خليل المحيميد - قراءة في قصيدة الشاعر المصري السيد فرج الشقوير

- عندما قام الفنان العراقي كاظم الساهر بتلحين و غناء قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني " الحب المستحيل"
و سمعتها لأول مرة وقفت أمام لوحة للمشاعر الإنسانية التي أختلجت في نفس نزار قباني و هو الحساس تجاه المرأة
و الجمال فحول هذه المشاعر إلى حروف و كلمات مستخدما تفعيلات الشعر و قوافيه ليقوم من بعده كاظم الساهر بتحويل هذه المشاعر إلى ألحان و أنغام و جمل موسيقية تناغمت مع كلمات القصيدة و بصوته الشجي المفعم بالحزن قدم أغنية رائعة للحب و الفن و عندها تربع كاظم الساهر على قمة العطاء الفني الجميل ،
و هذه الأغنية لن تصل إلى النخبة و أصحاب الذوق الرفيع بمجرد سماعها من الكاسيت أو عبر تصويرها بتقنية الفيديو كليب ، فهي أغنية مسرح و منذ أن سمعتها كان بي شوق لرؤية كاظم الساهر و هو يغنيها على المسرح و قد أجاد في نقل الأحاسيس التي حملتها كلمات و ألحان الأغنية بقدرته العالية على التمثيل و إستخدام لغة الجسد و تعابير الوجه
و حركة اليدين لتكتمل اللوحة الرائعة عندها .
بهذه المقدمة أنقلكم إلى عالم الشقوير و هو شاعر مصري ترك بصمة مميزة في عالم الشعر و شق لنفسه طريقا مختلفا و أستخدم أسلوبا مميزا في الشعر مؤسسا مدرسة خاصة به يجب الوقوف عندها .
فمع كثرة التكرار النمطي في المبنى و المعنى و اللغة المكررة للشعراء شعورا و شعرا و أسلوبا أصبح من النادر أن تستوقفك قصيدة أو حتى تشدك لتكمل قراءتها حتى الأخير . فالفقر الشعري يبدو واضحا لك منذ قراءة مطلعها
حيث يكون الشاعر إما مكررا لمعنى تناوله شاعر قبله
أو لغويا لعب بالكلمات قليلا ليشد انتباه القارئ أو محرفا لهدف الشعر و معناه و مفرغا له من مضمونه لأن الشعر إن لم يحرك وجدانا و يثير شعورا و يوقظ ضميرا و يحمل قضية و رسالة فهو ليس بشعر .
و مع الشقوير تجد نفسك و أنت تقرأ قصائده في مركبا للجمال الشعري الباذخ و قد حرك بداخلك مزيجا من المشاعر حيث الحب و الشوق و الحزن و الغضب و الحماس و الشفقة و الألم و البكاء و الضحك و الألم و الحنين . و هذه إحدى روائعه.
- ترك القصيدة بلا عنوان مثل الحب إن صادف هجرا فهو بلا عنوان و مثل الإنسان إن شردته الحروب و المآسي و الغقر فهو بلا عنوان مثل القضايا الكبرى إن آلت إلى غير كفء بها تبقى بلا عنوان .
- مفردات و ثروة لفظية هائلة و هل عدة الشاعر إلا مجموعة أحاسيس تحملها نفسه المرهفة و حروف و كلمات تنقل هذه الأحاسيس و تترجمها مثلما ترجم لنا نزار و كاظم حبهما المستحيل .
- الشعر نبوءة و الشعر إعلام و الشعر ديوان ، و هو يبدأ بأنه يريد أن يخبرنا بما أخبرته به الديار فهو كالشابي الذي قال في قصيدته الخالدة " إرادة الحياة " :
كذلك قالت لي الكائنات و حدثني روحها المستتر
أنبأتني الديار . آه يا شقوير على هذا المطلع حقا يغنيك عن عنوان القصيدة .
الديار كانت افتتاحية كل الشعراء في وقوفهم على أطلالها فهل تريد أن تحذر قارعا ناقوس الخطر لنلحق الديار قبل أن تصبح أطلالا؟ أم أنك تنقل وجع الديار الذي آلم قلوبنا ؟!! .
- مُقَزّمٌ كبيرَهمْ إذا تِرامبٌ نَهَرَه
أليس هذا مؤلم لإمة كتب كبيرها لكبير الروم
..... إلى نقغور كلب الروم !!! .
-أيسلُو الدُّخَانَ الذي حطّ بلغمُهُ في شعابِ السّماء؟
الضباب كثيف و التلوث دخل أدق تفاصيلنا..... .
- أنّنا مُنذُ حزنٍ بعيدٍ... لنا نزعة للغِناء؟
أرفع صوتك بالغنا.... لسا الأغاني ممكنة!!! .
- لم يألف الطيرُ عُشَّ المَصَارِع .
الحرية عشق و رفض الضيم ديدن العربي .
- يَرعَى لِنخلاتِ العراقِ ضَفائراً في كربلاء؟
التآمر الذي أخذ يحاك ضد الدولة الوليدة منذ بدايتها زرع في خاصرتنا جرحا لا زلنا نعاني نزفه .
- ديوانهُ الشِّعريّ خالٍ منْ بهارِ الشّعر...
لا يُنتِجُ صمغاً... لا... ولا يفقهُ معنى للعقيدة
نعم الشعر بهار و عقيدة ، معنى و مبنى ، إحساس و كلام .
- أوج القصيدة .
بدأ الشقوير بالعود ... بعزف منفرد ... ثم أدخل أنين الكمانجات و النايات لتبدأ زغاريد نسوة لرجال القبيلة العائدين بالنصر و من ثم يقرع طبول الفزعة طبول التنبيه
و التحذير طبول الثورة و طلب الحرية
العواصف باغتته ، البراكين ثوري ،نار العشيرة يجب أن تؤجج ، النماء يأتي بعد الأهتزاز .
- يا أيّها الأعرابُ كمْ ماتت بموتِ البُنِّ أفراسٌ وكمْ نَفَقتْ قصيدة !!
ضيافتنا القهوة المرة و هي سوداء و مرة تبقى في مجالسنا لتذكرنا بمرارة الأيام و سوادها لنكون رجال الشدة و الخيل ظهور العز عليها وضع العرب قدما في الأندلس و أخرى في الصين فلتنهض الهمم .
- أنقذتني النّذورُ / البذورُ التي خبّأتْهَا الطّيور /
الكَديدُ الغَيُورُ الْ هَدَى كمْ مِسَحٍّ هصُور
:
مِنْ بَقَايا الطُّبول..
وسؤر الحنينِ الّذي لمْلمتْهُ الفُلولُ الظّعائنُ صَوبَ الأفول
قابعٌ في الحنايا الهَزيمُ الّذي ما ارتضَى بالطَّلُول
وبعض الضّجيجِ المُغمّسِ قُدسَاً..
و تيناً ونَخلاً.... شغُوف الفضول
علّهُ يُدرِكُ السّيفُ قبلَ الأفُول
ما ناسب المطلع غير هذا الختام يبذر بذورا علها تنبت نورا
و نوارا و حقا و مواقفا تعيد للسيف العربي بريقه .
- أنّ روما التي أقنعتْ حَدّهُ بالخُمول...
مُورِقٌ رُمحُهَا فوقَ مَسْرَى الرّسول
ألا يحزن ذلك و هو واقع الحال لماذا يبحث الكل عن مجده و تاريخه من روم و فرس و ترك و قياصره و نحن نيام ؟!! الشعر قضية أليس كذلك ؟
- فانظروا..
ماذا تَقولُ الأُحجِياتُ عن الخيول
البَوحُ من أسرارها إنْ أزمعتْ يوماً تصول
تسمع لحافِرِها صليلٌ كالمُرَقّشِ إذْ يقول
حسان بن ثابت يقول :
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء
المتنبي يقول :
عليَّ لأهل الجور كل طمرة عليها غلام ملء حيزومه غمر
فلنعدم خيولنا إن لم تصل صولة حق تعيد للعرب هيبتهم
حلم و دعوة و أمل و فرح مرتقب و الخيل عزٌ
- بالموسيقى الرائعة و المفردات المتراكضة و التعابير القوية و النفس الشعري الجميل و الإحساس الصادق و الكلمة المؤثرة كانت قصيدة الشقوير تلك قصيدة مسرح و أني ما أحببت أن ألقي قصيدة لشاعر قط إلا هذه القصيدة فهي قصيدة مسرح مثيرة و رائعة و مدهشة .
- شاعر الألم كما يحلو لي أن اسميه كان في هذه القصيدة
و كعادته في كل قصائده مستحيلا و مبهرا
و اترككم مع القصيدة .
أنبأتني الديّارُ الَخنافِس..
والقصورُ / البخورُ / الطّنافسُ...
أنّ همَّ الفَسافِسُ :
دِشداشةً معطّرة...
خَزِينةً مهُولةً وخَزنَةً مُشَفّرَة
وهَيبةً كأنّهمْ كَواسِبٌ مُغَبّرَة
تَكبُرُ في خبائنا وهُمْ رَميمُ مقبَرَة
تخُورُ في خَوائها تلكَ الجسوم القذِرة
مُقَزّمٌ كبيرَهمْ إذا تِرامبٌ نَهَرَه
يقيؤ في صحونِنا عُجَرَّهُ و بُجَّرَه
همّهُ سجنجلاً مُقعّرة..
وصورَةً مُكبّرة...
ونابَ أعتَى قسْوَرَة
يُريدُ أنْ تهابَهُ أتَانُنا....
وتتّقِيهِ البَقَرة
...........................
وشوَشَتنِي الرَّصَافُ / انتحارُ القَوادِس..
وشَتْ لي بمنْ باع تلك المَقَادِس
وقالت....
أيأتِي القِطارُ الْ يَشُقُّ الحَنَادِس..
على متنِهِ شَدوَ حُلمٍ قدِيمٍ... وذِكرَى غِطاء؟
وهَلْ يُزمِعُ اليَاسمينُ امتِشاقَ العبير..
فيمْنحُنا أنفَهُ والزّكَاء؟
أيسلُو الدُّخَانَ الذي حطّ بلغمُهُ في شعابِ السّماء؟
أهَلْ تُدركُ القُبّراتُ البواكي على دَوحِها بالعَرَاء..
أنّنا مُنذُ حزنٍ بعيدٍ... لنا نزعة للغِناء؟
أنّ مَا يَطلُبُ التُّعساء..
هُدنةً... بعدَها سوف يَحلُو البُكاء؟!
..................
عاتبتني العنادِل /
جناحُ اليمامة / كلُّ الوسائل
:
برغم الضّغوط التي مارَسَتها المزالِج
برغم الخُروق الّتي تدَّعيها البَوارج
لم يألف الطيرُ عُشَّ المَصَارِع
ولمْ تُغْرِهِ يا حصيد النّوارج
لمْ تُلْهِهِ مائداتُ الخوارج
ولمْ تُثنِهِ وسْوسَاتُ السّفارِج
إنّما راودتهُ السّماءُ
ومدّت لهُ مِن برَاح التّطَلّعِ شتّى المعارج
فقُدّامَهُ ماتعات الطّوَالِع
..................
باغتتني العوَاصِف...
وريحُ السّمُومِ الخَواصِف
في أسَى تَمْتَمت لي النّواصِف
:
موت البرَاكين انتفاء
فإذا تموتُ فمَنْ يؤجّجُ في العشيرة نارهَا....
أوْ منْ يثيرُ الأُبّهَاء؟
ومَن الّذي.....
يَرعَى لِنخلاتِ العراقِ ضَفائراً في كربلاء؟
من الّذي.....
يُهدي لكَمُّون الصّعيد معاطفاً....
كي تتّقي بردَ الشّتاءُ؟
وجبال عمّان الّتي قد كَهْكَهَت...
تَرجُوكَ شالاً أو حِذاء؟
يا أيّها البركان إنّ الدّلَّ في فصلِ الصّقيع...
هو الغباء
يا أيّها البركانُ ثُرْ فالأرضُ في وطني خواء
بعضُ العناصر أيّها البركانُ فازفر بالنّماء
الأرضُ شاخَتْ في انتظارِكِ أنْ تَشَاء
.................
فاجأتني الغوائل...
باهلتني المسائل
:
ماذا تَبَقّى منْ غضب
والبحرُ ما عادتْ لهُ في شطّ إفريقيا قصيدة؟!
إنّ الدّراما في مُسلْسلِهِ الرّكيكِ ضعيفةٌ...
ومُعادَةٌ...
مثل إلتصاقِ ذُبابةٍ ذاتيّةِ الأقذاءِ حمقاء بليدة
ديوانهُ الشِّعريّ خالٍ منْ بهارِ الشّعر...
لا يُنتِجُ صمغاً... لا... ولا يفقهُ معنى للعقيدة
البحرُ لا يُعطي الأمازيغ حقوقاً في تواريخ الثّريدة
ماذا تَبَقّى منْ عربْ...
وزجاجةُ الويسكي تنامُ الآن في فنجالتي والبُنّ مغبُونٌ من البَيْضَا إلى مَرْفَى الحديدة؟!
يا شطّنا العربيّ إنّ العامَ عامُ البُنّ لكن...
كيفَ والشُّطآنُ ما عادتْ خَرِيدة؟!
البُنُّ أثبَتَ أنّهُ بالجمر يَمنَحُُنا جميع طعومَهُ
ويَبُوحُ لي عنْ سِرِّ نَكهَتهِ المُعتّقَةِ الفريدَة
يا أيّها الأعرابُ كمْ ماتت بموتِ البُنِّ أفراسٌ وكمْ نَفَقتْ قصيدة !!
...........
أنقذتني النّذورُ / البذورُ التي خبّأتْهَا الطّيور /
الكَديدُ الغَيُورُ الْ هَدَى كمْ مِسَحٍّ هصُور
:
مِنْ بَقَايا الطُّبول..
وسؤر الحنينِ الّذي لمْلمتْهُ الفُلولُ الظّعائنُ صَوبَ الأفول
قابعٌ في الحنايا الهَزيمُ الّذي ما ارتضَى بالطَّلُول
وبعض الضّجيجِ المُغمّسِ قُدسَاً..
و تيناً ونَخلاً.... شغُوف الفضول
علّهُ يُدرِكُ السّيفُ قبلَ الأفُول
أنّ روما التي أقنعتْ حَدّهُ بالخُمول...
مُورِقٌ رُمحُهَا فوقَ مَسْرَى الرّسول
فانظروا..
ماذا تَقولُ الأُحجِياتُ عن الخيول
البَوحُ من أسرارها إنْ أزمعتْ يوماً تصول
تسمع لحافِرِها صليلٌ كالمُرَقّشِ إذْ يقول




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى