د. محمد سعيد شحاتة - كاهنُ الشِّعْب

يا كاهنَ الشِّعْبِ
أشعلْ لنا كوَّة النار
كيما يجيء الذي غادرَ الشِّعْبَ ليلا
وخلـَّف صورتَه في الضلوع
مُحَمَّلةً ببقايا حنين
لمَنْ غادروا الشِّعْبَ يومًا
ويلتحفون الوجعْ
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
صُبَّ لنا قهوةَ الألم المتبعثِرِ
بين عيون الصبايا
على ربوةٍ كـُنَّ يحملنَ كلَّ صباح
إليها التحايا
ويطلبن في السرِّ زوجًا
يُلملمُ في الليل حُلمَ العيون
ولحنَ الحنايا
غريبان صارا : الفتى والهوى
ووجهُكَ يا كاهنَ الشِّعْبِ في مقلتيه غريب
غريبان والشِّعْبُ ينشدُ أغنية الحبِّ
هل من خلاصٍ لذاك اللسان الذي اغتربت ضفتاه:
الهوى والحنين ؟!
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
صُبَّ لنا في الكؤوس اللظى
كنتَ إن جَنَّ ليلُ الغريب تديرُ الكؤوسَ
وتملكُ ناصيةَ الحلم
لا القلبُ غادره اللحنُ
أو ناصبته الليالي العبوس
كنتَ إنْ أنَّ قلبُ الغريب
بعثتَ له من بناتِ اللحونِ عروس
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
أشعلْ لنا كوَّةَ النار
كيما تضيء الحنايا
وتعلو الرؤوس
*
لمحةً..
لمحةً ..
تتجلـَّى عيونُ المغادر ليلا
على صفحةِ الماءِ
ينسجُ ثوبًا لعاشقةٍ
حاصرتها التروس
فامتطت صهوةَ الحلم
لا غول فيها
ولا خيل مَنْ عشقوها تجوس
فهذي ليالي النحوس
*
لمحةً ..
لمحةً ..
والشعاعُ الذي مرَّ نحو المرابعِ
يرتدُّ سهمًا
فيروي الفؤادَ بدمعٍ حبيس
خطوةً ..
خطوةً ..
والمرايا التي كنتَ تحمل فيها
ملامحَكَ ارتدَّ سهمٌ إليها
فكيف الندامى
وكيف النفوس ؟!
*
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
للبحر أغنيةٌ
كلما نادمته الأعاصيرُ
أو حاصرته المواويلُ من ضفتيه
يبوح
وللقلبِ ساريةٌ
كلما عانقتها المصابيحُ
أو بلـَّلتها دموعُ الحيارى
على صفحتيه الجروحُ
تلوح
*
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
أين لسحرك ذاك البريقُ ؟1
ومَنْ للمسافر ينسجُ أغنيةً
كلما جَنَّ ليلٌ تدثـَّرَ بالحلم فيها
ولملمَ صورتـَه من مرايا الزمان
ودثـَّرَ أضلعه بالهوى والحنين
ومَنْ للمسافر
ينسج صورتـَه في ضمير البلاد
وقد نسيتْه اللحونُ التي
أبدعتها الموالي
وغنـَّتْ لمَنْ جاء خلف السواري
والبروقُ التي تتلمَّسُ دربَ المسافر
عند الموانئ ضلـَّتْ
والصقورُ التي تتأبَّطُ لحنَ الأحبةِ
خلف التخوم تخلـَّتْ
واللحونُ التي أبدعتها أناملُ
مَنْ عشقوا اللحنَ يومًا
تولـَّتْ
ولم يبقَ غيرُ الوجوه التي عانقتها الدماءُ
*
أيا كاهنَ الشِّعْبِ
هذا الفتى العربيُّ
غريبُ الملامح
والقلبِ
والأغنيات


____________________________________
* ديوان: نهر وحقول مقفرة





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى