فاتن فاروق عبد المنعم - أفق مزدان

نسير، نخوض ونجوس في الأشلاء المقطعة، والدماء اللون الأبرز بين كل الألوان، يتقدمهم سحق العظام فنسمع صوتها بين كل الأصوات، فلا شقشقة ولا غدير ولا حبيبان يدبجان معجما جديدا لمفردات الحب وممارسته، كأنهما هجرا هذه الأرض إلى السماء ليعيدا الدفيء إلى الكون ويذيبا الجليد الذي على كل الأسطح.
العيون شاخصة إلى السماء ربما ........وربما..............، ولكنها مغلفة بطبقة كثيفة من الضباب الذي انسحب على كل تفصيلات حياتنا فلم نعد نرى الحقيقة، أي حقيقة كأن كل الحقائق تورات خلف غلالات الضباب، رضاب الكذب، فلم يعد يرى سوى الكذب الصراح.
خلف هذه الحجب كل الحقيقة وأنا لا أرضى بأقل من كل الحقيقة "طماعة"
هناك طبقة من هذه الحجب على أعيننا لا تتكشف إلا وقت الاحتضار فإذا زالت تجلت كل الحقائق يوم لا ينفع فيه الندم.
ولكني أريد كشف الحجب قبل الاحتضار، لابد من إزالة هذا الضباب والغيوم حنى نرى ضوء الشمس رضاب الحقيقة، مالي أتوق إلى الجنون، فأنا محتاجة إلى أجنحة ملك، كأنه سمع وجيب قلبي وما يعتمل به فهبط من عليائه ومنحني إياها لبعض الوقت.
وكأن مكبوت صدري شق طبقات الجو مجتمعة وصعد بسرعة تفوق سرعة الضوء.
ها أنا أصعد لأعلى بأجنحة ملك، أطوي غلالات الضباب عن السماء كطي السجل للكتب ليظهر قرص الشمس بكامل فتوتها وأشعل أرواحا غادرت الأرض تاركة أجسادا نظنها حية وما بها حياة لتهبط إلى عالمنا الأرضي متلبسة تلك الأجساد مرة أخرى.
لم يعد حجب، وإنما الكشف الطارد لأبواق الكذب ليردها مذمومة مدحورة.
نبراس بيد أحدهم، أخذ يجمع الأشلاء، ود لو استنطقها لتقول بأي ذنب قتلت.
والذين عادت إليهم أرواحهم حملوا الراية من جديد، يمرقون نحو الشيطان بحزبه الضخم الذي ألفه منذ حادثة هبوطه وآدم إلى الأرض، وهو الذي طلب من الله الإمهال فأمهله، وهو من يضمر ..........ويضمر......، كلما اقتربت منه راية الحق حتى وإن اصطفت الجثث والأشلاء فوق بعضها البعض.
لابد من "معالجة" الغيوم والضباب كيميائيا، حتى لا تفترش الكون وتحجب الرؤية مرة أخرى.
المعالجات ليست ضامنة لنا عدم تكرار الأخطاء، أمر هام جدا لم تحرص عليه أجيال متعاقبة حتى بلغنا هذا المنعطف.
شمس الحق عادت للتجلي أضاءت النفوس وأشعلت الأرواح لتبارك فعل الجوارح التي لا تفتأ تعرف طريقها وطريقتها.
بين أيديهم الخريطة التي عبث ويعبث بها الكثير، يزيلون الهزائم والانكسار الذي ران على القلوب والوجوه.
مازالت أرضنا صالحة لممارسة الحب، بأصوات رخيمة ينثرون مفردات قشيبة سينسجها المريدون لإنتاج مواطن جديدة للبهجة التي غابت كثيرا، يعيدون إليها الدفيء المفقود.
ممارسة الحب نوع آخر من المقاومة لا يقدر عليها الشيطان، الحب مشعل الهداية الذي به يحترق الشيطان، كم عبث بأعمدة خيمتنا، منها لغتنا وكأني استحضر أستاذ الموسيقى في مدرستي الابتدائية.
أستاذ محمود، كان سامق القوام، لا يرتدي سوى البدلة برابطة عنق أنيقة كأنه ذاهب إلى الأوبرا، قد يتخفف من سترته صيفا لكن لا يغير هذا السمت، كان يمسك بعوده عازفا ومغنيا لأغنية سيد مكاوي "الأرض بتتكلم عربي" بصوت وأداء جميل.
هل من الممكن أن يعود أستاذ محمود ليغني نفس الأغنية الآن؟!!!!!، أم أن دودا آخر، طفيلي، متآمر علينا غير دود الأرض الصحي الذي ما كان يبغي لنا غير الخير منذ خلقه الله، قام بتقليبها وهياجها لتلفظ ركاما وأكاما مكانه الدركات وليس الدرجات، لخلق واقع جديد.
الإحلال والتجديد ناموس ثابت لا يتغير وإن طال الغياب، سمة وسمت الحياة على كوكبنا، صفت السماء وتجلت النجوم الزاهرة وعاد الملك ليأخذ أجنحته ويغادر كوكبنا إلى مقره بين قرنائه يسبحون حول عرش الرحمن، ويذكرون الأصفياء على الأرض بالدعاء لهم ومباركة فعلهم، فعل الخيرات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى