ظمياء ملكشاهي - قشور البصل.. قصة قصيرة

في احد المناطق النائية من محافظة ذي قار عاش عبد الله الشاب العشريني الجميل الوقور الذي حظي بقبول وحب كل أهل منطقته وكل من عرفه وتعامل معه من خلال عمله البسيط في القصابة وكان يزور بيته الذي توسط هضبة صغيرة فيرفده بما نقص أستعدادا لزواجه المرتقب من اجمل فتاة أختارها وسط فرح الجميع وغبطتهم لحسن أختياره لعذراء وحيدة أبوها الحاج احمد وسليلة نسب كريم ،وماهي ألا ايام قلائل حتى تحدد موعد العرس وتم الأحتفال والتهليل ومباركة الجميع وزف عبد الله وعروسته الى بيتهما الجميل ،مضت الايام وعاد عبد الله الى عمله تاركا زوجته في رعاية الله وكان يومها الاول للقيام بمهامها كزوجة وبدات بتحضير طعام الغداء وتناولت سكينا لتقطيع قطع اللحم عندما سمعت مواءا غريبا يأتي من خلفها ،أستدارت عذراء هلعة حتى طالعتها عيون قط كبير اسود ،ولأنها كانت معتادة على القطط في ذلك الحي قطعت من اللحم قطعة صغيرة وقادت القط أليها خارج الدار حتى اغلقت الباب وتبسمت عأئدة الى المطبخ بملابسها الجميلة الزاهية كأي عروس في ايامها الاولى حتى أرعبها رؤية القط أمامها مرة أخرى وهو يحمل قطعة اللحم في فمه ويرمي بها على الأرض ،نظرت عذراء الى الباب المغلق وتفقدت الشبابيك بنظرة عابرة وجرت في جسدها رعدة غريبة حتى بدأت بالركض نحو الباب وفتحها وطرد القط الذي فر هاربا من صراخها وبعد أن أحكمت غلق الابواب والشبابيك وعادت ألى عملها بأنتظار عبد الله الذي رجع مبكرا أليها ،وبعد تناول الغداء وأحاديث مقتضبة ذهبا الى قيلولة قصيرة ثم الى زيارة اهل عذراء وأهله ومر أسبوع جميل لاغرابة فيه سوى عودة القط الأسود الذي يتواجد دائما في غياب الزوج لاتمنعه ابواب مغلقة ولايهمه كثرة الصراخ ولا قطع اللحم ،أستغربت عذراء الموضوع وقررت ان تخبر عبد الله بما يجري معها ،وبالفعل روت له تفاصيل هذا القط الغريب ،داعبها عبد الله باسما بان لاتهول الموضوع وهدأ من روعها وقرر عدم الرجوع الى العمل ومراقبة ذلك القط والتخلص منه الى الابد ،وفي أثناء نومه سمع صرخة مدوية صادرة من جهة المطبخ حمل عبد الله حجارة كبيرة كانت تسند باب المطبخ وهرع راكضا الى المطبخ حتى لمح ذلك القط وسدد باتجاهه الحجر حتى أصابه في رأسه فهرب القط وأختفى بمواء غريب مرعب ،أحتضن زوجته وقبل رأسها وهو يطمأنها أن المشكلة أنتهت .مرت الأيام جميلة هادئة تغمرهما السعادة والألفة حتى فجر أحد الايام الحارة من تموز عندما تناهى ألى سمع عبد الله طرقا خفيفا على الباب الخارجي لبيته ،أستغرب عبد الله ونهض مهرولا الى الصالة ظنا منه أن خطبا أصاب أحد ذويه وفتح الباب واذا بمجموعة من الرجال تقف بوقار فتقدم أحدهم وطلب منه ان يرتدي ملابسه ويأتي معهم بأمر من الحاكم ،واراد ان يستفهم الموضوع وماهي تهمته فلم يستطع النطق فذهب لارتداء ملابسه وودع زوجته ووعدها بأن يعود حالما يفهم الامر ،اقتاده الرجال الى خارج المدينة حتى وصلوا الى تل صغير تحيطه الأشجار من كل أتجاه ،أستغرب عبد الله هذا المكان ودارت في ذهنه أسئلة كثيرة فهذه مراتع صباه فكيف لم ير هذه المنطقة من قبل ،وفجأة فتح باب خشبي طويل في مقدمة التل تجاوره بعض الصخور الملونة فطلب منه الرجال الولوج والتقدم واستغرب ان يكون فاقد أرادته في الرفض والممانعة ،دخل في ممر طويل يفضي ألى قاعة مضيئة بقناديل ملونة ومقاعد وثيرة وقد جلس عليها علية القوم بثياب مزركشة والوان براقة وفي نهاية القاعة كان قد اعد فراش وثير لاحدهم تمدد عليه شاب جميل قد عصب رأسه بعصابة بيضاء وكانت بقعة من الدم قد تسللت الى بياضها الناصع،القى عبد الله السلام على الجميع وطلب منه أحدهم ان يجلس في وسط القاعة من اجل محاكمته ،أستغرب عبد الله وعصفت به الحيرة والخوف فلم يسبق له ان رأى مثيلا لما يحدث حتى قطع حيرته رجل وقور واشار ألى الشاب طريح الفراش ،وطلب من عبد الله ان يعترف بجريمته في محاولة قتل هذا الشاب،أنكر عبد الله بكل ثقة علاقته بقتل هذا الشاب أو رؤيته مسبقا واصر على برائته وطلب من الشيخ تحري الحقيقة والسماح له بمغادرة المكان والعودة ألى بيته وزوجته حين تناهى صوت ذلك الشاب مشيرا أليه وهو يقول :لقد ضربني بحجر كبير شق رأسي فجرا ووصلت بصعوبة الى قومي ،اطرق عبد الله قليلا ورد على الشيخ أنه لم يضرب سوى قط أسود كان يباغت زوجته ويرعبها طوال أيام وليالي حتى استنجدت به لأنقاذها ففعل مافعل للدفاع عن زوجته العروس،سمع الشيخ اقوال عبد الله بتمعن شديد ورد عليه بهدوء أن الشاب الطريح هو القط الأسود ،فوقع في قلب عبد الله الخوف وادرك انه يتعامل مع مخلوقات قد تفتك به ان لم يستعمل الحيلة والصبر ،فاستدار مستنجدا بالشيخ وهو يقول : ٱيها الشيخ الموقر فهل تقبل ان تهتك اعراضكم وتزال أستاركم وتكشف حرائركم أمام الغرباء وكما أرى انتم قوم عدل ومخافة ؟
فوقف الشيخ صامتا برهة ورد بوقار على ماقاله عبد الله وحكم بالعدل والقصاص من الشاب المعتدي الذي هام حبا بأنسية واعتدى على خلوتها ،وامر پاطلاق سراح عبد الله ورافقه بنفسه الى الباب مشيرا له بطريق الرجوع،شكر عبد الله الرجل وكأنه في كابوس مرعب وتوجه مسرعا للخروج الى الطريق وقد بدأ الفجر بالأنبلاج حين اخرج الشيخ من عبائته كيس من الخام الابيض وهو يقول هذه هي هديتنا أليك وعد سالما غانما ،تناول عبد الله هدية الشيخ وهرع بالسير الحثيث وهو لايجرؤ ان ينظر خلفه حتى أبتعد ولاحت معالم البيوت البعيدة فسكن روعه وجلس ليستريح وهو يتفحص ذلك الكيس الخفيف فمد يده واذا به كومة من قشور البصل.أستغرب عبد الله وهو يلف عبائته عليه وينهض ليواصل المسير وتبسم ضاحكا وهو يرمي تلك القشور فتأخذها رياح البرية ووصل الى بيته وهو يشهق انفاسه ويحمد الله كثيرا ويستعيذ به حتى أستيقظت زوجته قلقة مع بداية خيوط الشمس الاولى واحتضنت زوجها وهو يقص عليها ماحدث وبدات بتعليق ملابسه وعبائته التي بدت و كأنها تحمل قطعا من الذهب الاصفر تناثرت عليها تحت ضوء الشمس نظرت زوجته باستغراب عظيم وبدات بالتقاط تلك القطع التي تشبه قشور البصل وعيون عبد الله تفيض


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى