصلة الإنسانية بك، وطول العهد بصداقة امتدت ما يزيد على الأربعين عاماً، وهي حالة أراها نادرة على مثل هذه الصلة الحميمة، الودودة، الطيبة... وأستطيع أن أذكر الكثير في هذا الصدد، فقد أرجأت رحلة إلى جامعة أمريكية في الثمانينيات، من أجل القدوم إليك، ولا أظنني ذكرت لك هذا؛ إذ ما من فضل لي في ذلك على الإطلاق. ولست أنسى يوم حدثني د. عز الدين إسماعيل يوم اثنين فقال لي إنه في طريقه إليك يوم الخميس، وسألني مداعباً: هل تأتي معي؟ وإذا بالدعابة تصبح حقيقة جادة، ووجدت نفسي معه في الطائرة حقا وصدقاً؛ وبدون دعوة ما من سبيل للقائك غير مثل هذه الجرأة، وأنت تعلم أن الفلاح المصري -بداخلي- لا يحب السفر والتنقل، ويرتعد من ركوب الطائرة؛ لكنني هذه المرة أخالف هذه القاعدة غصباً، مضطراً، مع أنني أعلم أنني قد أحرم من لقاء أراه في كل مرة «الأخير»، وإذا بالأيام تحقق وتدبر جديداً أحمد الله عليه، وأذكر فضله؛ والسبب واضح، وهو أنني وقد بلغت اليوم بالذات، أول أكتوبر، يوم ميلادي الماسي، بعد أن مدّ الله عمري، ومنَّ عليّ بهذه السنين الطوال، لا أتصور أن أكون وحيداً في رحلتي إليك، وقد اعتذر فاروق شوشة، ولم تصل دعوة الدكتور صلاح فضل، الذي تجاسرت ودعوته باسمكم ولم تصله ولم تصلني الدعوة؛ ربما لأني تجاوزت دوري؛ ويعلم الله أن اللقاء بك كان وراء ذلك، والسبب الأساسي في هذا الأمر، إضافة إلى قصر مدة إعداد الورقة، وقد اضطررت لتفتيش خمسين صندوقاً من الكتب بحثاً عن دواوين البردوني وسيرته الذاتية الذهبية، ولم أعثر عليها، وباقي نحو خمسين صندوقاً أخرى. إضافة إلى قرب حلول رمضان، أعاده الله عليك باليُمْن والخير والبركة، ومازلت إلى اليوم أتحمل فيه أعباء إذاعية إضافية، هي أصلاً فوق الطاقة، وخارجة عن برنامجي الذي أصنعه بشكل حديدي، مرتبط بفلسفة خاصة، إذ لا أسعى لشيء الآن غير ماذا يبقى مني للأطفال، لذلك تراني في سباق مع الزمن، وأركز عليه، حتى وأنا الآن غارق إلى أذنيّ في أعمال حول ما يجري على أرضنا العربية، خاصة وأني قد وضعت يدي على فكرة استخلصتها من دراسة تاريخنا: لقد حطمنا بالإسلام كل الإمبراطوريات التي جاءت بعد ظهوره: الأحباش في اليمن والحبشة، الفرس في العراق وإيران، الرومان في الشام ومصر، المغول، والصليبيين؛ وفي العصر الحديث: الاستعمار البريطاني، الفرنسي، والإسباني في ريف المغرب، وصولاً إلى الإمبراطورية الجديدة، التي ستنتهي بإذن الله في كلٍّ من: أفغانستان، العراق، بل وفلسطين.

وقد دفعت للمطبعة بسبعة أعمال، أقول فيها هذا وأمامي أكثر منها ازدحمت غرفتي بمراجعها، مع أنني أكتبها قصصاً للأطفال، مؤلّفة! وهذا مشروع واحد من عشرة على الأقل أسابق الزمن لإنجازها. والصعب أن أغلبها لن يكون بالعربية وحدها، بل إن هناك تعاقدات مع مؤسسات عالمية لنشرها بأكثر من لغة، كالإيطالية والألمانية!

تتساءل بدون شك كيف صحتي؟! أقول لك إنني بخير والحمد لله، أعمل مثل تلميذ في العام الأخير من الشهادة الابتدائية امتحانه غداً! فهذا ما يقوله الأصدقاء والمحيطون بي، وأكتب بيمناي، وفي نفس الوقت أحمل في اليد الأخرى «الفسيلة» لكي أغرسها، كما أشار الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وأرجو ألاّ تظن أني سأعتذر عن دعوة أخرى قادمة، بل إنني بحمد الله سأكون قادراً ومبادراً للقدوم إليك؛ ذلك أنني أتعامل مع الحياة خارج إطار سني، رائدي وأستاذي في ذلك: الصديق سليمان العيسى. سامحني واغفر لي اعتذاري هذه المرة، وأقطع على نفسي عهداً بأن آتي إليك وبلا دعوة، ولديّ إمكانية ذلك، صحياً ومادياً ونفسياً واجتماعياً... فقط أفرغ لنفسي بعض الوقت من أجل أن أحقق ذلك؛ على الرغم من أنني لم أغادر مصر منذ عام كامل، وهذا لم يحدث منذ عرفت السفر، إذ أتركها عدة مرات، وفي كل مرة يذهلني أن أجدها تنتظرني في كل مكان أذهب إليه، بحضورها المذهل. وكنت أنت تنتمي إليها في أوروبا في أسفارك في الستينيات والسبعينيات.

أغفر لي أخطائي في الكتابة؛ لا كمبيوتر يصلحها، ولا أعيد قراءة ما أكتب.

لك كل تقديري واحترامي واعتزازي يا عبد العزيز.

عبد التواب



.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى