بهاء المري - كانت هنا

دخَلَتَ القاعة والحُضورُ يُتابعون بإصغاءٍ شديد، تَسللَّ عِطرها في هدوءٍ ليُعلنَ عن مَجيئها، حَادَت الأعينُ عن مُتابعة المُحاضر واشرأبَّت الأعناقُ إليها في شَغَف.
تهادَت بين الصفوف في شُموخ لا تعبأ بهمس الإطراء ولا بالعيون الفاحصة، بلغت المِقعد المُخصص لها سلفًا والذي تَصادَفَ أنْ كان إلى جواري، رَمَقتُها بلحْظي، التقت العُيونُ في لَمحة، كأنِّي أعرفها من زمن بعيد وكأن لون شَعرها الكستنائي، وابتسامتها الهادئة استنهضا ذاكراتي من سُباتها، وتراقصَتْ الذكريات برأسي.
ودَدتُ أن أهمسَ لها باسْمِي لتتذكَّرَني، ولكني تراجَعتُ، خشَيتُ ألا تتذكرني، كما خشَيتُ العيون التي لم تزل تنظرها، ثم مَن قال إنها سوف تتذكرني؟!
انتحيتُ جانبًا في القاعة بعد انتهاء الندوة، لم أدر لماذا قرَّرتُ البَقاء حتى تَنصرف؟
الحاضرونَ يُغادرون تِباعًا عداها، حدَّثتني نَفسي في وقفَتي تلك بأنها في انتظاري.
تَمَلكتني نَشوةٌ لاستبطائها الانصراف؛ هَمَمتُ مرة أخرى أن أكلِّمها، وللمرة الثانية أتراجَع، مَن قال إنها تتباطأ لتلقاني؟ قد أكونُ واهمًا.
شَرَعتُ في الخُروج من المَكان، اعترَضَتْ طريقي عرَضًا قبل أن تنصرف، سألتها:
- تَنتظرين أحدًا؟
نَطقَت باسْمي وعِطرُ ابتسامتها يَفوح:
- نعم يا .... أنتظركَ أنتَ!
صَدى الجُملة تَردَّدَ في أذنيَّ؛ أفقتُ من شرودي لأجدَ نفسي وحيدًا في القاعة، وعينايَ على المِقعد الذي رأيتها عليه قبل أن تُغادر.






[HEADING=3][/HEADING]



رشدي بركات
ما أروعك سيدي القاضي الأديب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى