إيمان فجر السيد - حديثي لم يكنُ مُسْتَعْمَلًا.. قصة قصيرة

اعتاد أنْ أقدِّمَ له حبة شوكولاته كل صباحٍ قبل أنْ يتناولَ طعام إفطاره، لم أكن أهتمُّ أن أحصلَ منه حتى على بندقةٍ منها؛ إلا تلك التي تسقط من فمه ،فتاتًا، وهو يقضمَ القضمة الثانية منها، كنت أتلقَّفُها بكل حبٍّ وأضعُها في فمي -مبتسمةً- دون أن أُشعرَه بذلك، بينما كان يأخذ رشفةً من فنجان قهوته، ويعبُّ سيجارته ملء رئتَيه، لست أدري كيف كان يستسيغ طعم القهوة الحلوة؟! يبدو أنه لم يكن يخبر بعد المذاق المثير للقهوة المُرَّة! ليدرك الفرق بينهما، هو تمامًا كالفرق بين طعم القرب أو البعد بيننا روحيًا لا جسديًا.

لطالما أكَّدَ لي أنَّ لا طعم للحياة دون قربي، وأنَّ وجودي فقط من يجعل لنبضه حياةً، لطالما كانت أحاديثنا شائقةً وعاليةَ المزاج، الحبُّ فيها في أوج أكسجته ،نقيًّا، لا يعكِّر صفوَه شيءٌ، لكن لست أدري كيف يستأثر أحيانًا برأيه مصادرًا رأيي، ويحتكر أفكاره الحامضة ليضعَها في ثلاجة الهواء؛ فتجفَّ فكرةً وراء فكرةٍ بحجة وقايتها من الفساد وهي فاسدةٌ أصلًا!
ألم يشمَّ رائحتها، ويلحظ بُقَع العفن التي انتشرتْ على سطحها؟!
لطالما حاولتْ أصابعي أنْ تمتدَّ لتخلِّصَه منها لكنه كان يصرخ معترضًا وكأنها القرآن أو الإنجيل؛ فتنزلقُ أصابعي، خائبةً، وقد ألجمَها صراخه.

هل أشقُّ عقلي لأنكشَ الأفكار التي لا تروقُ له وأرميْها في سلَّة المهملات؟!

السرير الذي اعتاد نقاشاتنا الشائقة انحنى ظهره اليوم، لم يعد شابًا من كثرة نوبات الجدل التي دارت بيننا و من كثرة الندوب التي تركناها فوقه دون ترميمٍ.
هل يظنَّني غبيةً وأنا أستمع إلى تفسيراته وتحليلاته الفلسفيَّة العميقة احترامًا لذاته عندي؛ ليضربَ بآرائي عرض الحائط أو يتَّهمني بالسطحية!
عليه أنْ يدركَ جيداً أنَّ سيدةً مثلي لا تُغريها الفلسفات، بقدر ما يغويها أن يُصغيَ إليها رغم جَدَلِها، ألا يُقاطعَها، وأن يَحُكَّ رأسَهُ ألف مرةٍ قبل أن يحدِّثَها عن ذاتها لا ذاته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى