جاكلين سلام - برتقالة عارية

يتكور القلق في يدي، أفتح باب التسكع في تحولات البرتقالة:
العالم مكتظٌ بالغرباء، راودني الجرح ولم أنتظر
احتضنتُ البرتقالة في راحتي كجنين يتكور في رحمٍ، كانت كفي معتمة
أدرتها صوب الجهات، لم تكن حيادية اللون. كانت عيناي ملتئمتين بلا شمس.
عالمٌ يختنق بالمجاهيل والأقنعة. البيت مكتظٌ بوجوه نطلق عليها في بلادنا، الأصدقاء
اشتبكتُ في البرتقالة. أكشط ثوبها الناري عن القلب. رائحة أحشائها تتجاوز أصابعي
لا يثير اهتمامي أن لون داخلها كلون الخارج مع أنني أذكر حين كنا نصلي، كنا نردد:
"أبانا الذي في السموات.. أعطنا السلام كما في السماء كذلك على الأرض .. "
وكانت القلوب تتدحرج متباعدة، وكأنما الجحيم على مقربةٍ.
يصدف أنّ شجرة ثمرتها ليمونة وتلبس ثوب البرتقال
أمي تبتهج بشتلة غريبة تطرح شكل البندورة بلونها الأحمر من الخارج ولكن قلبها ثمرة باذنجان!
نحن نوليها عناية فائقة لهجنتها، وربما لحداثتها، ولأن العالم فقد أسباب الدهشة.
السكين وقشور البرتقالة ورائحة تصيبني
اشتبكُ في مكنون البرتقالة والأشياء المغلقة
أنجزتُ فصل القشور، لم تنقطع عن بعضها القشور
أعدّتُ بناء برتقالة، من قشر البرتقالة ذاتها
أطبقتُ الجرح على شفة الجرح. اكتمل المشهد
كان العالم مترعاً بصخب الأصدقاء
والموسيقى وجوهٌ محدبة، مقعرة، مستوية لم تكتمل!
يا لأصابعي، أغرق في غيبوبة، ملاحظةً أثرَ جرح قديم يقول:
كنتُ طفلة، اخترقت سكين أصبعي، نفر دمٌ
كنتُ عنيدة لم أسمح لأمي أن تقشر لي الحكاية!
برتقالة عارية ينقصها في القلب شمعة
إنطفأتْ أضواء البيت حينها التفت الجمع لواقع البرتقالة
لهب الشمعة، لون البرتقالة، معنى العالم: اشتعال يحاذي النصل
أقلّب فصوص البرتقالة، أحررها عن بعضها، أتلمظ التفاصيل
أجمع الحزوز، يعتريني الشحوب
بين أصابعي وفصوص القلب ثغرة أشدّ اتساعاً من قبرٍ
البيت هناك مذبوح بالأشياء والصمت، كنتُ مأخوذة بين أشلاء البرتقالة
البيت هنا يتأرجح في الصقيع وتتكرر تحولات البرتقالة
العالم هنا وهناك، ننغلق كالأصداف أو القنفذ "كبابة الشوك".
نوشك على قتلنا ولا تسعفنا برتقالة الشمس
رائحة العالم مغلولة بموت منتقص الأركان،
ويحررني الوهم، الرحيل، الغرق
أضع في الكفين: العالم، البرتقالة والشمس
أبحث في اللوح المكسور والقلب المكسور عن الجمل الناقصة، وعمداً أسقط تفاصيل الصورة
تابعت التنصت للقشور حتى الفصل الأخير
من الصمت والحزن. ذرفتُ ما يماثل دمي
بيقين القلب نستردّ الوجه المتروك في العتمة
الثمرة تقاسمناها وضيوف العالم
بعضهم غمسها في النبيذ، بعضهم التقطها باليد، بعضهم بالروح، بعضهم دحرجها بقدمه إلى الجحيم وهو يدمدم: لا أحب البرتقال.
إنصرف الكثيرون عن العالم، عن بيت الشمس
بعضهم أخذ من المشهد رائحته، بعضهم رومنسية الشمعة في جسد البرتقالة، بعضهم ضاق ذرعاً ببعض وبي وبكل شيء.
هائمة كالبدء
أتلمس خفايا اللون الناري في استدارات البرتقالة
أهجس أن غريباً يرقب رسالة السكين والأصابع وحزوز البرتقالة، صامتاً كإلهٍ منبوذٍ
لا أحد يعود ولا البرتقال
يحتفظ مجلد الذاكرة بصور فوتوغرافية للبيوت، داخلها والخارج
إحدى الصور تظهر امرأة تشبهني، كانت ترقص نائية عن وجهها
وما زالت يداها معلقتين في الهواء، كأنما تسعيان إلى شمس بحجم قبضة
وفي الخلفية كانت شجرة البرتقال تتابع الفصول...



جاكلين سلام -كندا
( من نصوص مجموعة : "رقص مشتبه به" 2005، الدار العربية للعلوم، بيروت.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى