محمود سلطان - جسد المرأة.. والتفوق "الوطني" المزيف

جسد المرأة.. والتفوق "الوطني" المزيف
محمود سلطان
دخل جسد المرأة كسلعة مستقلة لعالم المال والاستثمار، من خلال "مسابقات ملكة جمال الكون"؛ إذ تجلّت – في هذه المسابقات – نظرية (التشيّؤ) لـ(لوكاش)، و"العقل الأداتي" عند (هور كهايمر)، و (ماركوزة) بشكل واضح؛ إذ جرى التعامل مع "جسد المرأة" بصفته أداة أو مادة خاماً – يجب أن تُصنع وتُستغلّ-!!
إن معهد ملكة جمال العالم بفنزويلا – على سبيل المثال – كان ينفق في نهاية التسعينيات نحو (50) ألف دولار على المتسابقة الواحدة. على طريقة المشي.. طريقة وضع أدوات التجميل (الماكياج).. إنقاص أو زيادة الوزن.. أو إجراء عملية تجميل؛ أي يجري بالفعل التعامل مع جسد المرأة كمادة خام.
يقول (أوزميل سوسا) – مدير هذا المعهد حتى نهاية التسعينيات –: إن هذا المبلغ الذي أُنفق -50 ألف دولار- يُعدّ مبلغاً زهيداً إذا ما قورن بالدخل الذي تدرّه المسابقة، وفي الإطار نفسه تقول (لي ألس) -وهي مندوبة لإحدى المسابقات بالشرق الأوسط-: إن مسابقة ملكة جمال الكون هي أكثر برنامج تلفازي يشاهده العالم؛ إذ يُقدّر عدد مشاهديه في مختلف المحطات الدولية بحوالي بليوني مشاهد، وإن مَن يملك هذا البرنامج يستطيع أن يبيع الثانية الواحدة منه على الهواء للمعلنين بملايين الدولارات.
ولعل الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) الذي كان قد اشترى ثلاث مسابقات، قبل اشتغاله في السياسة، كان أكثر صراحة حين قال: إن مسابقة ملكة جمال الكون تفتح آفاقاً دولية كبيرة للاستثمار، ولذلك لم يكن غريباً أن دافع رجال أعمال مصريون – بعضهم كانوا نوابا بمجلس الشعب - عن مسابقة اختيار ملكة جمال مصر، التي أُجريت عام 1998 في القاهرة.
ولعله من الأهمية هنا أن نذكّر القارئ بأن "البعض" يعتبر استخدام مصطلح "مسابقة ملكة جمال" تعبيرا مهذبا لما يسمى بـ "الاتّجار بالجسد"، وهو ما يذكّرنا بما درج عليه بعض الإعلام العربي حين يُطلق لقب "فنانة استعراضية" على أي امرأة تحترف الرقص الشرقي!
الكاتب الصحفي المصري الزميل محمد سلماوي الذي حضر – بدعوة رسمية – مسابقة ملكة جمال الكون لعام 1997، والتي أُقيمت على شاطئ ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية، ينقل لنا هذا المشهد:
لقد امتلأت قاعة المؤتمرات الكبرى بشاطئ ميامي بالمتفرجين الذين وصل عددهم إلى أكثر من ستة آلاف متفرج، والذين ظلوا يحيّون المتسابقات اللاتينيات بالهتاف، وبأعلام البلاد التي ارتفعت فوق بدْلات (السموكنج)، و"فساتين السهرة"، في الوقت الذي لم تشهد القاعة أية أعلام أخرى، ولا هتافات للقادمات من أوروبا مثلاً.
واضح من النص أن "سلماوي" كان مستغرباً من هذا الفتور الأوروبي، مقابل الحماس اللاتيني الذي بلغ حد رفع أعلام البلاد، وهو ما ذكّره بالمسابقة التي انعقدت في عام 1979 في مدينة بيرث باستراليا، والتي فازت بها متسابقة من فنزويلا، حيث ارتجت الأرض في جميع أنحاء البلاد من التصفيق، وضرْب الأرض بالأرجل – كعلامة – للابتهاج القومي الذي عمّ فنزويلا.
هذا المشهد بالغ الدلالة على أن جسد المرأة لم يعد ساحة للاستثمار الاقتصادي وحسب، وإنما جمع مع هذا نوعاً آخر من الاستثمار، وهو (الاستثمار السياسي) حين تستخدمه بعض الشعوب للتعبير عن عُقَدها السياسية (الإحساس بالدونية أمام الآخر الأوروبي المتفوّق)، من خلال إحراز نوع من التفوق القومي المزيف (الفوز بمسابقة ملكة جمال) لإشباع هذا الإحساس بالنقص.




1635279502319.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى