رضا يونس - العرض الكبير... قصة قصيرة

بصعوبة تصل إلى السوق، تحمل أكبر فلذاتها الذي لم يتجاوز السابعة، هي المرة الأولى التي يفارق فيها أفراخها الأربعة..
الذكرى السنوية السابعة للسوق.. الزحام شديد، في مدخل الساحة ثلاثة قطارات بشرية طويلة، منها اثنان للنساء..
تقف خلف امرأة تجاوزت الثمانين، تتوجع من مفاصلها الهشة..
تنصحها العجوز باختيار قطار الشابات اللاتي يحملن فلذاتهن، اختصارًا للوقت الضائع مع تلك المفاصل الخالية من نخاعها..
المسافة كبيرة بين هؤلاء الرجال الذين يحملون ملامح غارقة في البرونزية وتلك النسوة حاملات ملامح الطين..
طابور الأمهات كان أسرع، ينفضُّ سريعا، باتت على بعد أمتار من العرض الكبير ..
تغيب الشمس عن تلك الساحة المحدودة بسياج معدني مكهرب..في الأفق سحب سوداء تحمل الآثام..
واجهة شفافة ذات خلفية مظلمة، مقسمة إلى حجرات زجاجية، لا يزيد حجمها عن متر تقريبا، معزولة بجدر سميكة تحجب استقبال صوت المحررين مؤقتا، لكنها تسمح بإرسال أنين الداخل..
تبدو كڤاترينات عرض منمقة، أمام كل منها منادٍ بدين تغيب ملامحه الدميمه إلا من صوت غليظ، يعدد مزايا السلعة..
أحدهم ينادي:
-من يشتري فلاحًا مفتول العضلات، يعمل عشرين ساعة، بلا كلل يعمل، فقط لقيمات مغموسة بالملح وحسوات نيليه تكفيه، يحسن الغرس والرِّي، ويملأ أكياسكم حصادًا؟
تنقل عدستها إلى الغرفة المجاورة، بداخلها رجل نحيف ذي كتفين يبرز عظامهما، يحملان رأسا مشيبًا، يجلس القرفصاء، يحمل فوق حجره قلمًا ومحبرة، بصوت أقل خشونة يصيح المنادي:
-من يشتري رسولًا ذا ماض جليل، يحمل التاريخ في جينات رأسه الكبير، ويمتلك قرطاسًا وسجلًا ..
بامتعاض يزوم المشترون مبتعدين عنه، إلى الغرف المجاورة.
يتجمهرون أمام رجل ذي شارب مخطوط بعناية، تفوح منه رائحة مسكية، يقفز لأعلى مرددا بصوت رفيع:
- وجدتها وجدتها!
يبتسم المنادي طويل القامة يشير للكائن بأنفةٍ:
من يشتري صاحبي؟ إنه يستطيع أن يحول لكم الهواء مطرا، والرمال ذهبا، ويجعلكم تركبون السحاب، ويحقق السراب.. من يشتري الغد؟
مازالت عدساتها تجول في الساحة، ترمق غرفة بداخلها شابة
ناعمة الملمس، كحلاء العينين ،حمراء الخدين، مملوءة الساقين، ملساء القدمين، لمياء الشفتين، ناعمة رشيقة الخصرين، حالكة الشعر، غيداء العنق، ناهدة الثديين، جمالها ومحاسنها وفتنتها جعلت الزبائن ينفضون عن السلع الأخرى إلى تلك الشابة التي منحت وفقط حرية اختيار زبائنها..
كلهم يركضون يتزاحمون يتناطحون يخمشون وجوه بعضهم، يرفعون أيديهم وقلوبهم، بسخرية تقهقه الشابة بصوت ناعم ناغم، تحصدهم بغمزة من رمشيها، لا تفلت منهم أحد..
يدق قلب ذات الفلذات، تتدافع الدماء من أطرافها إلى المركز،
تولي وجهها، تنغلق الأبواب المكهربة، تبكي السحابة الحبلى بلا توقف..

رضا يونس



  • Like
التفاعلات: خالد الشاذلي

أحدث المراجعات

أروع السرد ما يشد انتباه القارئ ولا يتركه إلا بعدما يفرغ من القراءة. ثم لا يعود حاله قبلها.

ذلك مافعله القاص هنا...
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى