عبدالزهرة خالد - شعر بنات.. قصة قصيرة

لم يكن الصراع مع المحيط والظروف سهلا على المرء وهو على العتبةِ الأولى من ارتقاء نيل سبل العيش المثخن بالمدِّ والجزر . أكتبُ على استحياءٍ فقلت لكتابي هذا الرجل يدعوك لأن تكون سرداً بدلاً عن كلّ الأشعار ، حاولت ان استدرج الحديث معه من خلال الاسئلة التي أطرحها عليه خلال فترة ارجاع باقي العملة حين اشتريت لأحفادي أكياساً من ( شعر بنات ) المترنحة بين هفهفةِ الرّيحِ والمعروضة على دراجته الهوائية التي تحمل مكبر صوت لموسيقى لطيفة لا اعرف اسمها ولمن تعود .
لم تكن الاجوبة كافية على فك اللغز الذي يدور في ذهني ،أشعر أنّه يتعامل معي إما بالتغاضي أو التغابي وربما على ما أظن أن جيوب سترته التي تغطي القسم العلوي من ( دشداشته ) خالية من أوراق ثبوتية في حين اللون القسم السفلي يختلف لونه جراء صفعات شعاع الشمس قد يمثل مجموع الجسدِ وإن انفرد به الصفع .
تركتُ تدوين اجوبته في دفتري الصغير حيث الحياة متشابهة ومتطابقة مع القاطنين أحياء الصفيح خارج المدن ، هو وزوجته فقدوا كلّ ما يملكون لاجل طفلٍ واحد رغم محاولات الأطباء والمراكز الطبية المتخصصة بالانجاب .
لشدة اللهفة التي تحملها زوجته العاقر جعلتها تلتصق أكثر بهذا الرجل الذي فقدَ تجارته بعدما خسر معظم رأس ماله . يتيم وهو الأخ الوحيد لأخوات - لم يذكر لي عددهن - تزوجن قبله بسنوات ، كان يدير محل أبيه الذي أرثه في حيٍ غير الحي الذي يسكن فيه حتى تعرف على زوجته التي استعجلته في اتمام الزواج منها طبقا للعادات المعروفة لدى الجنوب مع تحاشي معرفة الأخرين بما يدور من الحديث المحظور كالعادة بين الذكر والانثى . بمرور الأعوام الأولى من زواجه لم يجد الوقت الكافي لذكرياته أو الحديث كما كان يتحدث عن نفسه أو عن فارس أحلام ( سعدية ) ولم يجد حنجرة نقية لتطرح البوح بنقاء معهود ، كان بوسعه أن يغازل بطنها قبل ان يدوسه لتخرج نطفةً تحمل صراخ الطفل ، تكدست الآمال واصبحت التعاويذ بالية على زنده وزندها والاعذار والاسباب كانت متعددة والغاية واحدة هكذا يستنشق الهواء مع امرأته العاقر من دون رئة ، بينما هو يتوحم فراغات الطين بدلا عنها وسحنة الدمى التي جعلته يكلم مسرح العرائس بلا منصة إذ يجمع جرأته في ساعة الهدوء ليغطس مع عالم الأطفال كأنّه المربي الوحيد لقبيلة من بني البشر حديثي الولادة . غادرته النذور طوعية اختزلت له الحقيقة أن جدران العزلة هي المشيمة والكفاح هو المهد الخشبي يتأرجح شمالا ويمينا بلا وسادة أو لحاف بينما قداسة بخور النذور طافت فوق أمواج النهر لعلها تصل إلى النبي المعني بأمر الانجاب ، ذكر أو أنثى .
وقد تكون الحياة خطأ مع الأولاد لذا تعلما هو وزوجته طريقةً لشنق الحلم بحبال الضوء ورمي قمامات الأمل في بحار جفّ فيها الغرق لديمومة حركة السمك في الهواء الطلق بلا مياه ولم يتخاصما يوما على تسمية المولود ف( غايب ) الاسم المشاع مسجل على ألسنة علم الغيب .
ربّما أسئلتي تكون بالنسبة له سهلة أو محرجة لذا يختصر الأجوبة أغلبها بنعم أو لا ، إلا سؤالي عن رخص سعر الكيس من الشعر البنات فهو يبيع كيسين منها بربع دينار أما اللون يقتصر على الوردي فقط ، السعر حددته زوجته فلا يجوز أبيع أعلى من هذا السعر ولا أقل أما اللون تحبه ( سعدية ) كان هذا الجواب ، حاولت أن أجمع وأطرح ربح ( علاوي ) فيما لو توقظه زوجته في الصباح الباكر ليجوب طرقات الأحياء المترفة بالمال والبنون حتما سيتجاوز المبلغ الورقة النقدية الحمراء ، قد يتقافز الى ذهن السامع لحديث صاحب الدراجة السوداء أنه يستعجل الذهاب وبانتظاره وليمة الألمِ أو بالعكس تنتظره جرعات الفرح وورود السعادة تحملها زوجته التي لم تعرف طريق العشار أبدًا فهي تتبع زوجها ولم تتذكر يوما أنها تقدمت عنهُ بخطوة حتى وإن مرض وأخذته للمركز الصحي القريب من سكنها .
عليّ أنا كراوٍ أروي قصته حسب ما هو يمليها لكن الخيال والتأمل يداهم هذه القصة فيأخذ قلمي أسيرا نحو بحيرة الواقعِ نعوم معاً ولم نسترح على أطراف الزنابق العائمة مثلنا تتمايل بدغدغة دوائرِ الموجِ الخافت ، القارب على ما يبدو
لم يكمله النجار ولا طوق النجاة ترميها السفن العابرة إلى صفحات تأريخِ أسرٍ أكل منها الدهر وشرب ولم يبق منها غير فيالق من حفاة يحاربون من يقاسمهم تلال القمامة المطروحة على قارعة الطريق المؤدي إلى العاصمة .
أرادَ أن يكملُ إجابته فدموعه المنهمرة شطبت كل كلماته وحشرجة صوته بات كصوت رعد تساقط بردا على رؤوسِ فحولٍ عاشت هذا الزمن . قال لي في جملة أخيرة لا أريد القروض من البنوك فأنها ربوية ولا أريد السلف من أصحاب المكاتب فهي انتقام ، ولا الاعانة الاجتماعية في إهانة لاسم البشرية ، المهم أني أحصل ما يرزقني ربي نعيش على نصفه وندخر النصف الآخر إلى ولدنا الموعود اما في بطون الأنابيب أو في رحم القدر ، عرفتُ أخيراً أن ثمن المشيمة محفوظ في وسادة ( سعدية ) .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى