د. علي خليفة - مسرحية بيت الدمية للكاتب النرويجي هنريك إبسن "1828 – 1906"

ربما لم تكن مسرحية "بيت الدمية" لإبسن أهم مسرحياته، ولكنها بلا شك أشهر مسرحياته وأكثرها عرضًا على مسارح العالم، ولعل من أسباب شهرتها مناداتها بحرية المرأة والاعتراف بدورها المؤثر في البيت والمجتمع، وكذلك ما بها من تحليل رائع لشخصية نورا، وشخصية زوجها تورفالد، وشخصية الطبيب رانك.
والمسرحية تدخل في إطار مسرحيات إبسن الواقعية التي قال عنها برنارد شو: إن إبسن فيها يجعل الفصل الأول للعرض، والفصل الثاني للعقدة، والفصل الثالث للمناقشة.
ولا شك أن المناقشة التي دارت بين نورا وزوجها تورفالد في نهاية الفصل الثالث أهم ما في المسرحية، ولكنها ليست مناقشة ذهنية تبطئ الحركة وتوقفها، بل هي مناقشة درامية مشحونة بالحركة وعوامل الصراع، كما سوف نرى.
ومرض تورفالد زوج نورا في بداية زواجهما، وكان لا بد من استشفائه في إيطاليا وتوفير مبلغ كبير؛ لذلك اضطرت نورا للاقتراض من شخص هو كروجشتارد، وكانت تخفي عن زوجها هذا الفعل، وتسدد دين القرض في الخفاء، وتعدّّ هذا الصنيع مدعاة فخر لها، وتظن أن زوجها لو علم بذلك سيشعر بالحرج؛ لأنها ساندته ووقفت معه في محنته واقترضت في سبيله.
ومرت السنون ونورا تسدد القرض وفوائده، وأصبح زوجها مديرًا للبنك الذي يعمل فيه كروجشتارد موظفًا صغيرًا، وأراد فصل كروجشتارد لسوء سمعته ولعدم توقيره له، وهنا يهدد كروجشتارد نورا بأنه سيفضي بسر قرضها لزوجها إن لم تتدخل لإبقائه في البنك الذي يرأسه زوجها، ويفاجئها بأمر آخر أنه يعلم تزويرها توقيع والدها على كمبيالة الدين المستحق له عندها؛ لأن والدها كان قد مات قبل تاريخ هذا التوقيع، ويعرفها بخطورة نشره لهذا الأمر. وتحاول نورا أن تقنع زوجها بالإبقاء على كروجشتارد في البنك، ولكنه يرفض، ويرسل له خطاب فصله من البنك، وعند ذلك يكتب كروجشتارد خطابًا لتورفالد يذكر له أمر الكمبيالة والمال الذي استدانته زوجته منه وتزويرها لتوقيع والدها، ويطلب إليه خضوعه له وإلا فضح الأمر.
ويقرأ تورفالد الخطاب، وتظن نورا أنه ستحدث معجزة بأن يدرك أنها فعلت كل هذا من أجله، وكما ضحت من أجله عليه الآن أن يضحي من أجلها، ولكنه بعد أن قرأ الخطاب ثار في نورا، وعدّها سفيهة عرضت مستقبله للضياع وأن عليه الآن ترضية كروجشتارد بأي سبيل، ويقول لها: إنك لا يمكن أن تعيشي معي بعد هذا كزوجة، بل سنكون أمام الناس فقط زوجين، ويقول أيضًا: إنه لا يأتمنها بعد فعلتها هذه على تربية الأولاد.
وفي هذه اللحظة يرِن جرس الباب، ويدخل شخص معه خطاب من كروجشتارد لنورا، ويقرأه تورفالد، ويرى فيه الكمبيالة التي وقعت عليها نورا وزورت فيها توقيع والدها، وخطابًا قصيرًا يذكر فيه كروجشتارد اعتذاره عن تصرفه، فقد حدث حادث غير حياته.
وهذا الحادث هو تدخل كريستين صديقة نورا وحبيبة كروجشتارد القديمة، وإقناعها كروجشتارد بتسليم الكمبيالة لنورا.
وحين يشعر تورفالد بأن الخطر الذي كان يتهدده من قبل كروجشتارد قد زال صاح بأنانية: لقد نجوت، وقال لنورا: لقد زال الخطر، وإنه الآن يعفو عن فعلتها، ويرى أن دافعها لذلك كان لحبها إياه .
وهنا تبدأ المناقشة التي تحدث عنها برنارد شو في مسرح إبسن، فتقول نورا لتورفالد: إنك وأبي أسأتما إلي، لقد تعودتما على أن تعاملاني كدمية،
ولا تناقشاني في الخطير من الأمور، وكنت تدللني كما تدلل أولادنا، وكنت أظن أنك حين تقرأ خطاب كروجشتارد ستعرف تضحياتي، وتضحي أنت أيضًا، فتقول: إنك المحرض لي على كتابته، ولكنك تخاذلت عني، والآن عرفتك على حقيقتك ولا أستطيع أن أعيش معك بعد ذلك.
ويحاول تورفالد أن يستبقيها معه، ولكنها ترفض، وتقول له: إنني أراك الآن شخصًا غريبًا عني، ولا يمكنني أن أعيش معك، سأترك الأولاد معك، وستُحسن تربيتهم، أما أنا فسأعيد النظر في نفسي، ويقول لها: سأغير نفسي، وترفض – مع ذلك – أن تبقى معه، وتتركه وتذهب، وتنتهي المسرحية.
وكما قلنا: فالمناقشة التي دارت بين نورا وزوجها في آخر المسرحية هي أهم جزء فيها، وسبب شهرة المسرحية، ولو أن نورا استجابت لتوسلات زوجها بأن تبقى معه وألا تتركه وانتهت المسرحية نهاية سعيدة لفسدت المسرحية كلها، فكان لا بد للدمية أن تنتفض في وجه ذلك الزوج الأناني، وتبحث لنفسها عن كيان في مكان آخر – وهذا هو رأي كثير من النقاد في
المسرحية –.
وتعد تهديدات كروجشتارد لنورا أزمات متتالية في المسرحية، ويعد خطابه لزوجها ذروة الأزمة في هذه المسرحية.
وأخيرًا أرى أن شخصية الطبيب رانك في هذه المسرحية صديق أسرة تورفالد والمحب لنورا في الخفاء، وهو أيضًا المريض المنتظر موته نتيجة مرض أصابه بالوراثة لإفراط أبيه في الخمر والمجون – تتشابه مع بطل مسرحية "الأشباح" لإبسن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى