عمر حمداوي - جريمة خلف الحدود.. قصة قصيرة

سكان المغرب الشرقي كانوا يمارسون مهنة التجارة(طراباندو) وذلك منذ الإستعمار الفرنسي وبعده إلا أن طريقة التعامل تختلف بين الزمن الفرنسي الذي كان يقوم بمعاقبة خفيفة حيث أنه أثناء المداهمة والإمساك بالمهربين يأخذون منهم ما بحوزتهم من سلع ثم يقولون لهم أحضروا سلعة أخرى نحن ننتضركم في الحاجز لنقوم بنفس العملية أي نفسد عليكم الصفقة المبرمة بينكم وبين الزبون ونتسبب لكم في الخسارة مادية كبيرة فإن أنتم عوضتم رأس المال كرروا المحاولة ثانية وثالثة وإن تضعضعتم فلزموا الحدود ولا تعودوا هذا شرطهم في ذلك الوقت أما ما حدث بعدهم حين تولى العسكر الجزائري السلطة فإنه سلط عدوانه على سكان هذه الجهة ولم يتسامح معهم بل قام بأفضع الجرائم في حقهم وهنا تبتدئ القصص المروعة ومنها هذه القصة الفاجعة ذات ليلة مجموعة من التجار المهربين عبروا الحدود باعوا سلعتهم ثم قفلوا عائدين إلى منازلهم كانوا أربعة عشرا شخصا وفي أثناء أوبتهم صادفوا رتلا عسكريا أوقفوهم بإطلاق الرصاص في السماء هرب الناس وتشتتوا في عدة نواحي إلا السي أحمد امسكوا به وأخذوه إلىالثكنة( البوصط أو الكريطة)وهناك تم التجاوب معه بدأ السي أحمد يستعطفعم ويترجاهم بأن يسمحوا له بالعودة إلى أولاده وبإعترااف العسكر وبشهادتهم قام من بينهم أحد الجنود وقال لسي أحمد بإمكانك الرحيل...الآن
فرح أحمد وهم بالعودة أدار ظهره و خطى بضع خطوات في أتجاه المعبر الحدودي متوجها إلى منزله القريب من الشريط الحدودي وفي تلك الأثناء أفرغ العسكري الجزائري ما في شحنة الكلاش _ الكلاشينكوف
من رصاص في ظهر وصدر وكل جسد السي أحمد فهوى جثمانه على الأرض التي امتلأت بدمائه الزكية
*
وفي اليوم الموالي قام الدرك المغربي بالبحث في القضية وجمع بعض الأشخاص الذين رافقوا الضحية في تلك الليلة المشئومة احتجزوا أربعة ومنهم إثنين اتهموهم خطأ رغم كونهم لم يكونوا في صحبتهم أدخلوهم الزنزانة
من أجل الإستنطاق وبدأوا في البحث عن المشتبهين الآخرين وكان منهم سي علي الفتى الشاب كان والده حذره بعدم التجول وسط القرية أيام الحملة لأن أعوان السلطة سألوا عنه وطالبوا بحضوره إلى مركز الدرك عاجلا توجه علي إلى بيت محمد بلحاج زعيم التجار في ذلك الوقت وأخبره بما بكل ما يجري وصارحه بأنه عند أول صعفة يتلقاها على وجهه سوف يعترف لهم بذكر إسمه على رأس القائمة المطلوبة وهكذا تم الإتفاق معه على أساس التدخل عبر وسطائه لمنعهم من تعذيبه ذهب علي إلى مركز الدرك وبعد أن عرفهم باسمه عمدوا إلى إحتجازه بصورة مذلة حيث طلبوا منه أن يدخل الزنزانة مع الداخلين ولكنه رأى مشهدا تتقزز منه النفوس والقلوب ومنظرا لا يقبله عاقل وجد المحتجزين يقضون حاجتهم في عين المكان لأنه لم يكن يسمح لهم بالذهاب للمرحاض أحس بالإهانة والقرف ورفض الدخول وأصر على عدم الدخول هناك جلب الدركي خرطوم الماء وأطلقه على الأرضية حتى صارت نظيفة فدخلها وانتظر ما الذي سيحدث له أو لهم كجماعة تلتصق بها تهمة خطيرة وهي مصاحبة الضحية الذي خرج ولم يعد لمعرفة الحقيقة كاملة بدأ الشاف رئيس المصلحة (..... ) باستدعائهم على انفراد وكان كلما جلس إليه أحد المتهمين يضربه على بطنه بلكمات قوية مؤلمة فينزع منهم الإعتراف إلا علي فإنه لما جلس للإستجواب صرخ في وجه الأجودام وأخبره بعلته وأنه مريض وسوف يجدون صعوبة مع والده الحاج في حالة ما إذا أصيب بمكره خاصة ان والده من الجالية المغربية المقيمة في الخارج التي لها إطلاع على فكرة حقوق الإنسان فسهل عليه الإنكار والإحتجاج وادعى بأنه كان نائما في بيته ولم يغادره إلى مكان آخر فتراجع الأجدام ولم يرسل إليه اللكمات الموجعة والمطلوبة في مثل هذا الموقف الذي يفتتح بها ولو بغير حجة أو دليل و إن إستمرت طويلا مع مجموعة من الأساليب الأخرى المستعملة في ذلك الزمان لن تدع مجالا للمنكر أن ينكر المنسوب إليه سواء حدث أولم يحدث منه أي شيئ (وكم ذهب ضحية هذا التصرف الهمجي من أبرياء لم اقترفوا أي ذنب).. أنت تزعم أنك لا تتاجر في الكوطر بوند ودائما تبدو في هيئة نظيفة وجميلة والمال والمارلبورو في الجيب ياسيدي كما قلت لك هذا بفضل دعم الوالد لي وأنا المسئول في تسير شؤونه البيت في فترة غياب أبي وقبل أن تنهال المزيد من الأسئلة المقلقة والصعبة حضر زعيم المهربين وأنقذ الموقف بتدخله قائلا لما أحضرتم هولاء المساكين إلى هنا رغم ثبوت براءتهم من هذه الجريمة النكراء التي هزت سكان القرية كلها وبعد المناقشة التفاهمية تم الإفراج على علي وإيداع الآخري سجن أبركان وبعد مدة الخمسة و العشرين يوما التي قضوها في السجن أطلق صراحهم ورأوا النور بعد محنة رعب و خوف شديد استولى عليهم طيلة تلك الفترة التي منعوا فيها من التنفس و النور و الحرية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى